في خضمّ جائحة فيروس كورونا المستجدّ، يحتفل الملك محمّد السادس في يوليوز 2020، بمرور 21 عاماً على تولّيه العرش. وعلى مدى العقدَين الماضيين، قاد الملك حملةَ إصلاحات مدنية وسياسية إيجابية، إلى جانب تغييرات هائلة في السياسة الخارجية والبُنى التحتية. ومؤخّراً، اتّخذ النظام إجراءات سريعة وفعّالة للسيطرة على التفشّي الأوّلي لجائحة فيروس كورونا المستجدّ. بيد أنّ التحديات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية المتجذّرة قد أجّجت خيبة أمل شعبية متزايدة بالنظام وأطلقت عدّة احتجاجات وإضرابات في السنوات الأخيرة. وبعد مرور عقدَين، يتزايد الندم والفرص الضائعة، فيما يعود المغاربة في الذاكرة إلى حُكمِ نظام ملكي أملوا بأن يُحدِث إصلاحات سياسية عميقة ويقضي على التفاوت الاجتماعي. يُقيّم ملخّص السياسة هذا عن كثب الإنجازات والتحديات الرئيسة التي برزت في العقدَين الأولَين من حكم الملك محمّد السادس في المغرب. فيعطي بداية لمحة عن أبرز الإنجازات التي حقّقها النظام الملكي في مجال السياسة الخارجية وعمليّات التطوير الضخمة في البنى التحتية والإصلاحات المدنية المهمّة والتحوّل السياسي المحدود. ثانياً، ينظر إلى غياب الإصلاحات السياسية العميقة والنموّ الاجتماعي الاقتصادي الذي مازالت المملكة تعانيه. أخيراً، يرى الملخّص أنّه ينبغي على النظام طرح إصلاحات هادفة وحقيقية بشكل استباقي من أجل تحسين الظروف السياسية والاجتماعية الاقتصادية وتلافي تحوّل الاستياء الشعبي إلى عنف.
في العام 2019، تبيّن للباروميتر العربي أنّ 70 في المائة من المغاربة بين 18 و29 سنة فكّروا في الهجرة، فيما أيّدت نسبة 49 في المائة إحداث تغيير سياسي سريع على المستوى المحلّي، وهذه النسبة هي الأعلى بين كلّ الدول العربية التي شملها استطلاع الرأي. وتشير أرقام كهذه، إلى جانب احتجاجات مزمنة ومقاطعة تطال البلاد بأسرها ونداءات وأغاني راب ناقدة وتعبيرات عن الاستياء على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى شعور متزايد بخيبة أمل شعبية بالنظام. ويأتي الشعور المتنامي بالإحباط لدى مجموعة متنوّعة من المغربيّين في زمن لافت في تاريخ البلاد السياسي، إذ سيحتفل الملك محمّد السادس في 30 يوليوز 2020 بمرور 21 عاماً على اعتلائه العرش، في خضمّ جائحة دفعت البلاد نحو إغلاق إلزامي وتركت الكثيرين بدون رواتب وأفضت إلى كلام عن زيادة في عنف الشرطة. لقد خضع المغرب في خلال حكم محمّد السادس لإصلاحات سياسية واقتصادية مهمّة فيما واجه تحدّيات كبيرة. ففي خلال السنوات الخمسة الأولى من حكم الملك، سمح النظام بإقامة انتخابات أكثر عدلاً وخفّف من الرقابة على الإعلام وأقرّ بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكِبَت في خلال حكم الملك حسن الثاني الراحل (1961-1999) وانتهج برامج تنمية اقتصادية. ومن بين الإنجازات الأخرى تعزيزُ سياسة البلاد الخارجية عبر تنويع قاعدة الحلفاء وتحسينُ البنى التحتية من خلال مشاريع كبيرة الحجم. وردّاً على احتجاجات العام 2011، طرح النظام إصلاحات حَدّتْ من سلطاته بشكل طفيف (أي اشتراط أنّ يكون رئيس الحكومة من الحزب الذي استأثر بالحصّة الكبرى من الأصوات وتقليل عدد المناصب الدبلوماسية والإدارية العليا التي يستطيع الملك أن يعيّن فيها مباشرة). علاوة على ذلك، دخل حزب إسلاميّ، وهو حزب العدالة والتنمية، في الحكومة للمرّة الأولى في تاريخ البلاد. بيد أنّه على الرغم من هذه الإنجازات، بقي المغرب يواجه تحديات اجتماعية اقتصادية. فالبلاد تعاني معدّلات بطالة مرتفعة، وفقراً، وتفاوتاً اجتماعياً، ورعاية صحّية وتعليماً رديئَين، وفجوة مستمرّة بين المناطق الريفية (ونعني بالريف القرى في السياق المغربي) والمناطق الحضرية، ودَيناً عاماً ضخماً. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الاقتصاد على واردات النفط، وعلى قطاعَي السياحة والزراعة المضطربين. وفي العقد الماضي، واجهت الاحتجاجات التي سبّبتها الأوضاع الاقتصادية الصعبة قمعاً مُضطرداً لجأ إليه النظام الذي يخشى تزايد عدم الاستقرار. في الواقع، منذ احتجاجات العام 2011، واجه النظام مخاوف أمنية كبيرة بسبب نشأة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الدول المجاورة والحراك الشعبي في منطقة الريف (في شمال المغرب) المتمرّدة تاريخياً. وبعد مرور عقدين، يبدو أن عملية الإصلاح قد انهارت كلياً. وبشكلٍ عام، سيزيد استمرار المصاعب الاقتصادية والقيود السياسية من الإحباط الشعبي وسيؤجّج المزيد من الاحتجاجات. بيد أنّه مازال باستطاعة الملك، الذي يبقى الفاعل السياسي الأقوى في البلاد، تهدئة هذا الوضع المتقلّب، بحيث أنّ النظام لم يلجأ إلى العنف الوحشي بعد. ومن أجل تفادي الفوضى، ينبغي على النظام التركيز على: (1) تحقيق انفتاح سياسي ملموس عبر الحدّ من تدخّله في شؤون الحكومة وعبر توزيع فعّال للمهام بين النظام الملكي والحكومة، و(2) الحدّ من التفاوت الاجتماعي عبر إصلاح النظام الضريبي، فيحصّل بذلك الأموال لتحسين الظروف المعيشية لسكّان المناطق الريفيّة ولتحسين التعليم والرفاه. الإنجازات والتحديات منذ أن تولّى محمّد السادس العرش في العام 1999، خضع المغرب لتغييرات مُلفتة من ناحية السياسة الخارجية وتطوير البنى التحتية والإصلاح المدني. بيد أنّ الإصلاح السياسي الملموس مازال وعوداً قديمة والتحديات الاجتماعية الاقتصادية مستمرّة، على الرغم من إحراز تقدّم طفيف. إعادة توجيه السياسة الخارجية لقد خطا المغرب خطوات كبيرة في مجال السياسة الخارجية عبر تنويع قاعدة حلفائه من أجل تحقيق مصالح اقتصادية ودبلوماسية. ففي عهد الملك الحالي، انضمّ المغرب من جديد إلى الاتّحاد الإفريقي ووطّد علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي وحسّن علاقاته مع أوروبا ورسّخ موقعه كحليف دولي في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. وللمحافظة على العلاقات التجارية والاستمرار بتلقّي المساعدات الثنائية من أوروبا، وهي الشريك التجاري والمانح الأكبر للمغرب، غالباً ما كان على النظام القبول بما يصدر من الاتّحاد الأوروبي من قيود على التبادل التجاري وانتقادات حول حقوق الإنسان. وبالفعل، استأثر الاتّحاد الأوروبي بنسبة 59,4 في المائة من تجارة المغرب في العام 2017 (أي 64,6 في المائة من صادراته و56,5 في المائة من وارداته)، وأتى ما لا يقلّ عن 73 في المائة من أرصدة المغرب من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة في العام 2019 من الدول الأوروبية. بالتالي، في خلال حكم محمّد السادس، برزت جهودٌ واعيةٌ للحدّ من هذا النفوذ، وسعى صانعو القرارات المغربيّون لتنويع قاعدة دعم البلاد عبر توطيد الصلات بدول مجلس التعاون الخليجي وتأسيس علاقات جديدة مع شركاء غير تقليديين، على غرار الصين وروسيا. وكان اللافت إعادة توجّه المملكة نحو إفريقيا جنوب الصحراء. وبالفعل، أيّد محمّد السادس فكرة التحلّي بحضور أكبر في القارة الإفريقية، وهذه خطوة تضع المملكة في موقع يجعلها بوّابة الغرب إلى أفريقيا، ممّا يسمح بتحسين مكانتها الدولية وكسب الدعم الإقليمي وتحسين اقتصادها. فانضمّ المغرب من جديد إلى الاتّحاد الإفريقي في العام 2017، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على الخروج منه. ومنذ ذلك الحين، أبدى النظام رغبته في الانضمام إلى الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التي دعت المغربَ إلى قمّة أقيمت مؤخراً. وعمل الملك شخصياً على تأسيس صلات بالبلدان جنوب الصحراء الكبرى، فأجرى عدّة زيارات إلى دول مختلفة ووقّع قرابة ألف اتفاقية اقتصادية وسياسية وأمنية. وبفضل جهود الملك، زادت الشركات المغربية التعاون مع إفريقيا جنوب الصحراء في مجالات العمل المصرفي والاتّصالات والتأمين والتصنيع. في الواقع، تبعاً البنك الإفريقي للتنمية، استأثرت دول جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 85 في المائة من الاستثمارات المباشرة الأجنبية المغربية في العام 2018. والتبادلُ التجاري المغربي الإفريقي في ازدياد أيضاً، إذ ارتفع 68 في المائة بين العامَين 2008 و2018 (راجع الرسم رقم 1)، فيما ازدادت الصادرات المغربية إلى غرب أفريقيا ثلاثة أضعاف في الفترة عينها. وعلاوة على تعزيز اقتصاد المملكة وتنويع قاعدة حلفائها، ستعود صلات المغرب بدول جنوب الصحراء الكبرى بالمزيد من النفع على علاقتها مع الاتّحاد الأوروبي عبر تعزيز التبادل التجاري بين المغرب والاتّحاد الأوروبي وإفريقيا. من ناحية الأمن الإقليمي، ازداد عدم الاستقرار في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل على مدى العقد الماضي، ممّا سمح للمغرب بالبروز كطرف فاعل أساسي في مكافحة الإرهاب. وقد سلّطت الاحتجاجات الأخيرة في الجزائر والسودان ومصر الضوءَ على المغرب كمساحة استقرار في منطقة متصارعة وكحليف آمن للأطراف الفاعلة الغربية. في غضون ذلك، عزّز استعداد المملكة لاحتواء النشاط الإرهابي في ليبيا ومالي موقعَها كطرف فاعل في وسعه المساعدة في جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة. علاوة على ذلك، تعرّض المغرب لأعدادِ من الهجمات الإرهابية أقلّ من تونسوالجزائر وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا المجاورة، وهذا أمر يمكن عزوه إلى قوّات الأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب الفعّالة لديه (راجع الرسم رقم 2). وبالفعل، تُبقي السلطات المغربية على شبكة تناهز خمسين ألف عميل إضافي منتشرين في الأحياء للإبلاغ عن السكّان. وقوّات مكافحة الإرهاب قادرة عادة على تفكيك الخلايا قبل حدوث العمل الإرهابي أو التخطيط له. فتبعاً للسلطات، أحبطت هذه القوّات 352 هجوماً وفكّكت أكثر من 170 خلية بين العامَين 2002 و2017، وأوردت التقارير أنّ الكثير من هذه الخلايا والهجمات كان مرتبطاً بداعش. وجعلت سيطرة المغرب على النشاط الإرهابي ضمن حدودها وفي الدول الأخرى من النظام حليفاً لا غنى عنه للاتّحاد الأوروبي والولايات المتّحدة، موازناً بذلك اتّكاله على دعمهما المالي. وبالإضافة إلى تزويد الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي بمعلومات استخبارية عن الخلايا الإرهابية، أحبطت قوّات مكافحة الإرهاب المغربية خططاً قبل أن تنتشر على الأراضي الأوروبية، ولا سيّما في فرنسا في العام 2015 وإسبانيا في العام 2017. وأحبطت كذلك هجمات على سفن أمريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق في العام 2002. وقد سمح النظام للولايات المتّحدة بالقيام بتدريبات عسكرية في المغرب من خلال مناورات الأسد الأفريقي السنوية. في المقابل، تلقّى المغرب الدعمَ على حدّ سواء من الاتّحاد الأوروبي والولايات المتّحدة (من خلال الشراكة المعنية بمكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى بشكل خاص) لتدريب قوّاتها واستهداف التشدّد على المستوى الشعبي. علاوة على ذلك، برز دعم أمريكي وأوروبي كبير لمقاربة القوّة الناعمة التي ينتهجها المغرب لمواجهة التشدّد من خلال برامج تدريب للأئمّة المغربيين والإفريقيين والأوروبيين. وقد عزّز نجاح هذه البرامج مكانةَ المغرب الدولية. تطويرات البنيات التحتية وحاجاتها بدأت خطّة النظام لتطوير البنى التحتية على مدى العقدَين الماضيين بضغط لتأمين الكهرباء قبل تحسين البنية التحتية للطرقات في البلاد. ثمّ ركّز النظام على إطلاق مشروع ضخم للطاقة المتجدّدة. فسوف تجذب عمليات التطوير الباهظة هذه دفقاً أكبر من الاستثمارات والسياحة وتُقلّل في نهاية المطاف من اتّكال المغرب على واردات الطاقة. وشكّل بناء مجمّع نور، أوّل مجمّع ضخم للطاقة الشمسية في المغرب، إنجازاً لافتاً في خلال حكم محمّد السادس، مع استثمارات ناهزت 9 مليارات دولار. وعند انتهاء العمل على هذا المجمّع سيكون معملَ الطاقة الشمسية المركّزة الأكبر في العالم، وسيتمكّن عند مستوى قدرته العليا من مدّ مدينة حجمُها ضُعفا حجم مراكش بالطاقة. ومعظم مراحل العمل على مجمّع نور جارية على قدم وساق، وعملية البناء في طريقها إلى دخول المرحلة النهائية. والهدف هو تأمين 42 في المائة من حاجات المغرب من الطاقة الكهربائية من مصادر متجدّدة بحلول العام 2020 و52 في المئة منها بحلول العام 2030. وهذا أمر ممكن بلوغه، نظراً إلى أنّ 35 في المائة من الطاقة الكهربائية في البلاد أمنّتها مصادر متجدّدة في العام 2018. وشهدت شبكة الطرقات في البلاد تحسينات كبيرة في خلال حُكم الملك الحالي، إذ ازداد طول الشبكة من 400 كلم تقريباً في العام 1999 إلى 1831 كيلومتراً في العام 2016. نتيجة لذلك، باتت لنسبة 60 في المائة من السكّان (معظمهم في المدن) قدرةُ وصول مباشرة إلى شبكة الطرقات السريعة، التي تربط 18 مطاراً و37 مرفأ تجارياً (13 منها مخصّص للتبادل التجاري الأجنبي). علاوة على ذلك، بعد قرابة 16 سنة من التخطيط والبناء، افتتح المغرب البُراق، وهو أول خط قطار فائق السرعة في البلاد، في نونبر 2018. ويغطّي البراق في مرحلته الأولى نحو 350 كلم ، فيربط الدارالبيضاء وطنجة ويقلّل من زمن السفر بينهما من خمس ساعات إلى ساعتَين. وفي نهاية المطاف، سيغطّي هذا الخط 1500 كلم في أرجاء البلاد. وقد واجه المشروع انتقادات كثيرة محلّياً، مع اعتراضات كبيرة على كلفته التي تتخطّى مليارَي دولار، إذ اعتبرت بعض الجمعيات والشخصيات السياسية هذه الموازنة باهظة جداً، خصوصاً أنّ المغرب لم يعالج مسائل تأمين الرفاه والتعليم والرعاية الصحّية المتردّية. مشاكل اجتماعية اقتصادية مستمرّة يشير الكثير من مؤشرات الاقتصاد الكلّي والمؤشّرات الاجتماعية إلى تحسّن المشهد الاجتماعي الاقتصادي في المغرب. فمنذ وصول محمّد السادس إلى العرش، ارتفع الدخل الفردي (دولارات ثابتة عبر السنوات) في البلاد من 1963 دولاراً في العام 1999 إلى 3361 دولاراً في العام 2018، وازدادت الصادرات ثلاثة أضعاف. وعلى المستوى الاجتماعي، ازداد معدّل التسجيل في المدارس الابتدائية أكثر من 27 نقطة مئوية بين العامَين 1999 و2018 وتراجعت نسبة عدد الفقراء عند خطّ الفقر الوطني من 15,3 في المائة في العام 2000 إلى 4,8 في المائة في العام 2013، وازداد متوسّط العمر المتوقَّع بأكثر من ثماني سنوات بين العامَين 1999 و2018 وتراجعت البطالة من 13,9 في المائة في العام 1999 إلى 9 في المائة في العام 2019. وقد تَنشّط الاقتصاد بفعل انتعاش القطاع السياحي، فقد ازداد عدد السياح الذين يزورون المملكة ثلاثة أضعاف على مدى السنوات العشرين الماضية. وقد استفاد الاقتصاد كثيراً من نموّ صناعات محدّدة (على غرار السيارات والصناعات الفضائية). بيد أنّه تبعاً للبنك الدولي، قرابة ربع المغاربة فقراء أو يواجهون خطر الفقر، والفجوة بين الطبقتَين الاجتماعية الاقتصادية العليا والدنيا واسعة، ممّا يشير إلى تفاوت طبقيّ كبير. ويبلغ مؤشّر جيني للمغرب 40,9 في المائة، أي إنّه يكاد أن تحسّن منذ العام 1998. وهذا الرقم هو الأعلى في شمال إفريقيا (باستثناء ليبيا، الغارقة في وحول الحرب الأهلية)، تليه تونس ثمّ الجزائر ومصر. بالفعل، فيما انخفضت معدّلات الفقر في البلاد ككلّ، مازالت مرتفعة في المناطق الريفية. فقد كانت معدّلات الفقر لدى سكّان المناطق الريفية ضعفي المعدّل الوطني في العام 2018. في الواقع، استأثر سكّان المناطق الريفية بنسبة 79,4 في المائة من الفقراء في البلاد. وفي العام 2014، أشارت الأرقام الرسمية إلى أنّ 1,2 مليون من سكّان المناطق الريفية تحت خطّ الفقر، مقارنة ب225 ألفاً من سكّان المناطق الحضرية، فيما اعتُبرت نسبة 19,4 في المائة من سكّان المناطق الريفية في وضع هشّ مقارنة بنسبة 7,9 في المائة من سكّان المناطق الحضرية. وتبيّن هذه الأرقام فجوةً واسعة في الثروة بين المركز والأطراف وتشير إلى إخفاق الدولة في ردم هذه الهوّة. علاوة على ذلك، يبقى الاقتصاد المغربي مُعتمداً بشدّة على النشاط الزراعي، ممّا يجعله ضعيفاً إزاء المحاصيل الرديئة والصدمات البيئية. فالقطاع الزراعي، الذي استأثر بنحو 39 في المائة من مجموع العمالة في العام 2018، مُتقلّبٌ جداً مقارنة بباقي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويبقى معتمِداً على أحوال الطقس، بما يعني أنّ أيّ نقص أو فائض في المتساقطات يؤثّر في الإنتاج. زد على ذلك أنّ اتّكال المغرب على واردات النفط يضرّ باقتصادها كلّما ارتفعت أسعار النفط. وللبلاد أيضاً مستوى دين عام مرتفعٌ وصل إلى 76,8 مليار دولار في يونيو 2019. ومع أنّ الناتج المحلّي الإجمالي المغربي تحسّن، كان النموّ السنوي أصغر من أن يتمكّن من تحسين مستويات المعيشة أو تلبية توقّعات المجتمع. فمع متوسط معدل سنوي يبلغ 4 في المائة، يعتبر النمو منخفضاً نسبة إلى الأسواق الناشئة. وتبقى بطالة الشباب أيضاً مشكلة ملحّة في المغرب، حيث يشكّل الشباب (بين 15 و24 سنة) 16,6 في المائة من السكّان. ففي العام 2019، بلغ معدّل بطالة الشباب في المغرب 22 في المائة على مستوى الوطن و40,3 في المائة في المناطق الحضريّة. ولا تشير معدّلات البطالة الأقلّ في المناطق الريفية (في العام 2018، بلغ عدد العاطلين عن العمل في المناطق الريفية 178 ألف شخص مقابل 990 ألفاً في المناطق الحضرية) إلى أحوال اقتصادية أفضل، بل يمكن عزوها إلى تردّد سكّان المناطق الحضرية المُتعلّمين في القبول بوظائف غير مرغوبة. وبالفعل، تُبيّن الأدّلة المُحصّلة من البحوث الميدانية أنّ الشباب المتعلّم في المناطق الحضرية يتهافت على الوظائف المرغوبة، مع تفضيل الكثيرين منهم وظائفَ في القطاع العام تلبّي توقّعاتهم كخرّيجين جامعيّين. وضمن الطبقة المتوّسطة في المناطق الحضرية، حتّى المستخدَمون يواجهون مصاعب، إذ يعاني موظّفو القطاع العام مصاعب لتغطية النفقات الأساسية بسبب انخفاض الرواتب. بالإجمال، مازالت الطبقة الوسطى الدنيا في المغرب تواجه مصاعب اقتصادية كبيرة. ويزداد هذا الأمر سوءاً بسبب الرعاية الصحّية والتعليم الرسميَّين الرديئَين، مما يحدو بالبعض إلى دفع أسعار عالية في العيادات والمدارس الخاصة. الحرّيات والحقوق لقد تمّ تحقيق تقدّم أكيد في مجال حقوق المرأة في السنوات الخمسة الأولى من حكم محمّد السادس. ففي العام 2004، أجرى الملك إصلاحاً على مدوّنة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية) لرفع سنّ الزواج الدنيا إلى 18 سنة ومنح النساء حقّ الطلاق وحضانة الأطفال والوصاية على الذات، وهذه تغييرات مهمّة جداً، على الرغم من بعض المحاذير. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تعديل قوانين تعدّد الزيجات لتستوجب موافقة الزوجة (أو الزوجات) الحالية (أو الحاليات.) ولكن لا بدّ من إجراء المزيد من الإصلاحات، بالتحديد في ما يخصّ قوانين الميراث وتشريع الإجهاض وإلغاء عقوبة الإعدام. وعلى الصعيد السياسي، اتّصف حكم الملك الحالي بمستوى أدنى بكثير من القمع مقارنة بسلفه. وباتت العملية الانتخابية أكثر شفافية ممّا كانت عليه منذ عشرين سنة، مع تراجع الأدّلة على التزوير في الانتخابات وتدخّل النظام. وأدّت احتجاجات العام 2011 إلى منح بعض الحرّيات السياسية، بما فيها تمكينٌ جزئيّ للسلطة التشريعية وانتخابات نيابية حرّة ونزيهة. وقد فاز بهذه الانتخابات حزب العدالة والتنمية، ممّا سمح له بدخول الحكومة بعد إبعاده عنها لعقود. ومن وجهة نظر نسبية، عند مقارنة نظام ملكي سلطوي غير مُطلق مثل المغرب بنظام ملكي سلطوي مطلق مثل المملكة العربية السعودية، من الواضح أنّ وضع المغرب أفضل من ناحية حقوق الإنسان والحرّيات السياسية. بيد أنّه عند مقارنة المغرب بنظامٍ ملكيّ دستوريّ مثل إسبانيا، لا يسجّل المستوى ذاته (راجع الرسمَين رقم 3 و4). فالهيكليات والمؤّسسات التي تسهّل الانفتاح السياسي قائمة في المغرب، لكنّ عملية التحوّل مازالت مُقيّدة من الأعلى. وبالفعل، على مدى عشرين عاماً، فضّل النظام الحالي التحريرَ المحدود على التغيير العميق. وتفادى محمّد السادس الإصلاحات عينها التي أمل الكثيرون أنّه سيطرحها في ما يخصّ حرّية التعبير عن الرأي والرقابة على الصحافة وتدخُّل النظام في شؤون الحكومة وتشكيلها. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، لم يتغيّر تصنيف منظّمة بيت الحرّية (Freedom House ) للمملكة بأنّها "حرّة جزئياً". في الواقع، آخر تجربة للانفتاح السياسي اللافت جرت في عهد الملك حسن الثاني، قبل وفاته بوقت قليل. علاوة على ذلك، يبدو أنّ القمع ازداد بعد احتجاجات العام 2011، بما في ذلك ازدياد في المضايقات القضائية للمعارضين. ففي العام 2012، بعد سنة واحدة من الاستفتاء الدستوري، قمعت السلطاتُ الاحتجاجاتِ التي نظّمتها حركة 20 فبراير التي شدّدت استياء المعارضة الأوسع مما اعتبروه إصلاحات شكلية. أما الاحتجاجات التي اندلعت بين العامَين 2016 و2018 والتي جرت في منطقة الريف المهمّشة تاريخياً، فقد جوبهت بالقمع أيضاً. وقد انتشرت هذه الاحتجاجات التي أطلق شرارتها موتُ تاجر سمك سحقته شاحنة للنفايات في أرجاء البلاد. واعترض المنظّمون على الفساد الحكومي والمصاعب الاقتصادية وظروف المعيشة الصعبة. وقد اعتُقل نحو 150 محتجّاً وصدرت بحقّ منظّمي الحركة أحكامٌ بالسجن لفترات طويلة. وبعد احتجاجات الريف، قُمعت أيضاً تظاهرات اندلعت بفعل المصاعب الاقتصادية في الرشيدية وجرادة. وفي العام 2019، استعملت الشرطة خراطيم المياه والهراوات لتفريق تظاهرات صغيرة نظّمتها مجموعات محدّدة (مُدرّسين، طلاب، إلخ). واتّسمت الفترة التي تلت احتجاجات العام 2011 بتدخّل أكبر من النظام في شؤون الحكومة، على الرغم من تقديم وعود بأن تكون السلطة التشريعية أمتن وأكثر استقلالية. وفيما كسبت السلطة التشريعية جزئياً المزيد من السلطة، يفتقر المسؤولون المُنتخبون إلى السلطة لحكم البلاد أو تطبيق إصلاح عميق من دون موافقة النظام وتعاونه. فالسلطة الفعلية تبقى في يد الملك، فهو السلطة السياسية والعسكرية والأمنية والدينية العليا، ويعيّن الوزراء الأساسيين (مثل الدفاع والداخلية) ووزراء الدولة والمحافظين وغيرهم. علاوة على ذلك، تتدخّل الأحزاب المتحالفة مع القصر، على غرار التجمّع الوطني للأحرار والاتّحاد الدستوري والحركة الشعبية، في شؤون الحكومة وفي تشكيلها، مثلما ظهر عقب الانتخابات التشريعية في العام 2016. فكان على حزب العدالة والتنمية، الذي حقّق فوزاً تاريخياً كسب فيه 125 مقعداً نيابياً من أصل 395، التحالفُ مع أحزاب أخرى. بيد أنّ التجمّع الوطني للأحرار (الذي كسب 37 مقعداً) شكّل تكتّلاً مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوّات الشعبية والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية (وكلّها أحزاب حقّقت نتائج ثانوية) لزيادة نفوذه في الحكومة. وفيما رفض التجمّع الوطني للأحرار الانضمام إلى التحالف من دون هذه الأحزاب، رفض رئيس الوزراء آنذاك عبد الإله بنكيران مشاركة الاتّحاد الاشتراكي للقوّات الشعبية (لأنّه لم يفز سوى بعشرين مقعداً)، ممّا أدّى إلى حالة جمود طالت خمسة أشهر ودفعت بالملك بأن يطلب من بنكيران التنحّي في مارس 2017 وتعيين رئيس الوزراء الراهن سعد الدين العثماني بدلاً منه. فشكّل العثماني تحالفاً مع الأحزاب المتحالفة مع القصر في غضون أسبوع، فقلّص بذلك نفوذ حزب العدالة والتنمية في الحكومة وتسبّب بانقسامات داخل الحزب. ولم تتحقّق الوعود الأخرى المقطوعة في خلال احتجاجات العام 2011 بمنح المزيد من الحرّيات السياسية (حرّية الصحافة وحريّة التعبير عن الرأي وحرّية التجمّع). في الواقع، حسّن النظام من تكتيكاته للسيطرة على الإعلام صورته. مثلاً، يتحكّم رجال الأعمال المقرّبون من القصر بعدّة وسائل إعلامية تنشر دعايات مؤيّدة للنظام. فيكافئ النظام وسائل الإعلام المخلصة له ويقاضي الصحافيين الذين ينتقدونه (وغالباً ما يأتي حكم المحكمة في هذه القضايا لصالح النظام). وقد واجه أفرادٌ انتقدوا النظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي القمع أيضاً. فقد اعتُقل يوتيوبران (صانعا محتوى على موقع يوتيوب) مشهوران في أواخر العام 2019 لانتقادهما الملك. وفي السنة عينها، طرح ثلاثة مغنّي راب أغنية "عاش الشعب"، وهي أغنية لاقت رواجاً تنتقد الدولة والملك ووردت فيها الكلمات التالية: "ما يكفيكم معانا قرطاس... أنا لي المقصح... أنا المواطن المغربي... أنا لي جبت الاستقلال وعمري بيه ما حسيت... شكون لي كلا فينا المال... شكون طاحن الفوسفاط". وفي الوقت الذي كسبت فيه الأغنية شعبية داخل البلاد وخارجها، حُكم على أحد مغنّيها، ويُدعى الكناوي، بالسجن لمدّة سنة لإهانة الشرطة على وسائل التواصل الاجتماعي. التطلّعات والتوصيات مع استمرار المصاعب الاقتصادية للمجتمعات المهمّشة وازدياد الإحباط الشعبي بسبب التفاوت الاجتماعي المستمرّ، سيزداد الاستياء وستتكاثر الاحتجاجات. وستشجّع الثورة في الجزائر المجاورة المغاربة على التعبير عن اعتراضهم، بغضّ النظر عن نتيجتها. ومع أنّ هذه الورقة لا تهدف إلى توقّع الجدول الزمني لنقطة التحول، لا شكّ في أنّ التوتّرات ستؤدّي إلى وضع متأزّم إن لم تتحسّن الظروفُ الاجتماعيةُ الاقتصادية والسياسية في المملكة. التوصيات باستطاعة النظام التخفيف من حدّة هذا الوضع المتقلّب، على الرغم من تزايد الاحتجاجات والتعبيرات عن الاستياء الشعبي. وبالفعل، لم تصل الأمور إلى القمع الوحشي، والمعارضة منقسمة جداً لدرجة لا يمكنها أن تحشد الشعب. لذا ما زال أمام النظام الوقت والمساحة لإعادة تأسيس عقده الاجتماعي مع الشعب. ولتحقيق ذلك، ينبغي على النظام طرح إصلاحات حقيقية: (1) تُحقّق انفتاحاً سياسياً ملموساً عبر تمكين السلطة التشريعية و(2) تحدّ من التفاوت الاجتماعي عبر تحسين الظروف المعيشية لسكّان المناطق الريفية ومنح الأولوية للتعليم والرفاه. انفتاح الميدان السياسي التعلّم السلطوي أمرٌ مُتبادل، فعندما تعدِّل الأنظمة سلوكها تبعاً لِما تعلّمته من الأحداث المعارِضة في الداخل والخارج، تعدّل الجهات الفاعلة المعارِضة سلوكها أيضاً. ومثلما أنشأ النظام المغربي أسلوباً ناجحاً في احتواء المعارضة عبر مزيج من الإصلاحات الموعودة والشكلية والقمع، تعلّمت الجهات الفاعلة المعارِضة وعامة الشعب من سلوك النظام وتملّكتها الخيبة إزاء عدم الإيفاء بعدد من الوعود. وتعود هذه الوعود إلى العام 1956، عندما وعد الملك محمّد الخامس عدّة مجموعات سياسية بوضع دستور لم يوافق عليه يوماً، وصولاً إلى احتجاجات العام 2011، عندما وعد الملك الحالي بعصر جديد من الإصلاح، لكنّه أحدث تغييراً قليلاً. وفي حال تأزّمت الشكاوى الراهنة وتوحّدت الجهات الفاعلة المعارِضة المنقسمة، فإنّ المزيد من الوعود من النظام قد لا يكفي لاحتواء انتفاضة محتملة. لذا من مصلحة النظام الملكي التصرف بشكل استباقي، أي قبل الوصول إلى نقطة التحوّل، عبر طرح تغيير وإصلاحات حقيقية. وستكون بداية جيّدة أن يقوم بتقوية السلطة التشريعية ومنح رئيس الوزراء المزيد من السلطات فذلك يمهّد الطريق أمام المزيد من الحرّيات الشخصية. ولا تتطلّب هذه التوصية أن يتخلّى النظام الملكي عن السلطة، بل أن ينخرط في الساحة السياسية بطريقة تسمح للسلطة التشريعية بأداء دورها الدستوري. أوّلاً، ينبغي على النظام الملكي أن يمنع الأحزاب المتحالفة مع القصر من التدخّل في تشكيل الحكومة وشؤونها. ومع أنّ المبادرة التي قادها التجمّع الوطني للأحرار، والتي أدّت إلى جمود في تشكيل الحكومة الجديدة في العام 2016 وإقصاء بنكيران لم تُخالف أيّ نصّ دستوري، لم تحترم هذه التصرّفات روحيّة الدستور. ثانياً، النظام الملكي والحكومة بحاجة إلى الاتفاق على توزيع فعّال للمهام. فقد أحرز النظام الملكي نجاحاً باهراً في بعض المجالات وينبغي عليه الاستمرار بالإشراف عليها، ولا سيّما السياسة الخارجية ومبادرات الأعمال الدولية وتطوير البنية التحتية الموجَّهة نحو الأعمال. بيد أنّه ينبغي على السلطة التشريعية استلام زمام الأمور المتعلّقة بالسياسة الداخلية والاقتصاد وينبغي أن تحظى بمزيد من السيطرة على الأموال العامة، من أجل تنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية اقتصادية ناجحة. تعزيز التغيير السياسي والحدّ من التفاوت الاجتماعي تصادف السنة الإحدى والعشرين لاعتلاء الملك محمّد السادس العرش مع مرور عقد تقريباً على وصول احتجاجات العام 2011 إلى المغرب، ومرور عقد منذ أن وعد الملك بالتغيير والانفتاح السياسي اللذين يلبّيان مطالب الحركة الاحتجاجية. وقد يفسّر هذا التاريخ الرمزي عدم الرضا المتزايد عن النظام لدى الإعلام والمعارضة والشعب. بيد أنّه لم تكن الأمور كلّها عاطلة، بل على العكس، فقد طرح الملك تغييرات مهمّة في السياسة الخارجية والبنى التحتية وحقوق المرأة. وفي بداية عهد الملك، سمح النظام ببعض الانفتاح السياسي والتزم بزيادة التنمية الاقتصادية. وطرح النظام بعد احتجاجات العام 2011 إصلاحات حدّت بشكل طفيف من سلطاته وسمحت لحزب إسلامي بقيادة الحكومة للمرّة الأولى في تاريخ البلاد. مع ذلك، يمكن القيام بالكثير لفتح الميدان السياسي ومعالجة التفاوت الشديد وينبغي القيام بذلك. فمع هزّ الاحتجاجات أركان الجزائر ولبنان والعراق، ومع استمرار المصاعب الاقتصادية والقيود السياسية التي تغذّي الإحباط الشعبي، سوف تزداد الاحتجاجات. ومن شأن التداعيات الاقتصادية التي تخلّفها جائحة فيروس كورونا المستجدّ (بسبب تعطّل النشاطات التجارية وتراجع السياحة وأزمة أوروبية محتملة وزيادة في الإنفاق العام) أن تفاقم المصاعب الاقتصادية في المغرب. وللحؤول دون تصاعد التوتّرات، ينبغي على النظام التركيز على: (1) تحقيق انفتاح سياسي ملموس عبر الحدّ من تدخّله في شؤون الحكومة وعبر توزيع فعّال للمهام بين النظام الملكي والحكومة و(2) الحدّ من التفاوت الاجتماعي عبر إصلاح النظام الضريبي، فيحصّل بذلك الأموال لتحسين الظروف المعيشية لسكّان المناطق الريفية ولتحسين التعليم والرفاه. وسيحسّن هذان التغييران من المشهدَين السياسي والاجتماعي الاقتصادي في البلاد وسيجعلانها، بحسب كلمات الملك بحدّ ذاتها، "مغرب يتّسع لكلّ أبنائه، ويتمتّع فيه الجميع، دون استثناء أو تمييز، بنفس الحقوق، ونفس الواجبات، في ظل الحرية والكرامة الإنسانية". استهداف التفاوت الاجتماعي لمعالجة مسألة التفاوت الاجتماعي، ينبغي على النظام التركيز على ثلاث نواحٍ أساسية: (1) تقليص الفجوة بين سكّان المناطق الريفية والمناطق الحضرية و(2) زيادة معدّل محو الأمية للمجموعات المتأثّرة و(3) جمع المزيد من الأموال لجعل هذه التغييرات ممكنة. فلمعالجة الفجوة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية على المدى القصير، ينبغي تخصيص المزيد من الأموال للمناطق الريفية التي تفتقر إلى البنية التحتية والطاقة الكهربائية والتي لم تستفد من التحسينات الهائلة ذاتها التي حظيت بها المناطق الحضرية. وينبغي على النظام التركيز على تحسين الطرقات في المناطق الريفيّة وزيادتها، إلى جانب بناء المدارس والعيادات الصحّية في القرى النائية. ولحلّ طويل الأمد، ينبغي على النظام العمل على الحدّ من الأمّية، ولا سيّما لدى الفئات السكانية الأكثر تأثّراً (في هذه الحالة، النساء وسكّان المناطق الريفية). ولمعالجة هذه المسألة بنجاح، ينبغي على النظام تخصيص الأموال: (1) لتشجيع العائلات على إرسال أولادها إلى المدارس وتمكينها وللحؤول دون تركهم الدراسة و(2) للسماح للبالغين الأمّيين بالوصول إلى دروس في محو الأميّة. ويشكّل الفقر وبعد المسافة اثنَين من أهم العراقيل أمام تعليم الأطفال. وينبغي على النظام تعزيز النظام التعليمي الرسمي بالمزيد من الموارد المالية والبشرية ومنح العائلات الفقيرة محفّزات نقدية لإبقاء أولادها في المدارس وتأسيس المزيد من المدارس في القرى النائية. وللحدّ من الأمّية لدى البالغين، ينبغي على النظام تخصيص الأموال لدروس محو الأميّة وتأمين المزيد من الدروس في أرجاء المملكة وتشجيع أصحاب الأعمال الخاصّين على السماح للموظّفين الأمّيين بحضور تدريبات كهذه. للقيام بهذه التغييرات المكلفة، على النظام جمع المزيد من الأموال، ولا سيّما أنّ ارتفاع الدين العام والاتّكال على الواردات النفطية قد قلّلا من التمويل المُتاح للدولة. وتبرز عدّة طرق لتحقيق ذلك، من بينها: تحسين نظام الجباية الضريبية والتقليل من الإنفاق على المشاريع الضخمة والحدّ من الإعانات وإصلاح سياسة البلاد الضريبية. وعلى الرغم من أنّ هذا الخيار الأخير قد يؤدّي إلى معارضة سياسية كبيرة من المجموعات ذات الدخل المرتفع، يبقى الخيار الأبسط، نظراً إلى ميل النظام إلى تطوير مشاريع ضخمة وإلى التخفيضات التي سبق أن طُبّقت على نظام الإعانات بعد احتجاجات العام 2011 وإلى التداعيات الاقتصادية التي تسبّبها أزمة فيروس كورونا المستجدّ الراهنة. وسياسة ضريبة الدخل في المملكة تصاعدية حالياً وتصل إلى 38 في المائة تبعاً لستّة فئات دخل مختلفة. وأولئك الذين ينتمون إلى فئة الدخل الأعلى (الفئة السادسة) يجنون أكثر من 180 ألف درهم في الشهر، أو ما يوازي نحو 18500 دولار. بالتالي، يمكن إصلاح هذه السياسة لتضمّ فئةَ دخلٍ سابعة تخضع لضريبة أعلى. مثلاً، يمكن فرض ضريبة على أولئك الذين يجنون أكثر من 500 ألف درهم في الشهر (نحو 55 ألف دولار) نسبتها 44 في المائة. وينبغي أيضاً تحصيل ضرائب أعلى على المِلكية والثروات.