بعد الضربات المتوالية التي كشفتها فضائح في المحاكم المغربية، والتي أسقطت سماسرة ومحامين ومسؤولين قضائيين، آخرها نائب الوكيل العام للملك بالمحكمة الزجرية الابتدائية، والضجة التي قامت عليها، وإثر ظهور مجموعة من الأخبار والمعلومات المرتبطة بقضاة مغاربة، والجرأة التي جرى التطرق بها لمعلومات عنهم، وما جرى نسبه إليهم، تحركت أكبر تكتلات قضائية بالمغرب، وعقدت اجتماعاتها للتداول في أمر إحدى القنوات على "اليوتوب"، واتهمتها بنشر الأكاذيب، مطالبة بتحرك رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية للتحقيق في هذا الأمر. وفيما يبدو أمرا استعجاليا، فقد عقد المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدار البيضاء، اجتماعا أول أمس الاثنين، أعقبه اجتماع مماثل للمكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بالدار البيضاء، جرى خلالها مناقشة ما تنشره قناة "بلا حدود"، حول المسؤولين القضائيين، وعلاقتهم بمجموعة من الملفات المعينة، ونشرها معلومات متعلقة بتصرفات تنسبها للقضاة والمسؤولين القضائيين المعنيين بالأمر، وهو ما استنفر نادي القضاة والودادية الحسنية للرد على الأمر، وطلب تدخل محمد عبدالنباوي، ومصطفى فارس في القضية. ومن جهتها، تخصصت القناة المذكورة في الحديث عن علاقات متشعبة بين مسؤولين قضائيين، ومتداخلين في منظومة العدالة بالمغرب وإعلاميين، في شبكات للتأثير على ملفات قضائية، وقضايا يتتبعها الرأي العام المغربي، إضافة إلى ما تصفه ب"كشف الخبايا"، بطريقة واضحة ومفصلة، تستهدف أشخاصا بأسمائهم وصفاتهم، وأيضا عن طريق التلميح والألقاب، وهو على ما يبدو، ما أثار حنق مسؤولين في مجالات مختلفة، ضمنهم مسؤولون قضائيون. وعقد المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدار البيضاء، اجتماعا الاثنين الماضي، عن طريق آليات التواصل عن بعد، خصصه للتداول في شأن فيديوهات وصفها البلاغ ب"المفبركة" تبث على قناة بموقع اليوتيوب تدعى "بلا حدود"، تتضمن "أكاذيب وإهانات جارحة في حق العديد من القضاة، بهدف تشويه سمعتهم لدى الرأي العام خدمة لأجندات جهات معينة". على حد تعبير البلاغ، الذي وقعه مصطفى رزقي، رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدار البيضاء. واعتبر المكتب الجهوي للنادي أن العشرات من الفيديوهات المنشورة بالقناة تشكل أفعالا إجرامية معاقب عليها بعقوبات حبسية، ولا علاقة لها بالعمل الصحافي المهني المسؤول، داعيا الجهات المعنية إلى "تحمل مسؤوليتها في صيانة سمعة وهبة واستقلالية القضاء وكرامة القضاة كالتزام دستوري". مبرزا عزمه على سلوك جميع المساطر القانونية في مواجهة القائمين على تلك القناة. وبدوره، وبعد يوم واحد من الاجتماع الأول، عقد المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بالدار البيضاء اجتماعا طارئا عن بعد، للتداول في ما جرى نشره في الآونة الأخيرة من أشرطة صوتية على إحدى القنوات الصحفية، والتي وصفها بلاغ الودادية بأنها تتضمن "اتهامات مجانية وافتراءات واضحة في حق بعض القضاة تمس باعتبارهم وكرامتهم وشرفهم وبحرمة السلطة القضائية التي ينتمون إليها"، وذلك بناء على الأهداف المنوطة بالودادية الحسنية للقضاة كجمعية قضائية مهنية، والمحددة أساسا في السهر على احترام كرامة القضاة وضمان حقوقهم ومصالحهم المهنية والدفاع عن كل ما يمس بها وصيانة حرمة القضاء، وتعزيز استقلالية السلطة القضائية والدفاع عنها وحمايتها من كل ما قد ينال من سمعتها وكرامتها ضمانا لحقوق الأشخاص وحرياتهم. وأوضح المكتب في بلاغ له وقعه يحيى الزلوطي، الكاتب العام للمكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بالدار البيضاء، أن القضاة هم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، لكن التشهير بهم على صفحات المواقع أمر مرفوض ومناف للقانون عينه، ويشكل جرما في حق المجتمع والمؤسسات ومعاقب عليه بعقوبات حبسية، معلنا تذمر القضاة مما وصفه ب" الافتراءات والأكاذيب التي أضحت جاثمة على قلوبهم ومصدر قلقل لديهم من خلال كثرة الأباطيل والتهم التي تعج بها هذه الأشرطة"، مطالبا المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، التدخل بصفة مستعجلة من أجل حماية القضاة، وبالتالي السلطة القضائية، ممن وصفهم ب"الفيروسات"، ومن يقف وراءها بهدف ردعها وإيقاف هذا النزيف الذي أضحى يشكل هاجسا يوميا يقض مضجع القضاة، وبالتالي، يؤثر سلبا على مردودية عملهم داخل المحاكم." معلنا أن حشر القضاة في صراعات مهنية لن يخدم أجندات من يقف وراء هذه "الحملة المسعورة"، ولن يثني القضاة عن القيام بدورهم الأساسي في المجتمع وهو التطبيق الصارم للقانون والفصل في المنازعات بكل استقلالية وتجرد ونكران الذات.