أكثر من استفاد من أيام الحجر الصحي هي الحيوانات والحدائق والجدران الأثرية والقياد و"شوف تيفي" ودنيا بطمة. الحدائق والشوارع والجدران ارتاحت من حماقات الناس وفضلاتهم، والحيوانات أيضا، بمن فيهم المتورطون في قضية "حمزة مون بيبي"، نسينا حكايتهم، وانشغلنا بمغامرات القايدة حورية وزميلتها فاتن، مع بائعي الفواكه والخضر وسكان الأحياء الشعبية، وبتنا نسمع زقزقة العصافير من النافذة كل صباح. من حسنات الجائحة أن الشوارع أصبحت نظيفة من البشر وأزبالهم، وأن الجميع بات يغسل يديه بالماء والصابون، ويستعمل السائل المعقم... واكتشف الناس أخيرا أن "النظافة من الإيمان"، داخل البيوت وخارجها. ولعل من المفارقات المغرية أننا بقدر ما نحرص على نظافة البيوت، بقدر ما لا نتورع عن توسيخ الشارع، كأننا ننتقم من الملك العمومي: نبصق على الأرض، نرمي الأزبال كيفما اتفق، ندوس على العشب، ننتف الأشجار، نتبول على الحيطان... كل هذه التصرفات البدائية مباحة في الشارع ومحرمة في البيوت، التي تقضي المغربيات نهاراتهن في تنظيفها وترتيبها، بكثير من التفاني. التباين الجذري في التعامل مع المكان الخصوصي والعمومي لدى المغاربة مفارقة تستحق التأمل. إنه سلوك يكشف عن أنانية مشوبة برغبة غامضة في الانتقام. ممن؟ الله أعلم. ربما نريد الانتقام من "المخزن" الذي ننسب إليه كل شيء، وربما نريد الانتقام من "الآخرين"، "واخا حنا هوما لخرين" كما في النكتة الشهيرة... الشخص الذي لا يغادر المرحاض في بيته قبل أن يرمي كميات محترمة من "ساني كروا" و"جافيل" و"الما القاطع" ويمسح الأرض ب"الجفاف"، هو نفسه من يخرج دون أن يجر "لاشاس" عندما يقضي حاجته في تواليت خارج المنزل، ويحول المكان إلى حظيرة خنازير، المهم أن الأوساخ ليست في بيته! المقهى والشارع والحديقة العمومية ووسائل النقل... كلها مجرد مزابل كبيرة يلقي فيها الناس فضلاتهم. ومادام الوعي بأهمية المجال المشترك غائب عند المغاربة، ستبقى "المواطنة" كلمة فارغة يستعملها السياسيون في حملاتهم الانتخابية وخطاباتهم الخشبية، دون أن يدرك مغزاها أحد، وستظل أحياؤنا مثل "الوجه المشروك"، "ما كيتغسلش". وسننتظر مناسبات مأساوية، مثل الحجر الصحي، كي تستريح الشوارع والفضاءات العامة من فظاعات "بوزبال"، الذي لا يتورع عن رمي "الكمامات" في الشارع، هذه الأيام، دون التفكير في عواقب ذلك على بقية المواطنين. دون الحديث عن أولئك الذين لا يترددون في رش الجدران الأثرية وغيرها ب"أكسيد الأمونياك". عندما أرى أحدهم "يشرشر" على سور تاريخي، أكاد أصرخ فيه كما كنا نفعل أيام الطفولة: "وا هزّ رجليك آلكلب!" لكنك تخاف أن يدخل معك في شجار أنت في غنى عنه. من الصعب أن تغير واقعا على هذه الدرجة من القذارة بصرخة أو مشاجرة. الأوساخ أكثر تجذرا من أن نجتثها بهذه الطريقة، لأنها موجودة في الرؤوس. لا بد من تنظيف الأدمغة والعقليات، قبل كل شيء!
كل الأعمال الفنية الموصوفة ب"الذكورية والعنصرية" تُرفق بملاحق، أو ملاحظات، تبيّئها، تضعها في إطارها التاريخي