تعيش مدينة مراكش، منذ الأسبوعين الأخيرين، على وقع شبه "انهيار للمنظومة الصحية"، وفق ما أكده متابعون، وذلك بعد الارتفاع الكبير، المسجل في عدد حالات الإصابة المؤكدة، والوفيات، الناجمة عن فيروس كورونا المستجد، في حين تعاني المدينة، التي يقارب عدد سكانها مليون نسمة ضعفا في البنية التحتية الاستشفائية، وعدم كفاية العرض الصحي للطلب المتزايد. وإلى حدود، مساء أمس، بلغ عدد حالات الإصابة بالفيروس المؤكدة في مدينة مراكش 5235 حالة، أي ما يشكل 73 في المائة من الحالات المسجلة في عموم جهة مراكش- آسفي، منها ما يقارب 3000 حالة لاتزال نشطة، فيما ارتفع عدد حالات الوفاة في المدينة إلى 121 حالة، ما يعادل 84 في المائة من الحصيلة الجهوية. وفي مقابل الأعداد المذكورة، فإن الطاقة الاستيعابية للمستشفى الإقليمي، لا تتعدى 100 سرير، مع 6 أسرة فقط مخصصة للانعاش، و6 أخرى للعناية المركزة، فيما توجه بعض الحالات إلى مستشفى بنجرير، ذي الاستقطاب الوطني، والذي تصل طاقته الاستيعابية إلى 800 حالة، في حين لا يستقبل المستشفى الجامعي في المدينة إلا الحالات الحرجة، والخطيرة. وعلى الرغم من بدء الوزارة تنفيذ بروتوكل العلاج المنزلي لفئات من المصابين، فإن مستشفى المامونية أصبح يتلقى أعدادا كبيرة من المرضى، تفوق طاقته الاستعابية بنحو 200 في المائة، وفق ما أكدته مصادر الموقع. وأظهرت صور، ومقاطع فيديو، نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة فوضى يعيشها المستشفى الإقليمي إبن زهر، المسمى ب"المامونية"، والذي خصص لاستقبال مرضى كوفيد 19، بعدما اكتظ بأعداد المصابين، الذين اضطر عدد كبير منهم إلى المكوث في الممرات في غياب أسرة. بنية صحية مهترئة وضعف في أعداد الموارد البشرية تعاني مدينة مراكش، منذ سنوات، من تراجع متواصل في منظومتها الصحية، وفق ما أكده الناشط الحقوقي، عمر أربيب، عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي قال ل"اليوم 24′′، إن سكان المدينة طال انتظارهم وعودا متكررة بإيجاد بديل عن مستشفى المامونية، الذي اهترأت بنيته بشكل خطير، مع تقادم تجهيزاته، وكذا إصلاح مستشفى الأنطاكي، كما تعثر إنجاز مستشفى سيدي يوسف بن علي، والمحاميد إلى حدود الآن. وسجل أربيب، أيضا، أن القطاع الخاص، وكذا مصحة الضمان الاجتماعي لم ينخرطا في مواجهة الأزمة، على الرغم من الدعاية الكبيرة، التي يتم ترويجها في هذا الإطار. من جهته، قال الدكتور أسامة القدميري، طبيب في القطاع العام في المدينة، وعضو المجلس الوطني للنقابة الوطنية المستقلة للأطباء، إن الوضع الكارثي للمستشفيات العمومية في مراكش سبق التنبيه إليه في عدد من المحطات، لكن جميع المسؤولين، الذين مروا من مراكش لم يعيروا الانتباه إلى المستشفيات العمومية، التي جرى إهمالها، في مقابل توسع أعداد، ونشاط المصحات الخاصة. وسجل القدميري سوءا في تدبير قطاع الصحة في المدينة، التي حرمت من خدمات مستشفى ابن طفيل، منذ إلحاقه بالمستشفى الجامعي، بينما أكد أنه كان ينبغي أن يخصص لمرضى كورونا، مع الإبقاء على مستشفى ابن زهر للاستجابة لباقي العلاجات. توقف العلاجات للأمراض الأخرى والجراحة تسببت الأزمة المتصلة بوباء كورونا في حرمان المصابين بأمراض أخرى في جهة مراكش- آسفي من الاستفادة من العلاجات اللازمة، إذ أكد عاملون في القطاع الصحي أن عمليات الجراحة في المستشفى الجامعي لمراكش، توقفت، أخيرا، باستثناء الحالات المستعجلة، في حين تجنب عدد كبير من المرضى الذهاب إلى المستشفيات، خوفا من الإصابة بالعدوى، خصوصا مع عدم وجود مسارات تفرز مرضى كوفيد 19 عن غيرهم، إذ طال الضرر المرضى المصابين بالأمراض التنفسية الأخرى، التي تحتاج إلى أجهزة للتنفس. وأكد الناشط الحقوقي، أربيب، أن سعر أجهزة التنفس ارتفع سعرها، وتجاوز 9000 درهم، في حين بلغ سعر قنينة الأوكسيجين الصغيرة ألفي درهم. وضع الموارد البشرية أزمة كورونا تسببت، أيضا، في إنهاك كبير للأطر الصحية في مدينة مراكش، الذين استمر عدد كبير منهم في العمل في الخطوط الأمامية لمواجهة الوباء، منذ العاشر من شهر مارس الماضي، حينما اكتشفت أولى حالات الإصابة به، إذ ارتفع العدد بشكل تدريجي ومتواصل. كما تأثرت نفسية الأطباء، والممرضين، والتقنيين، بعدة قرارات للوزارة، كان أهمها تعليق استفادتهم من العطلة السنوية، والاقتطاعات في الأجور، التي لم يتم إعفاؤهم منها، في مقابل وعد بمنحهم منحة اعتبرت هزيلة في مقابل ما يواجهونه من أخطار. وتعد بنية، وتدبير الموارد البشرية في مدينة مراكش، عاملا آخر، تسبب في مضاعفة تداعيات الأزمة، وأشارت مصادر "اليوم 24" إلى أن معدل أعمار الأطر الصحية مرتفع جدا، ويوجد بينهم عدد كبير من المسنين، الذين عملوا لسنوات، لا تقل عن 15 أو 20 سنة، والذين لم يتم تعيين أغلبهم مباشرة في المدينة، بل إنهم نقلوا إليها من مراكز أخرى، وهو ما أثر بشكل طبيعي في تدهور إنتاجيتهم. كما تعاني، بحسب نفس المصادر، المنظومة الاستشفائية في المدينة من نقص كبير في الأطر الصحية، لاسيما أن منهم مصابون بأمراض مزمنة، ما منعهم من العمل في قسم كوفيد 19، إذ لم يتم تعويضهم إلى حدود الآن. مطالب بإقامة مستشفى ميداني وطالب عدد من الحقوقيين في مدينة مراكش، بينهم عمر أربيب، بإقامة مستشفى ميداني محلي بأقصى سرعة، لوقف تدهور الوضع في المدينة، مع فتح المستشفى العسكري للتكفل بالمرضى، وإجراء التحاليل المخبرية، وإشراك الأطر الصحية، وذوي الخبرة في اتخاذ القرارات، ذات الصلة بتدبير الوضع، بدل استئثار وزارة الداخلية بذلك. وشدد أربيب على أن إيفاد لجنة لمعاينة الوضع، أو ما يتم الترويج له من إقالة لمندوبة وزارة الصحة، غير كافيين، ملحا على ضرورة محاسبة المسؤولين على ما أسماه بالاهمال التاريخي لقطاع الصحة في مدينة مراكش. وكانت لجنة وزارية قد حلت، أمس الثلاثاء، في مدينة مراكش للوقوف على الوضع الصحي في المدينة، فيما شددت السلطات المحلية على تدابير الطوارئ الصحية في مختلف مناطق نفوذ العمالة، كما قررت تخفيض نشاط المحلات التجارية، والأسواق، وإغلاق المقاهي، والطاعم، التي لا تحترم التدابير الاحترازية. كما تم تحديد سبعة مناطق حضرية في مدينة مراكش، تقتضي، فضلا عن التدابير العامة المذكورة، اتخاذ إجراءات خاصة بها، ويتعلق الأمر بمناطق سيدي يوسف بن علي، والحي الحسني، والحي المحمدي، والمحاميد، والمنارة، وجامع الفنا، وقشيش.