بعد أن كانت كلفت دفاعه بإحضاره لجلسات المحاكمة، عادت غرفة الجنايات الابتدائية المختصة في جرائم الأموال باستئنافية مراكش وقررت، الإعفاء من الحضور بالنسبة للمشتكي في ملف المستشار البرلماني ورئيس جماعة «واحة سيدي إبراهيم»، مولاي عبد الرحيم الكامل، المتابع، في حالة اعتقال، بجناية «الارتشاء». وعللت المحكمة القرار بخضوع المشتكي، وهو مهاجر مغربي بالسويد، لعلاج طبي في انجلترا، بعد أن كان ابنه «ب.ن» (37 سنة) تقدم، نيّابة عنه، بشكاية لدى الفرقة الجهوية للشرطة القضائية، عصر الثلاثاء 21 يناير المنصرم، يتهم فيها البرلماني، المنتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، بأنه طلب منه رشوة قدرها 11 مليون سنتيم مقابل الحصول على رخصة بناء عمارة بمركز الجماعة التي يترأسها بضواحي مراكش، موضحا له بأن سيحتفظ لنفسه بمبلغ مليون سنتيم، فيما سيوزع الباقي على أعضاء اللجنة، قبل أن يتم توقيف البرلماني، مساء اليوم نفسه، في كمين أمني متلبسا بحيازة الرشوة المفترضة المذكورة داخل فيلته بحي «أسيف» بمراكش. وبعد أن تغيبا عن جلسة الأربعاء الماضي، وافقت الغرفة، برئاسة القاضي أحمد النيزاري، على ملتمس بإعادة استدعاء شاهدي اللائحة، مكلفة صاحب الملتمس، ممثلا في دفاع المتهم، بالسهر على تبليغهما عن طريق مفوض قضائي استدعاهما لحضور الجلسة الخامسة من المحاكمة، المقرر انعقادها بتاريخ الأربعاء 18 مارس الجاري، معتبرة ذلك آخر مهلة لاستدعائهما قبل المرور إلى مناقشة الملف. وفيما لم يعترض ممثل النيابة العامة، خلال السابقة الملتئمة بتاريخ 19 فبراير الفارط، على استدعائهما، عارض ممثل الحق العام، أول أمس، ملتمس إعادة استدعاء الشاهدين، الذي يحاول من خلاله دفاع المتهم تعزيز روايته لتبرير توقيفه ملتبسا بحيازة الرشوة المفترضة. وقد عللت النيابة العامة اعتراضها على الملتمس بأن الشاهدين لم يجر الاستماع إليهما في محضر الضابطة القضائية، فضلا عن ضبط المتهم في حالة تلبس بارتكاب جناية «الارتشاء»، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 248 من القانون الجنائي، الذي يشدد على أنه «إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون العقوبة السجنية من خمس سنوات إلى عشر سنوات والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم، دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة المقدمة أو المعروضة». هذا، وقد نظرت هيئة الحكم نفسها، أول أمس، في ملف ثان يتابع فيه المتهم نفسه بجنايتي «تبديد أموال عامة، وأخذ فائدة في مؤسسة يتولى تدبير شؤونها»، والذي يتابع معه فيه، في حالة سراح، المقاولان «ع.ت»، و»ع.ن»، باعتبارهما مسؤولين قانونيين عن شركتين، بتهمة «المشاركة في الجنايتين المذكورتين». وسبق للفرع الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام أن تقدم، في أبريل من 2015، بشكاية لدى الوكيل العام للملك لدى استئنافية مراكش، مطالبا بإصدار تعليمات للضابطة القضائية المختصة من أجل القيام بكافة التحريات المفيدة والمعاينات الميدانية الضرورية وحجز كل الوثائق و المستندات ذات الصلة بما اعتبرته «تبديدا واختلاسا لأموال عمومية و فسادا بجماعة واحة سيدي إبراهيم»، و»إحالة المتورطين في نهب المال العام في هذه الجماعة على العدالة». واستندت الجمعية في شكايتها على تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2012، الذي رصد «اختلالات شابت مشروع إنجاز مساحة خضراء»، إذ سبق للجماعة أن صرفت مبلغ 405.015,15 درهما (أكثر من 40 مليون سنتيم)، بواسطة 3 سندات طلب، لإحداث سياج واقٍ حول المساحة الخضراء، على طول 250 مترا، واقتناء بعض أشجار النخيل و قنوات بلاستيكية للري، كما صرفت 3.000 درهم، بواسطة سند طلب آخر، لإنجاز دراسة طبوغرافية لموقع الحديقة، غير أن المهمة الرقابية للمجلس الجهوي للحسابات كشفت عن تلاشي نسبة كبيرة من السياج والقنوات وأشجار النخيل، التي لم يتبق منها سوى 18 نخلة من أصل 45، علما أن ثمن النخلة الواحدة بلغ 3.400 درهم، حسب سند الطلب، وهو ما اعتبرته الجمعية «تبديدا لأموال عامة». وأشارت الشكاية إلى مشروع «القرية الرياضية»، الذي أنجزته الجماعة دون تصفية الوعاء العقاري، وفوتت الصفقة لمقاولة لا تتوفر على مؤهلات تقنية في بناء المركبات الرياضية. كما أثارت الشكاية «خروقات» مفترضة شابت صفقة إحداث الطرق الرابطة بين مركز الجماعة وبعض الدواوير، من قبيل التفاوت بين كميات الأشغال الواردة بالجدول التفصيلي للأثمان والكميات الواردة بالكشف التفصيلي المؤقت رقم 1، وهو التفاوت الذي وصلت قيمته المالية إلى 180.875,85 درهما (أكثر من 18 مليون سنتيم). اختلال آخر للتدبير المالي كشف عنه التقرير متعلق بتحمّل الجماعة، بصفة غير قانونية، لمصاريف إنارة بعض اللوحات الإشهارية بدل شركات الإشهار، لتستنتج الشكاية بأن الجماعة تواطأت مع بعض الشركات التي نصبت لوحات إشهارية بالطريق الوطنية رقم 9، وقامت، دون وجه حق، باستغلال الإنارة العمومية التي تؤدي فاتورتها الجماعة القروية، في الوقت الذي لم تتخذ فيه هذه الأخيرة أي إجراء لردع المخالفين واسترجاع المبالغ المقابلة للاستغلال غير القانوني للإنارة العمومية من طرف بعض شركات الإشهار. وعلى مستوى تدبير المداخيل، سجل التقرير بأن إحدى الشركات المستغلة لمقلع جماعي تستخرج كميات أكبر بكثير من تلك المصرح بها، ناهيك عن تجاوزها للمساحة المرخص لها بها، وتقاعس الجماعة عن فرض مسطرة التجزئة على منعش عقاري، وهو ما ضيّع عليها مبلغا وصل إلى 5209938 درهما (أكثر من 500 مليون سنتيم)، بالإضافة إلى مبلغ يقدر ب 1.892.907,00 درهم (أكثر من 180 مليون سنتيم) للسبب نفسه، ولم تسترجع الجماعة مستحقاتها في مشروع سكني، والتي وصلت إلى 2960000 درهم (296 مليون سنتيم)، وقد اعتبرت الجمعية هذه المبالغ، ومبالغ أخرى وردت في الشكاية، «خسارة للجماعة ونهبا لماليتها وثرواتها». هذا، وكان الوكيل العام أصدر تعليماته للضابطة القضائية بإنجاز بحث تمهيدي، قبل أن يحيل الملف على قاضي التحقيق بالغرفة المكلفة بجرائم الأموال، الذي خلص إلى أن التحقيق الإعدادي أنتج أدلة كافية على ارتكاب رئيس الجماعة ومن معه للتهم المتابعين بها، قبل أن يأمر بإحالتهم على المحاكمة أمام غرفة الجنايات الابتدائية، التي عقدت أول جلسة بتاريخ 19 دجنبر الماضي.