جمعت منظمة هيومن رايتس ووتش المغرب والجزائر في تقرير تقول فيه إن البلدين الجارين لم يتفقا إلا على «إخراس الصحافيين»، مستعرضة حالة صحافيين معروفين بكلا البلدين بنشاطهما الإعلامي وبانخراطهما في تغطية ومساندة الحراكات الاجتماعية، خالد درارني بالجزائر وعمر الراضي بالمغرب، وكلاهما خلف القضبان، ويكمن الفرق في أن المحكمة ستنطق بالحكم في قضية درارني في العاشر من الشهر الجاري، فيما لن تعقد أولى جلسات الراضي إلا في 22 شتنبر المقبل أمام قاضي التحقيق وهو في حال اعتقال بسجن عكاشة بمدينة الدارالبيضاء. «المغرب والجزائر دولتان جارتان ومتنافستان، يفصل بينهما واحد من أطول الحدود البرية المغلقة في العالم، وهما في منافسة دبلوماسية دائمة، ويهين كل منهما الآخر كل يوم في وسائل الإعلام القريبة من السلطات، ومع ذلك، فإن الملاحقات القضائية الأخيرة ضد الصحافيين تسلط الضوء على نقطة مشتركة بين البلدين منذ فترة طويلة»، تقول المنظمة غير الحكومية، محيلة على الواقع القانوني لكلا البلدين والذي يخلو من العقوبات السالبة لحرية الصحافيين، سواء الدستور الجزائري أو قانون الصحافة والنشر المغربي، لكن المنظمة تستدرك أن «الدولتين طغتا أخيرا على صحافيين معروفين، فيما تدعيان احترام حرية الصحافة». وفي ما يتعلق بالأسلوب، فإنه يتجلى من الجانب المغربي في «توجيه مجموعة من التهم الجنائية ضد الصحافي المستهدف»، في حين «تفضل السلطات الجزائرية اللجوء إلى الجرائم التي يحددها القانون الجنائي بطريقة تعويمية». في المغرب والجزائر حراكات وصحافيون خلف القضبان خالد درارني صحافي جزائري، وأحد أبرز وجوه الحراك الشعبي بالجزائر، يتابع حسابه على فايسبوك وتويتر آلاف المتابعين، يغطي باستمرار مسيرات الحراك مراسلا لقناة TV5 Monde الفرنسية، وهو صحافي مؤسس لموقع «القصبة تريبون»، تابع الحراك أزيد من سنة، لكن حينما غطت الجائحة العالم أدخلته السلطات الجزائرية السجن بعدما عانى تحرشات عديدة من لدنها، سواء من خلال التوقيف المتكرر، أو حملة التشهير التي خاضتها الصحف المقربة من السلطة ضده، وكان درارني ممن دعوا إلى تعليق مسيرات الحراك احتراما للصحة العامة في وقت كانت تتصاعد فيه أصوات تقول إن «النظام أخطر من الفيروس»، وفق ما تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات الإعلام المهني، لكن «الحراك علق تعبئته في مواجهة فيروس كورونا المستجد، لكن الحكومة لم تعلق قمعها»، وفق ما قاله إيريك غولتشتاين، نائب مدير منظمة هيومن رايتس ووتش بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عشية توقيف خالد درارني متم مارس الماضي، ولم يكن التوقيف الأول في الشهر نفسه إلا أنه لم يخرج منه إلى حد الآن، فقد كانت السلطات الجزائرية قد أوقفته أثناء تغطيته مسيرة من مسيرات الحراك في السابع من مارس ثم أفرجت عنه في العاشر من الشهر نفسه، كما سبق أن اعتُقل رفقة أحمد رضى بنشمسي، الصحافي المغربي سابقا، ومسؤول التواصل بمنظمة هيومن رايتس ووتش، خلال مسيرة للحراك بالجزائر، وأفرِج عن درارني بعد ساعات من التوقيف، في حين طردت السلطات الجزائرية بنشمسي نحو المغرب لاحقا. درارني، وهو مراسل منظمة «مراسلون بلا حدود» المعتمد بالجزائر، كان يواكب المضايقات ضد الصحافيين وما يعتمل في مجال حرية التعبير والصحافة من لجم وزجر. في 3 غشت الجاري، حوكم في محكمة في الجزائر العاصمة بتهمة «المساس بالوحدة الوطنية» و«التحريض على التجمع غير القانوني»، وطلب المدعي العام سجنه مدة أربع سنوات؛ ومن المتوقع صدور الحكم في العاشر من هذا الشهر، ويبدو أن درارني «قد أغضب السلطات بتغطيته للحراك، وهي حركة احتجاج مستمرة. نشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي عن احتجاجات أسبوعية حاشدة تدعو إلى إصلاحات سياسية أجبرت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة في ربيع 2019. منشورات خالد درارني، التي توثق حركة الحراك بشكل واسع وسلمي على فيسبوك وتويتر، تشكل الجزء الأكبر من الأدلة ضده، على حد ما قال محاموه ل«هيومن رايتس ووتش»، تقول المنظمة في تقريرها، وتضيف أن «عمر الراضي، الذي يحقق في مواضيع مثل الافتراس العقاري أو فساد الدولة، تستخدم السلطات المغربية أسلحتها ضده منذ فترة طويلة. وفي يونيو، كشفت منظمة العفو الدولية أن هاتف الراضي قد اختُرق بواسطة برامج بيغاسوس التجسسية؛ وقد نفت السلطات أي تورط لها في ذلك. في مارس، حكمت عليه محكمة بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ بسبب تغريدة نشرها قبل عام، انتقد فيها أحد القضاة لعقوباته القاسية ضد النشطاء». وفي الوقت الذي يقبع فيه درارني بسجن القليعة بالجزائر وينتظر الحكم الذي سيصدر ضده، «سجنت السلطات في الدارالبيضاء عمر الراضي في 29 يوليوز، بعد استجوابه 12 مرة في أربعة أسابيع. ومن المقرر أن يمثل أمام قاضي التحقيق في 22 شتنبر بتهمة تعريض الأمن الخارجي للدولة للخطر من خلال نسج علاقات مع عملاء أجانب، وتعريض الأمن الداخلي للدولة للخطر من خلال تلقي أموال أجنبية، والاغتصاب»، تقول هيومن رايتس ووتش. الراضي وردرارني.. تشابه في مسار الصحافيين واختلاف في مسار قضائي لكن السجن واحد في قصتي خالد درارني وعمر الراضي كثير من التشابه وكثير من الاختلاف كذلك، فالراضي كان من الوجوه البارزة لحركة عشرين فبراير التي انطلقت مع ما بات يعرف إعلاميا ب«الربيع الديمقراطي» سنة 2011، وهي الموجة التي تأخر ظهورها بالجزائر إلى أن ابتدأت برفض ولاية خامسة للرئيس الجزائري المنحى، عبد العزيز بوتفليقة، قبل ما يزيد على سنة، وكان درارني من أبرز الوجوه الشابة الإعلامية التي غطت الحراك، ولم يخف دعم مطالبه. عمر الراضي معروف بمساندته حراك الريف بالمغرب، بل أنجز فيلما حوله، وأدخلته تغريدة غاضبة حول الأحكام ضد نشطاء الحراك أياما سجن عكاشة بالدارالبيضاء، قبل أن يغادره ويتابع في حالة سراح، ثم يُحكم عليه في مارس الماضي بأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ، وهو الشهر الذي جرى توقيف درارني فيه وسجنه إلى غاية الآن، ومصيره معلق بما ستنطق به المحكمة في العاشر من هذا الشهر. الراضي كان يعمل مع وسائل إعلامية أجنبية منها الفرنسية، ووجد نفسه ملاحقا بتهم تتعلق ب«التجسس» و«العمالة»، وهي التهم التي طاردت درارني في الإعلام المقرب من السلطات، حيث وُصف ب«العميل لإسرائيل» تارة ولفرنسا تارة أخرى، أضف إلى ذلك اتهامات ذات طبيعة أخلاقية مرتبطة بالحياة الخاصة، كلها روجها إعلام السلطة، لكنه لم يحاكم بموجبها أمام القضاء، في حين يواجه عمر الراضي تهما من النوع نفسه، بل وتتضمن «الاغتصاب»، وهي كلها تهم روجتها بعض الوسائل الإعلامية، قبل أن تصدر على اللسان الرسمي للسلطات، و«نظراً إلى تراكم الاتهامات المتباينة، التي رافقتها حملة تشهير في وسائل الإعلام التي تعتبر قريبة من أجهزة الأمن المغربية، يبدو أن محاكمة عمر الراضي محاولة لكسره وتخويف معارضين آخرين. هذا يعني أن ادعاء الاغتصاب يحتاج إلى معالجة جادة وشاملة وعادلة للتحقيق، خاصة في سياق هذه الحالة المسيّسة، حيث يمكن أن يقفز المراقبون إلى استنتاجات متهافتة»، تقول هيومن رايتس ووتش، خاتمة تقريرها حول الصحافيين المغربي والجزائري بالقول: «ومن المؤكد أن السلطتين الجزائرية والمغربية على خلاف في العديد من المجالات، لكن عندما يتعلق الأمر بكره الصحافيين والنشطاء الذين يجرؤون على التعبير عن أنفسهم بحرية، فإنهما على الموجة نفسها». تراجعت الجزائر في ترتيبها الدولي، الذي أعلنته منظمة «مراسلون بلا حدود» حول حرية الصحافة لسنة 2020، بخمس رتب لتحتل المرتبة 146 ضمن 180 دولة، في حين تقدم المغرب بمرتبين وصار في المرتبة 133. زار بنشمسي الجزائر في إطار عمله مع منظمة هيومن رايتس ووتش على حد تصريحاته، فطردته السلطات الجزائرية، وكان رفقة درارني، الصحافي الجزائري المعتقل حاليا، وزار عمر الراضي الجزائر كذلك، ويقول إن تصريحاته على أثير إذاعة جزائرية هناك «كانت سبب اعتقاله مباشرة بعد عودته من الجزائر وانطلاق قضية التغريدة». يبدو أن الألفة التي تجمع بين صحافيين مغاربة وجزائريين توحد السلطتين ضدهم. . 6