يبدو أن منسوب القلق من حالات الإصابة عديمة الأعراض من فيروس كورونا المستجد، بدأ يتخذ منحاه الجديد ويتضاعف لدى وزارة الصحة والأخصائيين في علم الأوبئة والفيروسات، الذين نبهوا إلى أن هذه الفئة قد تتسبب في انتكاسة صحية ما لم يتم اكتشافها بشكل مبكر، خاصة وأن لديها القدرة على نشر المرض دون أن يدروا بالموضوع. هذا الرهان الجديد الذي فرضه الفيروس لا يمكن رؤيته بالعين المجردة في المغرب، عبر عنه مساء أول أمس الثلاثاء لأول مرة محمد اليوبي، مدير مديرية الأوبئة بوزارة الصحة، عندما كشف أن 78 في المائة من المصابين بالوباء ببلدنا لا تظهر عليهم علامات مرضية، أو تظهر عليهم أعراض بسيطة وخفيفة. اليوبي، الذي كان بصدد تقديم المستجدات الوبائية ببلدنا، قال إن 17 في المائة من مجموع الحالات المؤكدة إصابتها بالجائحة على بر المغرب حالتهم الصحية حميدة، بينما 5 في المائة فقط من مجموع المصابين هم الذين يوجدون في أقسام العناية المركزة والإنعاش، ولا يشكلون سوى 14 في المائة من الطاقة الاستيعابية للأسرة المخصصة من طرف وزارة الصحة، فيما الطاقة الاستيعابية تفوق بكثير نسب المصابين بالمملكة. وبلغت النسبة المئوية للمتعافين في المغرب 12.2 في المائة، في وقت لا تزال فيه نسبة الوفيات مستقرة في 4.4 في المائة، حسب المصدر عينه دائما. وأورد اليوبي أن استراتيجية تتبع المخالطين، التي يقوم بها المغرب، تبقى أنجع السبل للتعرف على حالات الإصابة بكورونا، بما فيها الحالات التي لا تظهر عليها الأعراض، مشيرا إلى أنه جرى اكتشاف 146 حالة من المخالطين من أصل 163 من الحالات المسجلة خلال ال 24 ساعة الماضية، أي بنسبة 90 في المائة، وهو نفس المنطق الذي ذهب إليه مصدر في وزارة الصحة أكد ل”أخبار اليوم”، أن “الرهان اليوم يقوم على اكتشاف الحالات التي لا تظهر عليها أعراض بتاتا لكنها تنقل المرض لمحيطها في الآن ذاته”. وأوضح المصدر ذاته أن “فترة حضانة الفيروس، المتحكمة في ظهور الأعراض، يمكن أن تختلف من إنسان إلى آخر، وهناك عوامل عدة تتداخل في الموضوع منها قوة أو ضعف المناعة، ثم مدى تفشي الفيروس في جسم المصاب، وبهذا تتأخر الأعراض لتظهر”، مضيفا: “لكن في نفس الوقت قوة الفيروس تكمن في أنه ينتقل بالرغم من عدم ظهور هذه الأعراض، خاصة في حالة لم يلتزم الشخص المصاب بتدابير التباعد الاجتماعي”. المصدر المسؤول ذاته، وفي معرض تصريحه ل”أخبار اليوم”، أكد أن المغرب رفع من نسبة التحاليل المخبرية لتشمل جميع المخالطين للحالات على الأقل خلال فترة حضانة المرض المحددة في 14 يوما، من أجل “اكتشاف مبكر للحالات بما فيها من تسمى طبيا الحالات الصامتة، والتي لا تظهر عليها أعراض بتاتا، لكنها تشكل خطرا على محيطها، إذ تكون حالتها الصحية عادية وتتعامل بشكل عاد، وأحيانا لا يلتزمون بالإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي، وبالتالي ينقلون العدوى دون حتى أن يعلموا بأنهم يؤذون أسرهم ومحيطهم”، يقول المتحدث مضيفا: “ويسعني القول إن غالبية البؤر العائلية التي تفاقمت بعد حالة الطوارئ كان سببها عزل هذه الحالات في محيط أسري ضيق”. من جانبه، يعتبر البروفسور شكيب العراقي، أن المغرب اليوم أمام تحد صعب يكمن في اكتشاف هذه الحالات الصامتة بشكل مبكر، لأنها تشكل خطرا حقيقيا ليس فقط على محيطها الأسري أو العائلي الضيق، لكن أيضا على المجتمع، إذ تسهل مأمورية تفشي الفيروس على هذا العدو المجهري دون أن تدرك ذلك. وانطلاقا من هذا الموقف، يثمن الأخصائي في الأمراض التنفسية والفيروسية قرار المغرب بتعميم العلاج ب”الكلوروكين” على المخالطين، بما فيهم الذين لم تظهر عليهم أعراض، أو الذين لم تظهر نتيجة تحاليلهم المخبرية بعد، مشيرا إلى “أنه وفي ظل عدم توفر لقاح خاص بالوباء، يبقى العلاج بشكل مبكر هو أنسب طريقة لتطويق المرض، ومنع تفشيه بشكل أكثر في خلايا الجسم، خاصة وأن “كوفيد19″ فيروس ذكي و يتطور، لذلك كلما اكتشفت الحالات باكرا كلما تمكنت من الشفاء في أيام معدودة قد لا تتجاوز 9 أيام”. من جهته، قال البروفسور مصطفى الناجي، الأخصائي في علم الفيروسات، إن “انتقال العدوى بدون أعراض ظاهرة تلعب دوراً مهماً في نشر هذا الفيروس، وتغذي وباء كورونا لتصل به إلى مرحلة يصعب السيطرة عليه، وتفشل كل الإجراءات السباقة التي قام بها المغرب”. الناجي، وفي تصريحه ل”أخبار اليوم”، قال إن استعمال الكمامات وتجنب ملامسة الوجه أو الأنف وغيرها من التوصيات التي عممتها وزارة الصحة، تبقى ضرورية في حالة مغادرة البيت طبعا للضرورة القصوى، لكن ومع ذلك وجب تنزيل ثقافة مجتمعية جديدة تقوم على التباعد والفصل الاجتماعي خلال هذه المرحلة ولتوضيح الفكرة أكثر، يقول الناجي: “للأسف ثقافتنا المجتمعية بعيدة كل البعد عن هذا التباعد الاجتماعي، فنحن أكثر حميمية، لذلك وجب تبني سلوكات جديدة، ليس فقط خلال هذه الفترة وإنما أيضا بعد الحجر الطبي، وليس فقط خارج البيت وإنما بداخله أيضا”، يقول المتحدث مضيفا: “للأسف في البيت الواحد ليس الجميع يتوفر على غرفة منفصلة، ولكن على الأقل في الحمام وجب أن يتوفر كل شخص على مستلزماته الخاصة، وأن نتخلى عن مسألة الأكل في طبق واحد، أو شرب المياه من كوب واحد، أن نتخلى عن العناق، والقبل أن نحافظ على مسافة الأمان، وأن نواصل التعقيم حتى في البيت، وأن نتحقق في كل مرة من النظافة ثم النظافة”. وحث المتحدث على ضرورة تبني سلوكات جديدة في صفوف المواطنين، “فالابتعاد الجسدي لا يعني ابتعادا عاطفيا بالأساس، وإنما هو ابتعاد بدافع الحب أو التقدير حفاظا على سلامة الآخر الذي نحبه”، يقول المتحدث مضيفا: “هذه الحالات المنعدمة الأعراض تعسر مهمة تطويق المرض على السلطات، لكن يسعنا كل من موقعه أن نعمل على تحقيق ذلك فكلنا مسؤول عن حماية محيطه”.