أتت الحرائق المهولة، التي اندلعت في إقليمشفشاون قبل ثلاثة أيام، على هكتارات من الغابات لم تحدد مساحتها المتضررة بالضبط، حيث ما تزال فرق الإطفاء وسواعد السكان القرويين تواصل لليوم الرابع جهودها لإخماد النيران، التي تلتهم الأخضر واليابس من الغطاء النباتي، في سلسلة جبال ومرتفعات الريف ومنطقة أونان وباب برد وباب تازة. وجندت السلطات أزيد من 270 إطفائيا من عناصر المياه والغابات والوقاية المدنية والقوات المساعدة والقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، وفق تصريح سعيد بن جيرة، المدير الجهوي للمياه والغابات بالريف، لوكالة المغرب العربي للأنباء، مشيرا إلى أن جهود الإطفائيين على الأرض تدعمها جوا طائرتا "كانادير" تابعتان للقوات المسلحة الملكية. من جهة أخرى، أوضحت مصادر محلية أن سكان المنطقة بدورهم تطوعوا بوسائل بدائية من أجل دفع أخطار الحرائق عن منازلهم وممتلكاتهم، خاصة وأن تقلبات الرياح تساهم في انتشار كثيف للنيران، التي اندلعت شرارتها الأولى في حدود الساعة الثانية بعد الزوال ليوم الثلاثاء الماضي، في ظروف غامضة لم تعرف أسبابها بعد. وأضافت مصادر "أخبار اليوم" أن الحريق المهول خلف، إلى غاية أمس، أضرارا مادية كبيرة في محاصيل السكان، إذ لم تتمكن الساكنة من إحصاء مخلفاتها بعد، في الوقت الذي ما زالت فيه ألسنة اللهب تتوسع في نواحي مختلفة وفي كل الاتجاهات، بسبب الرياح التي تهب على المنطقة. كما أوضحت المصادر نفسها أن وعورة التضاريس الجبلية وقوة رياح الشرقي الحارة، كلها عوامل تؤجج اشتعال شرارة الجمرات بعد إخماد ألسنة اللهب. وتعد غابة "أكومسان" بجماعتي باب برد وأونان المتنفس الطبيعي الوحيد للساكنة القروية، حيث تتخذ من غطائها الغابوي مرعى لمواشيها، ومن أشجارها ظلالا وفيرة لجلساتها المسائية، ومن عيونها الباردة يروي الإنسان والحيوان ظمأ حر فصل الصيف. من جانب آخر، وفي غياب معطيات رسمية حتى الآن عن أسباب الحريق، لا حديث وسط سكان المنطقة والفعاليات الجمعوية، سوى عن احتمال أن يكون الحادث مدبرا بفعل جهات مستفيدة دوما من تحويل الغطاء النباتي إلى رماد، في إشارة إلى شبكة مزارعي المخدرات. وحسب مصادر جمعوية التمست عدم ذكر اسمها، يستفاد من وقائع سابقة وحرائق مماثلة أن أنقاض المساحات الغابوية تحولت فيما بعد إلى حقول لزراعة الحشيش، أو ضيعات فلاحية بسط نافذون سيطرتهم عليها، كما يتم تحويل جزء من المساحات إلى بقع أرضية مفتوحة في وجه الاستثمار العقاري. وإذا صحت هذه الفرضيات التي تعزز قوتها حوادث تشترك في نفس المصير، بعد أن تأتي النيران على الأخضر واليابس من المساحات المشجرة، فإن السؤال المطروح الذي يفرض نفسه، حسب نشطاء البيئة، هو جدوى مؤسسة عمومية مكلفة بحماية المياه والغابات؟ وهل لديها مخطط لمواجهة أخطار الحرائق التي تدوم عدة أيام؟ حيث لا تمر فترة صيف دون وقوع حرائق بنفس السيناريوهات وبنفس النتائج التي تخرب الغابات. والمثير للغرابة أنه عقب كل حادث حريق، تختتم بلاغات السلطات بعبارة صارت غير ذي معنى حين تقول: "وتم فتح تحقيق لتحديد ملابسات هذا الحريق"، لكن الرأي العام لا يسمع بعدئذ أية أخبار لا عن الملابسات ولا عن تحديد المسؤوليات ولا عن نتائج التحقيق المفترض، وبالتالي تظل تلك الأفعال منسوبة لمجهولين ولا يطال الحساب والعقاب المشتبه في ارتكابها، في ظل استبعاد خبراء المجتمع المدني ونشطاء الدفاع عن البيئة فرضية السلوك العرضي في نشوء تلك الحرائق في ظروف متشابهة. وأتى آخر حريق مماثل اندلع أواخر شهر غشت من السنة الماضية، في غابة "عشاشة تاسيفت" بإقليمشفشاون، على مساحة 320 هكتارا من الغطاء الغابوي من أشجار العرعار والصنوبر، وفق ما صرح به عبد العزيز حجاجي، المدير الجهوي للمياه والغابات بطنجة تطوانالحسيمة، آنذاك. .6