ما مشكلة مجلس المنافسة بالضبط؟ من المؤكد أن مراجعة رئيسه، إدريس الكراوي، لقدر الغرامة بتخفيضها نقطة واحدة من 9 في المائة إلى 8 في المائة من رقم المعاملات السنوي، لمصلحة الشركات الثلاث الأولى في البلاد، وفي مقدمتها «أفريقيا غاز»، دون أن يحصل على موافقة أعضاء مجلسه، لا تشكل، في المحصلة الأخيرة، تفصيلا مثيرا للانتباه، بالرغم من أن تلك النقطة وحدها قد تساوي 4 ملايير درهم. ولئن كانت هذه النقطة غير جديرة بالاهتمام، فإن القرار الثاني لرئيس مجلس المنافسة كان أن جعل كافة الشركات تدفع الحصة نفسها من رقم المعاملات، أي 8 في المائة. بعبارة أخرى؛ سوف تسدد الشركات الأصغر في السوق فارق الثمن بعد تخفيض قدر الغرامة على الثلاثة الكبار. هذه حسابات بسيطة في قضية على قدر بالغ من التعقيد. لكن، ما الذي يجعل رئيس مجلس المنافسة نفسه -دون أن يسنده باقي الأعضاء على ما يبدو- ميالا إلى هذه الهندسة الحسابية، حيث يكون الضرر أقل على الكبار الذين تساووا مع الصغار؟ بشكل شفاف، طرح بلاغ الديوان الملكي عناصر قلق للأعضاء الذين لم يجدوا أنفسهم في صورة القرار الثاني لرئيس مجلس المنافسة. وهي، في نهاية التحليل، قرائن ليست في مصلحة الكراوي. حسب رواية هؤلاء الأعضاء، فإن رئيس مجلس المنافسة كان يلجأ بشكل إجباري إلى التصويت قبل إغلاق باب المناقشة، وفسر بشكل مبتور بل وانتهك المادة 39 من القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، وهي مادة تحدد الطريقة التي يفرض بها المجلس العقوبة المالية على المنشآت المخالفة لقواعد المنافسة، ناهيك عن غموض الإجراء الخاص بالتحقيق، حيث تميز بتقاسم انتقائي للوثائق، وعدم تلبية ملتمسات الأعضاء بهدف إجراء بحث متوازن للحجج التي تقدمها الشركات. ولسوف يتهمون رئيسهم بأن سلوكه يوحي بأنه يتصرف بناء على تعليمات أو وفق أجندة شخصية. وبقدر ما أراد هؤلاء الأعضاء أن تكون الورقة المقدمة إلى القصر إدانة فعلية للكراوي، فإن الطريقة التي عرضت بها تحفظاتهم لا تشير بشكل واضح إلى كونهم ميالين إلى شركات المحروقات أكثر من الكراوي، أو هل كانوا يناهضون تلك الشركات أكثر مما فعل هو. لنأمل ألا يكون الكراوي العضو الوحيد الذي ناهض القرار الأول لمجلس المنافسة! شيء واحد واضح على كل حال، وهو على قدر من البساطة يجعل من كل التفسيرات الجارية مجرد جدل بين علماء الرياضيات الذين تستعصي عليهم معادلة ما. قامت شركات المحروقات بعمل سيئ، وجنت أرباحا قياسية من وراء ذلك. تلك هي الخلاصة الرئيسة للجنة استطلاع شكلها مجلس النواب، وأفضت أعمالها إلى تقرير يدين بشكل مدوّ تلك الشركات. لنبرز، مع ذلك، دورا قام به حزب التجمع الوطني للأحرار آنذاك، في مواجهة مسودة التقرير، الذي كان عبارة عن إدانة حادة لرئيسه، عزيز أخنوش. لم يتبق، إذن، سوى أن تتخذ العقوبة شكلها. وفي المغرب، يناط بمجلس المنافسة أن ينفذ هذا التعزير في حق الشركات. وعلى كل حال، كان واضحا أن تعزير شركات المحروقات سيكون عملا عسيرا. وفي الواقع، كنا إزاء عبء ثقيل لرجل أعمال يملك حزبا وفريقا في البرلمان. وهو مؤثر في السياسة، وفاعل في الاقتصاد. مثل هؤلاء الأشخاص عادة ما يكون طريق محاسبتهم وعرا. لم يحدث أن تعرض أخنوش لأي مساءلة فعلية منذ ظهوره قبل حوالي 20 عاما، وشركاته تتنامى قوتها ورصيدها، بتطور حجمه السياسي نفسه. لقد أصبح رئيس حزب، ومرؤوسوه يمسكون بالاقتصاد من عنقه؛ أحدهم وزير للاقتصاد والمالية، وآخر وزير للتجارة والصناعة، وثالث وزير للسياحة. أما هو، فقد أمسك كل شيء آخر. عندما أنهت لجنة الاستطلاع مهمتها، لم يكن على أخنوش أن يفسر شيئا. بشكل غريب، بات رئيسها، عبد الله بوانو، متهما من لدن شبكة قائمة من وسائل الإعلام بتنفيذ أجندة شخصية. شيء لا يصدق، لكنه يحدث مرارا. تحولت المشكلة من شركة ضخت في رصيدها 17 مليار درهم إضافية في عام واحد في إحدى نتائج انتهاك قواعد المنافسة، إلى نائب إسلامي يُسوي حسابات تتعلق بالانتخابات. وبقيت الحال مستمرة بهذه الكيفية حتى حدث ما لم يكن متوقعا. قبل حوالي أسبوع، سُرب قرار فرض عقوبة مالية قدرها 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي على ثلاث شركات محروقات إلى صحف محددة، ولاحقا، أنكر مسؤول بالمجلس ذلك. قيل إن الكراوي هو من فعل. معارضوه في مجلس المنافسة ينتقدون أسلوب التواصل بهذه الطريقة. لا نعرف، على وجه التحديد، كيف تصرف الكراوي في مسألة المحروقات كلها. لقد كانت في يده اليمنى إدانة سياسية قدمها البرلمان ضد شركات المحروقات، وكان عليه أن يعمد بيده اليسرى إلى تحرير بيان إدانة تقنية. لم يفعل ذلك بالشكل السلس كما يجب، وعليه أن يتحمل تبعات ذلك. يوضح القصر بإسهاب كيف أصبح مجلس المنافسة غير مدرك لأفعاله وهو يطرح قرارا وينقضه في ظرف أسبوع. لكن المشكلة ليست في الكراوي وحده أو في مجلسه فحسب. يقف أخنوش بارزا، يحمل مصيره بين يديه الآن. إن قرارا يدين جميع شركات المحروقات سواسية كان سيخدمه دون شك. عندما يكون الجميع مذنبين بالجريمة نفسها، فإن الناس عادة لا يتذكرون وجها محددا بينهم. لو كان القصر يرغب في «تبييض» وجه أخنوش في هذه القضية، لم يكن ليفرج عن كل تلك التفاصيل وهي تظهر الارتباك الحاصل، ثم يطلق لجنة تحقيق بالطريقة التي كان مجلس المنافسة يعالج بها موضوع شركات المحروقات. في اعتقادي، ليس هناك تفسير ثان لبلاغ القصر. لو كان الملك يود أن يطوق أحدا بحمايته، ما كان ليجعل قضيته مثار ريبة ويطرحها للناس عامة لتتدبرها. يحق لأخنوش أن يخشى ما سيحدث لاحقا. إن أحلام 2021 كلها قد تصبح أوهن من شبكة عنكبوت.6