في أول تقرير سنوي له حول أوضاع حقوق الإنسان في المغرب سنة 2019، رصدت جمعية “الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان”، عددا من الاختلالات الحقوقية من قبيل حل جمعية “جذور”، ومحاكمة أربعة صحافيين، وتشميع بيوت قيادات من جماعة العدل والإحسان والتضييق على الجمعيات. ولاحظ التقرير أن الخطاب الذي بات يؤطر وضع الحقوق والحريات بالمغرب خلال سنة 2019، هو التشديد على منحى “التراجع” أو “النكوص” أو “الإحساس بالتدهور الحاد”، كما رصدته المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الإخبارية حول نتائج بحث الظرفية لدى الأسر برسم سنة 2019، حيث “صرحت 23.8% من الأسر أن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب قد تدهورت، مقابل 18.7% سنة 2018”. حل جمعية “جذور” “يتنافى مع الضمانات الدستورية” توقف التقرير عند الحكم القضائي بشأن حل جمعية “جذور”، معتبرا أنه يشكل الحدث الأبرز في سنة 2019، لأنه يشكل تحولا “نوعيا” في التعاطي مع حرية الجمعيات بالمغرب “ومن شأنه أن يؤثر على عملية مراجعة الإطار التشريعي للجمعيات الذي وعدت به الحكومة منذ عدة سنوات”، واعتبر الوسيط أنه في “حالة جمعية جذور” فقد جرى الزّجّ بالقضاء لاستصدار حكم بالحل يفتقد إلى الأسس القانونية والحقوقية المستوجبة للحل، خصوصا وأن الجمعية المعنية نفت أية صلة لها بالنشاط الذي كان حجة النيابة العامة لالتماس الحكم بالحل، وعدم قدرة النيابة العامة على تقديم دليل قاطع يثبت صلة الجمعية بالنشاط، ووصفت الحكم القضائي بأنه “غير عادل وغير منصف، ويتنافى مع الضمانات الدستورية المكرسة في الفصلين 12 و29”. وفي السياق عينه، أشار تقرير الوسيط إلى حالات المنع التي تعيق حرية الجمعيات، والتي استمرت خلال سنة 2019، وتمثلت في رفض تسلم وثائق الجمعيات (أو فروعها) مما يتعارض مع أحكام الفصل 5 من ظهير 15 نونبر 1958، وتسلم الوثائق ورفض تسليم الوصل المؤقت مما يتعارض مع أحكام الفصل السابق، وتسليم الوصل المؤقت، والامتناع عن تسليم الوصل النهائي في الأجل المحدد قانونيا في 60 يوما، أو بعد انصرام هذا الأجل وترك الجمعيات في وضعية “معلقة”، خاصة بعدما أصدر بنك المغرب تعليمات للبنوك بعدم القيام بأي عمليات بنكية لفائدة الجمعيات ما لم تكن تتوفر على وصل الإيداع النهائي، مما يعطل أنشطة الجمعيات ويؤثر على التزاماتها. هذا فضلا عن عدم تمكين الجمعيات من ولوج واستعمال مختلف الفضاءات والمقرات لتنظيم بعض أنشطتها، سواء الموجهة إلى أعضائها، أو الموجهة للعموم، ووضع العراقيل أمام ولوج بعض الجمعيات إلى الدعم المالي بدون مصوغات قانونية أو موضوعية. وبخصوص حرية التجمع والتظاهر السلمي انتقد الوسيط اللجوء من حين لآخر، إلى “استعمال القوة غير المتناسبة” خلال فك بعض الأشكال الاحتجاجية وإلى التوقيف وتحريك المتابعة القضائية بتهم تتعلق “بالتظاهر غير المرخص”. ولاحظ التقرير أن محاصرة أنشطة الجمعيات ببعض القيود التعسفية “يؤدي إلى الرفع من منسوب التوتر والاحتقان المؤدي إلى العنف والعنف المضاد”، في سياقات يتراجع فيها التأطير والوساطة لدى الكثير من الأشكال الاحتجاجية، والتي أصبح الداعون إليها يكتفون فقط، بالتعبئة لها على شبكات التواصل الاجتماعي. انتقاد محاكمة الصحافيين الأربعة وبخصوص حرية الرأي والتعبير، توقف التقرير عند الحكم الاستئنافي الصادر في 23 دجنبر 2019، بالرباط بتأييد الحكم الابتدائي الصادر في حق أربعة صحافيين وبرلماني الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ب6 أشهر موقوفة التنفيذ و10 آلاف درهم غرامة. وسجل التقرير أنه رغم عدم تنصيص القانون المتعلق بالصحافة والنشر على العقوبات السالبة للحرية، إلا أن المادة 17 في فقرتها الأخيرة تركت المجال مفتوحا لإمكانية اللجوء إلى قوانين أخرى، “مما فتح الباب أمام استعمال القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب وقوانين أخرى في علاقة بقضايا الصحافة والنشر”. وحوكم الصحافيون ومعهم البرلماني بموجب المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق التي تعاقب على نشر معلومات تتعلق بعمل هذه اللجان، لكن تقرير الوسيط لاحظ أنه “بقراءة متأنية لهذه المادة، وبإعمال المرونة في التأويل بما يمتح من الدستور والقوانين وفلسفتهما العامة، فإن المعلومات موضوع المتابعة لا يمكن اعتبارها أسرارا إلا في حدود ما يهدد أمن البلد داخليا أو خارجيا فقط”، وهي معلومات تدخل “في حكم المعروف والمتداول”، ولا يشكل نشرها ضررا جسيما بمصالح الدولة ولا بالمصالح المحمية. كما أثار التقرير محاكمة الصحافي عمر الراضي، بتاريخ 25 دجنبر2019، حين توصل باستدعاء من طرف الشرطة القضائية ليجري التحقيق معه على خلفية مضمون تغريدة نشرها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” خلال شهر أبريل 2019، في موضوع الحكم الاستئنافي في حق الصحافي حميد المهداوي ونشطاء حراك الريف، وجرى الاستماع إليه من طرف قسم الجرائم الإلكترونية، حيث تركز الاستجواب حول ما اعتبر إهانة لشخص القاضي الذي ترأس جلسات الاستئناف ونطق بالأحكام في الموضوع المشار إليه أعلاه. ليقرر وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بعين السبع بتاريخ 25 دجنبر 2019، متابعته بفصول القانون الجنائي، خاصة الفصل 263 منه، وإحالته على المحاكمة في حالة اعتقال، ليتم إيداعه بسجن عكاشة يوم 26 دجنبر 2019، ولتقرر المحكمة بتاريخ 31 من الشهر عينه، متابعته في حالة سراح، بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر. تشميع البيوت شطط في استعمال السلطة وأثار التقرير، أيضا، قضية تشميع بيوت تابعة لقيادات من جماعة العدل والإحسان، وهي قضية ترجع لسنة 2006، عقب إغلاق وتشميع منزل محمد عبادي أمين عام الجماعة وليتكرر الأمر مع أعضاء من نفس الجماعة، ليصل عدد البيوت المشمعة إلى 14 بيتا خلال سنة 2019، وقد اعتبرت السلطات السبب الموجب لإغلاق وتشميع هذه البيوت هو “احتضانها لتجمعات عمومية دون تصريح تمت خلالها ممارسة شعائر دينية، إضافة لكون بناء بعض هذه البيوت تضمن تغييرات غير مرخص بها”. ولكن الوسيط يعتبر أن تشميع البيوت “إجراء يتعارض مع مقتضيات الفصل 35 من الدستور الذي يضمن حق الملكية”، ومخالفا للفصل 24 من الدستور الذي ينص على “الحق في حماية الحياة الخاصة”، حيث لا وجود لنص قانوني يؤطر عملية تشميع البيوت، ولا وجود، أيضا، في ظهير الحريات العامة وقانون التجمعات لما يسمح بإغلاق المساكن بدعوى عقد تجمعات بها “غير مرخصة لها أو غير قانونية”، وليبقى تشميع البيوت وإغلاقها “قرارا إداريا مشوبا بالشطط والتعسف في استعمال السلطة”. وضعية المغاربة المسيحيون وبخصوص حرية المعتقد توقف التقرير عند ما وصفه تقييد حرية ممارسة الشعائر الدينية من قبل “المغاربة الذين يعتنقون ديانات ومذاهب غير الإسلام وغير المذهب المالكي أو مغاربة لا دينيون”، بحيث لا يسمح للمواطن الذي ولد مسلما أن يغير دينه، مما يضطر هؤلاء إلى ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم في سرية تامة، وفي بيئة غير متسامحة. واعتبر التقرير أن السلطات المغربية تضمن الحرية الدينية لليهود وللمسيحيين الأجانب، وتقيد حرية المغاربة الذين يعتنقون المسيحية، وجاء في التقرير و”بالرغم من ضمان الفصل الثالث من الدستور للفرد”… حرية ممارسة شؤونه الدينية”، فإن الممارسة تبين أن المسيحيين الأجانب فقط، هم المشمولون بهذه الحماية الدستورية في ممارسة تعبدهم وشؤونهم الدينية، كما أن القانون الجنائي (المادتين 200 و222) ومدونة الأسرة (المادتين 39 و332) ما تزال تتضمن ما يتناقض مع كل من الدستور الذي كرس حرية الفكر والرأي والتعبير، والمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.