فرضت إجراءات حالة الطوارئ على مجلس النواب، عقد جلسات مقلصة لأعضائه، إلا أنه خلال التصويت على مشاريع القوانين، قرر احتساب أصوات الحاضرين من كل فريق أو مجموعة باعتبارها تمثل جميع أصوات الغائبين، ما طرح تساؤلات حول احترام الدستور الذي ينص في فصله 60 على أن التصويت في البرلمان حق شخصي لا يمكن تفويضه. ومثل سائر برلمانات العالم، فقد وجد البرلمان المغربي نفسه أمام إعلان حالة الطوارئ الصحية في 20 مارس، مجبرا على تقليص حضور أعضائه بعد قراره افتتاح دولة أبريل الربيعية. وفي هذا الصدد، اتخذ مكتب مجلس النواب لهذا الغرض عدة إجراءات، من قبيل حضور ثلاثة ممثلين من كل فريق للجلسات، وممثل واحد في أشغال اللجان، وتقليص مدة مساءلة الحكومة بالاقتصار على قطاع واحد في كل جلسة، مع التركيز على قطاعات لها علاقة بتدبير الجائحة، مثل الصحة والمالية والتشغيل. إلا أن عملية التصويت التي تجري في اللجان وفي الجلسات العامة، فقد أثارت جدلا لأن رؤساء الفرق البرلمانية قرروا خلال اجتماعهم برئيس مجلس النواب، اعتماد تصويت ممثلي الفرق باعتباره تصويتا للفريق ككل، وهو ما أثار رد فعل من عمر بلافريج برلماني فدرالية اليسار، الذي اعتبر ذلك خرقا للدستور في مادته 60. وأثار بلافريج هذه الإشكالية أكثر من مرة في اجتماعات اللجان. فخلال اجتماع لجنة المالية التي صوتت على مشروع قانون رفع سقف التمويلات الخارجية، جرى احتساب تصويت 43 عضوا من أصل 44، في حين كان عدد المصوتين فعليا هو 5، ومعارضة برلماني واحد هو عمر بلافريج. والأمر عينه حصل في الجلسة العامة التي عقدت الخميس 30 أبريل، حيث جرى إعلان تصويت 395 عضوا على مشروع قانون سن أحكام خاصة بحالة الطوارئ، رغم تصويت عدد محدود فعليا على النص. صحيح أن حالة الطوارئ الصحية المفاجئة بسبب فيروس كورونا، جعلت البرلمان في وضعية لم يتوقعها لا الدستور ولا النظام الداخلي، لكن هل يبرر ذلك خرق الدستور. فالفصل 60 واضح بنصه على أن “يتكون البرلمان من مجلسين. مجلس النواب ومجلس المستشارين ويستمد أعضاؤه نيابتهم عن الأمة. وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه”. ويفهم من هذا النص أن البرلماني الغائب لا يمكنه تفويض حقه في التصويت، وأن عليه الحضور شخصيا للإدلاء بصوته. فما الذي يبرر اللجوء إلى هذا الإجراء، خاصة أن التصويت على القوانين العادية لا يتطلب أي نصاب؟ لاشك أن انعقاد البرلمان في حالة الطوارئ الصحية له مبرراته، كما أن لا أحد يجادل في أهمية تقليص الحضور لأسباب صحية، لكن هل كان ضروريا خرق المادة 60 من الدستور؟ حسب نورالدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي المعارض، فإن الظروف الاستثنائية وحالة الطوارئ في البلاد، هي التي دفعت البرلمان إلى اتخاذ هذه الإجراءات، وقال: “إذا تعمقنا في الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، فربما لن نعقد جلسات البرلمان”، مضيفا في اتصال مع “أخبار اليوم”، “لقد قررنا اعتماد الصيغ التي اعتمدتها برلمانات العام كله”، معتبرا ذلك اجتهادا من أجل تفادي تعطيل المؤسسة التشريعية لأن الدولة في حاجة إليها لإخراج عدد من القوانين المتصلة بجائحة كورونا”. واعتبر مضيان أن الإشكال لا يُطرح فقط، في التصويت، بل حتى في حضور اللجان بممثل واحد وتقليص مدة وجدولة مراقبة الحكومة. وأشار إلى أن البرلمانيين البعيدين عن الرباط لهم رغبة في الحضور، لكن لا توجد فنادق ولا مطاعم مفتوحة، لهذا جرى الاقتصار على النواب الذين يقطنون قرب العاصمة. وشدد على أن هذه الظرفية “تفرض الوحدة والتضامن”، وفيما بعد من الممكن طرح “مراجعة الدستور والقوانين”. أما المرحلة الحالية، فهي “ليست مرحلة مزايدات، بل هي ظرفية استثنائية تتطلب تعاملا استثنائيا”.. ومن جهته، يؤكد عبدالله بوانو، رئيس لجنة المالية بمجلس النواب من البيجيدي، أن إجراءات الحجر الصحي “فرضت تعاملا استثنائيا”، بعدما تبين أن الدستور لا يقدم أجوبة عن هذه الوضعية. وشدد بوانو على أن رؤساء الفرق البرلمانية، قرروا ضمان استمرار عمل المؤسسة التشريعية، مع احترام التدابير الصحية. وحول ما إذا جرى اللجوء إلى الطعن في دستورية “التصويت غير الشخصي”، رد بوانو بأنه يستبعد هذا الأمر. أما ما يهم أعمال اللجان البرلمانية، فهي مجرد “أعمال تحضيرية”، حسب قرار للمجلس الدستوري، وفيما يخص التصويت في الجلسة العامة، فأكد أن هذه الجلسات لا تتطلب النصاب في الحضور، باستثناء إذا كان الأمر يتعلق بالقوانين التنظيمية، كما أن التصويت الذي جرى كان بالأغلبية. رغم ذلك، فإن انتهاء فترة الحجر الصحي وانحسار الوباء، سيفتح الباب لنقاش حول تعديل الدستور والنظام الداخلي لمجلسي البرلمان، لسن أحكام جديدة تتعلق بعمل المؤسسة التشريعية، في ظل حالة الطوارئ الصحية.