البيضاء تغرق في الأزبال.. تشتم رائحة أوساخها في أشهر شوارعها، ولا أعرف لماذا أصاب بحرج شديد كلما مررت بالقرب من مارشي سنطرال.. حيث رائحة البول تزكم الأنوف.. وكأنه قدر على كل راغب في ركوب الترامواي من محطة السوق المركزي أن يستنشق رغما عنه رائحة نتنة.. يتكرر الأمر كل صباح.. وكأنه لا يوجد من يغسل بقايا البول التي تبلل الشارع مساء كل يوم.. في أوروبا، تحرص عواصم عالمية على نظافة شوارعها.. ولا تنسى كل مساء أن تسقي حدائقها المترامية على طول المدينة.. يحرص المواطن الأوروبي على رمي أزباله في حاويات القمامة.. حاويات كبيرة تنتشر في المدينة كلها.. يتم تفريغها كل يوم وتنظيفها لكي لا يخطئ البعض التقدير ويرمي الأزبال في الشارع.. وهي العادة التي ألفناها كثيرا في مدننا، حيث تنعدم مثل هذه الحاويات وتغيب الشاحنة ومعها عمال النظافة.. لتتكدس الأزبال على حافة الطريق.. وتنبعث روائح كريهة تزكم أنوف المارة.. وعندما فكرت بعض البلديات عندنا في وضع حاويات أزبال في كل الأزقة وقرب المنازل.. استفاقت في الصباح على خبر اختفائها جميعا.. لقد فضل البعض أن يختزن فيها أغراضه الشخصية.. ويساهم إلى حد كبير في نشر الأزبال بمدننا دون خجل.. وعندما تتكاثر الأزبال في شوارعنا نلجأ إلى كتابة «ممنوع رمي الأزبال هنا» بالطباشير وبخط رديء.. وأحيانا بالفاخر.. وهي دعوة مباشرة لكل راغب في التخلص من الأزبال برميها في المكان الذي كتبت عليه عبارة التحذير.. يقرأها البعض «هنا مزبلة».. وقد لا نتعب في إيجاد تبريرات لذلك.. في ظل الإضرابات المتكررة لعمال النظافة.. ويزداد الأمر تفاقما في أيام الأعياد.. خاصة عيد الضحى حيث يصبح رمي الأزبال في الشارع عادة مباحة... كيولي عندنا الزبل بلعرارم.. وعندما فكرت مجالسنا البلدية في إيجاد حل بديل وضعت حاويات أزبال حديدية كبيرة.. تتجمع فيها النفايات بالأسابيع.. وحين تمتلئ عن آخرها تتكدس أزبال أخرى بجانبها.. وعندما تأتي شاحنة النظافة تفرغ الحاوية وتترك الأزبال الأخرى التي على الرصيف ومعها عصير الأزبال.. اللي كتشمو من راس الدرب.. وفي هذا الشهر الساخن، وعندما فكر البعض في إقامة سهرات فنية في الهواء الطلق قرب الشاطئ، لم يفكر في وضع مراحيض متنقلة لكي لا يجد البعض حرجا في قضاء حاجته.. تغيب المراحيض العمومية من مدننا ويصبح معها أمر الازدحام على مرحاض المقهى عادة قبيحة.. يلجأ معها كل (مزير) إلى طرق باب المقاهي التي فضل بعض أصحابها إغلاق المرحاض ب «قفل» ومنح المفتاح للزبون فقط.. «شرب شي حاجة لا بغيتي تدخل للمرحاض».. وفي مدينة كالبيضاء قد تصادفك أزقة تفوح منها روائح كريهة.. يلجأ إليها كل المنحرفين من أجل التبول على الجدران.. ولم تنفع معهم عبارة ممنوع البول على الحائط.. حجتهم في ذلك ديرو لينا مراحيض عمومية ونبعدو على الحايط.. لقد أصبح منظر الأزبال المترامية على طول الشوارع الرئيسية والأزقة وداخل كل الأحياء عادة.. وعندما جاءت مدينة البيضاء بشركات أجنبية لكي تخلصها من وجع الأزبال الذي يؤرقها كل نهار.. تفننت هذه الشركات في تشطيب أموال المدينة وترك أزبالها.. ولا يجد البعض داخل مجلس المدينة حرجا في التشدق بكلمات الاطمئنان.. يقدم وعدا بالقضاء على ظاهرة الأزبال في الشهر القادم.. حيث يتسابق الآن على تنظيف المدينة شركات لبنانية وفرنسية.. وقد يكون السباق المحموم على فلوس مجلس المدينة وليس أزبالها.. وسننتظر الوفاء بهذه الوعود، فإن غدا لناظره قريب..