إذا كان المغرب، إلى حدود الساعة، من بين البلدان الإفريقية الخمسة الأكثر تضررا صحيا من فيروس كورونا المستجد، فإنه سيكون، أيضا، من أكثر بلدان القارة تضررا على المستوى الاقتصادي، وهو الشيء الذي ستكون له انعكاسات سلبية على الناتج المحلي الإجمالي، وعلى نسبة النمو، وعلى المواطنين، خاصة العاملين والمرتبطين بالسياحة والتحويلات والطيران الجوي المدني والمبادلات التجارية. مع ذلك، لن تكون لفيروس كورونا على الاقتصاد المغربي حدة التأثير نفسها مقارنة باقتصادات منافسة قوية مثل جنوب إفريقيا ونيجيرياوالجزائر. ومع مرور الأيام، بدأت تتضح الرؤية بخصوص القطاعات الاقتصادية الرئيسة التي ستتأثر بالفيروس، على رأسها السياحة التي كانت تعول عليها المملكة لإحداث قفزة اقتصادية نوعية، والتحويلات التي ستتقلص، ما يعني نقص العملة الصعبة، وتراجع الطيران الجوي، حيث إن «الخطوط الملكية الجوية»، التي تعتبر إحدى أكبر شركات الطيران في إفريقيا، شلت حركاتها، ما يعني نقصا آخر في الموارد المالية. هذا ما دعا تقرير جديد للمعهد الملكي الإسباني للدراسات الدولية والاستراتيجية (Elcano)، صدر مساء أول أمس الثلاثاء، تحت عنوان: «مفاتيح التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا كوفيد-19 في إفريقيا»، إلى أخذه بعين الاعتبار؛ وهو التقرير الذي يأتي بعد يوم واحد من اقتراح الملك محمد السادس، مساء الاثنين الماضي، مبادرة إفريقية مشتركة من أجل التنسيق وتوحيد الجهود لمواجهة التأثيرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا الذي خلف، إلى حدود أمس، 126 هالكا و1888 مصابا في المغرب، و900 هالكين 16 ألف مصاب في كل القارة الإفريقية. إفريقيا تحت رحمة كورونا يشخص التقرير الوضع الحالي لأزمة فيروس كورونا في القارة الإفريقية قائلا: «رغم تأخره بأسابيع، فإن فيروس كورونا تفشى بسرعة في القارة. حاليا نلاحظ أن البلدان الأربعة التي صرحت بأكبر عدد من الإصابات هي جنوب إفريقيا (2300 مصاب و27 هالكا)، متبوعة بمصر (2300 مصاب و164 هالكا)، متبوعة بالجزائر (2050 مصابا و300 هالك)، ثم المغرب (1888 مصابا و126 هالكا)، متبوعا بالكاميرون (900 مصاب و14 هالكا)، تليها تونس (750 مصابا و34 هالكا)، متبوعة بساحل العاج (626 مصابا و6 هالكين)، تتبعها غانا (566 مصابا و8 هالكين)، تليها النيجر (584 مصابا و13 هالكا)، ثم بوركينافاسو (515 مصابا و28 هالكا)، وبنيجيريا (350 مصابا و10 هالكين)، فيما لم تصرح دولتان فقط بأي حالة إصابة، هما جزر القمر وليسوتو». وإذا كان المغرب يحتل المرتبة الرابعة من حيث عدد الإصابات بشكل عام في إفريقيا، فإن التقرير يؤكد، كذلك، أن المغرب يحتل المرتبة الرابعة، أيضا، إفريقيا في عدد الإصابات في كل مليون نسمة، مسبوقا بجنوب إفريقيا ومصر والجزائر. نضوب منبع العملة الصعبة يؤكد التقرير أن الدول الإفريقية ستعاني، على الأقل في السنوات الثلاث المقبلة، جراء تعطل أربع قنوات كانت تعتبر قبل شهر مارس من الروافد الكبرى لخزينة الدول الإفريقية القوية والصغيرة على حد سواء، وهي: البترول والسياحة والتحويلات والمبادلات التجارية، ويقسم البلدان الأكثر تضررا إلى قسمين؛ دول ستعاني بسبب تعطل قناتين فقط، وأخرى ستعاني جراء تعطل القنوات الأربع مجتمعة. ويصنف المغرب في خانة الدول التي ستواجه تعطل قناتين رئيستين؛ السياحة والتحويلات؛ فيما ستعاني بلدان مثل الجزائرونيجيرياوجنوب إفريقيا وأنغولا والكونغو بسبب تعطل قنوات السياحة والتحويلات، خاصة البترول الذي يهيمن على مداخيل بعض هذه الدول. ورغم أن المغرب يراهن دوما على التحويلات الآتية من الخارج، فإن هناك دولا إفريقية أخرى تعتبر التحويلات فيها موردا حيويا. ويبين التقرير أن المغرب يحتل المرتبة الحادية عشرة إفريقيا من حيث إسهام التحويلات في الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 5.8 في المائة، فيما تُمثل في جزر القمر 19.3 في المائة، وفي ليسوتو 15.7 في المائة، وفي غامبيا 13.5 في المائة، وفي ليبيريا 12.8 في المائة، وفي ساحل العاج 12.1 في المائة، وفي السنغال 9.9 في المائة، وفي التوغو 9.1 في المائة، وفي مصر 8.8 في المائة، وفي زيمبابوي 8.0 في المائة، وفي دولة جنوب السودان 6.7 في المائة، وخلف المغرب (5.8 في المائة)، هناك نيجيريا ب5.7 في المائة، وغانا ب5.5 في المائة، ومالي ب5.4 في المائة، وتونس ب5.3 في المائة. سياحة دون سياح ويرى التقرير أن «النمو القوي لقطاع السياحة في إفريقيا إلى حدود 2020 يرجع بالأساس إلى تعافي قطاع السياحة التونسي، وإلى النمو المستمر للمغرب الذي يعتبر منصبة رئيسة جذابة في شمال إفريقيا»، كما ساهم نمو السياحة الإفريقية، قبل فيروس كورونا، في تزايد السياح الذين يزورون إفريقيا جنوب الصحراء، لاسيما بعض الدول الجزر مثل الرأس الأخضر وجزر موريس. لكن التقرير يرى أن فيروس كورونا بعثر كل المخططات السياحية للبلدان الإفريقية، حيث إنها تواجه هذه السنة «ركودا غير مسبوق». ويشير التقرير إلى أن المغرب يوجد على قائمة الدول الإفريقية الأكثر استقطابا للسياح، إذ إنه استقطب 18.3 في المائة من سياح القارة سنة 2019، متبوعا بجنوب إفريقيا ب15.6 في المائة، وتونس ب12.4 في المائة، وزمبابوي ب3.9 في المائة، ساحل العاج ب3 في المائة، وأوغندا ب2.7 في المائة، وكينيا 2.2 في المائة، وجزر موريس ب2.1 في المائة، فيما استقطبت بقية الدول الأخرى 39.8 في المائة من الزوار. وفضلا عن الخسائر التي يتكبدها المغرب في ما يتعلق بالسياح الوافدين، فإنه، كذلك، من أكبر ضحايا تعليق الطيران الجوي المدني. وعن ذلك يقول التقرير: «فضلا عما سبق، سيكون لخسائر الخطوط الجوية وقع كبير على الدول التي تمتلك شركات الطيران القوية في القارة، كما هو حال إثيوبيا، متبوعة بالمغرب، ومصر، وكينيا، وتونس». وبلغة الأرقام، يبرز التقرير تنوع الاقتصاد المغربي، فبالرغم من كونه أول مستقطب للسياح في إفريقيا، فإنه يحتل المرتبة الخامسة في ما يخص إسهام السياحة في الناتج المحلي الإجمالي. وتحتل دولة السيشل الصدارة بحكم أن السياحة تساهم ب25.7 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، متبوعة بالرأس الأخضر ب17.7 في المائة، ودولة سان تومي دي برينسيبي ب10.6 في المائة، وغامبيا ب8.2 في المائة، والمغرب ب8.2 في المائة، وجزر موريس ب7.2 في المائة، وتونس ب7.0 في المائة، وليسوتو ب6.2 في المائة، ومدغشقر ب6.2 في المائة. وبشكل عام، بلغت مداخيل القطاع السياحي بالمغرب سنة 2019 نحو 8160 مليون دولار، بعدما لم تتجاوز 7580 مليون دولار سنة 2018، وفق المرصد المغربي للسياحة. لكن تعليق كل الرحلات الدولية، لاسيما صوب فرنسا وإسبانيا وألمانيا والصين والشرق الأوسط، سيكبد القطاع خسائر مالية كبيرة، لكن كل القطاعات السياحية في العالم تضررت من انتشار الفيروس، والمغرب جزء من المنظومة السياحية العالمية. وقد اكتفى المغرب سنة 2019 باستقطاب 13 مليون سائح فقط من مختلف دول العالم (نصف هؤلاء من المهاجرين المغاربة)، ويمثل الإسبان 20 في المائة من مجموع هؤلاء السياح، وفق ما كشفه محمد صوفي، مدير المكتب الوطني المغربي للسياحة بإسبانيا، للموقع السياحي الإسباني «agenttravel».