يعتبر هذا الربورطاج أن مدينة الفنيدق في شمال المملكة ضحية صامتة للقرار السيادي المغربي، في أوائل أكتوبر الماضي، والقاضي بتعليق تهريب السلع من سبتة إلى الداخل المغربي إلى أجل غير مسمى، ويزعم أن عدد سكان مدينة الفنيدق بدأ يتراجع بعد فرض السلطات إنهاء التهريب المعيشي، في إشارة إلى أن بعض الأسر التي انتقلت من مدن الداخل، وحصلت على شهادة السكن في الفنيدق بغية امتهان التهريب المعيشي، شرعت في العودة إلى مسقط رأسها، في انتظار معرفة المصير النهائي للتهريب المعيشي. يوجد هناك باب في مبنى به سقالات في الشارع الرئيس لمدينة الفنيدق، والذي بالكاد يُرى في شارع مليء بالدكاكين. مع ذلك، فإن هذا الباب لا يمكن الاستغناء عنه لولوج السوق الرئيس في هذه المدينة التي يبلغ تعداد سكانها 77 ألف نسمة. السوق هو عالم من الممرات المغطاة بألواح القصدير، والمليئة بالملابس المستعملة، والهواتف، والشامبوهات، وإكسسوارات المجوهرات والسيارات.. إنه عالم يعج بكل ما لا يمكن أن تجده بسهولة في باقي الأسواق المغربية. في الحقيقة، تصل كل هذه المعروضات من مدينة سبتة التي تبعد عن الداخل المغربي بكيلومتر واحد فقط. إنه عالم ينهار رويدا رويدا، وبطريقة صامتة. أغلقت الحكومة المغربية، في أكتوبر الماضي، باب سبتة الثاني المخصص لتهريب السلع، والذي تطلق عليه السلطات المغربية عبارة التجارة غير المشروعة. وقد اشتكت سبتة هذا الإجراء الذي اتخذه المغرب، حيث يُتحدث عن «خنق» الثغر اقتصاديا. لكن، في الوقت الذي لايزال التجار والمقاولون والسياسيون مستمرين في الحديث عن «خنق» المدينة، يلاحظ أنه في الجانب الآخر، الأكثر فقرا بعشرات المرات مقارنة بسبتة، لا وجود لأي شكل من أشكال الاحتجاج. فوسائل الإعلام المغربية لا تتحدث عادة عن تأثير إغلاق باب سبتة الثاني على المنطقة الحدودية مع سبتة. لكن من السهل أن تجد في الصحافة المغربية روبورطاجا من هذا النوع تحت عنوان: «سبتة.. مدينة في أزمة». أغلب الذين أدلوا بدلوهم في هذا الربورطاج طلبوا عدم كشف هوياتهم الحقيقية. نور الدين واحد من التجار الذين يبيعون الملابس في سوق الفنيدق منذ 15 عاما. يشرح الرجل، الجالس في متجره الصغير، الوضع قائلا: «قررت الدولة المغربية قبل ثلاث سنوات تقليص حجم الحزمات التي يمكن أن يدخلها الحمالون. لقد تراجعت التجارة، وقد منعوا إدخال هذه الحزمات نهائيا قبل ثلاثة أشهر»، وتابع أنه في ظل منع الحمالات من إدخال الحزمات «يجدن أنفسهن مجبرات على تهريب الملابس وقنينات الشامبوهات ملفوفة حول أجسادهن على شكل الأحزمة الناسفة. لكن المنتجات المهربة تقل يوما بعد يوم. إنهم يقتلون هذه المدينة. نحن نعيش من عائدات التجارة (السلع المهربة)». وأضاف نور الدين: «تستقبل الفنيدق مواطنين من كل المدن المغربية الراغبين في التبضع في نهاية الأسبوع، لكن الأعداد بدأت تتراجع حاليا. إنها أسوأ أزمة أعاينها في السنوات ال15 الأخيرة التي قضيتها في السوق». في الجهة المقابلة من السوق، هناك متجر آخر. علق مالكه على الوضع الراهن قائلا: «الأسوأ هو أنهم أغلقوا معبر باب سبتة الثاني؛ وفي المقابل، لم يقدموا بدائل للناس تسمح لهم بكسب لقمة العيش. يقال إنهم يفكرون في تشييد منطقة صناعية هنا مثل تلك الموجودة في طنجة. لكن متى؟ في الوقت الراهن، يكتفون بحرماننا من الطريقة التي نكسب بها لقمة العيش»، واستطرد قائلا: «هناك مطاعم أغلقت أبوابها مثل ما حدث لمطعم La Campana الذي أغلق قبل شهرين». نادل في أحد المطاعم المتخصصة في المأكولات البحرية يعترف بأنه يفكر في خوض غمار الهجرة إلى إسبانيا. يبلغ من العمر 33 عاما، وكان قد حاول العبور إلى الضفة الأخرى في السابق، حيث يقول: «دفعت 20 ألف درهم للهجرة على متن قارب مطاطي. وعندما نزلت بالجزيرة الخضراء اعتقلوني؛ قضيت ثمانية أيام هناك قبل أن يعيدوني إلى المغرب. لكن، إذا استمر الوضع كما هو عليه اليوم، لن أتردد في معاودة الكرة مرة أخرى. وهذا ما يفكر فيه كل أصدقائي أيضا». الاسم الحقيقي لهذه المدينة هو الفنيدق، لكن الكل في المغرب يعرفها باسم «كاستيوخوس»؛ هي مدينة تبعد عن تطوان بحوالي 35 كيلومترا، علما أن كل المناطق المحاذية لتطوانوالفنيدق تعتمد بشكل كبير على السلع الآتية من سبتة، كما أن آلاف الأسر تعيش من هذه التجارة غير المهيكلة. نوايا معلنة عبر نبيل لخضر، مدير إدارة الجمارك المغربية، في مناسبات عدة، عن رغبته في إنهاء التهريب المعيشي. في 13 يناير الماضي، سألته صحيفة «ليكونوميست» إن كان الأمر يتعلق بإجراء نهائي للقضاء على التهريب المعيشي. وقبل الدخول في التفاصيل، قال لخضر إن التهريب المعيشي غير قانوني، كما أن المنتجات التي تصل من سبتة «تشكل خطرا على صحة المغاربة، كما أنها تدمر شيئا فشيئا المنتجات المغربية»، وأشار إلى أن المغرب يخسر سنويا ما بين 360 و450 مليون أورو من الضرائب بسبب إدخال السلع المهربة من سبتة ومليلية. وبخصوص معبر باب سبتة الثاني، قال لخضر: «كل ما يمكنني قوله حاليا هو أن هذا المعبر مغلق، وأن استمرار الوضع على ما هو عليه لا يرتبط فقط بالجمارك»، حيث إن قرار إغلاق هذا المعبر يندرج في سياسة الدولة التي تتجاوز صلاحيات المسؤول عن الجمارك. وعندما سألت الصحافية لخضر عن مصير الحمالين والحمالات، قال: «الحمالون هم أول ضحايا هذه الآفة. بعض المافيوزيين يستفيدون من معاناتهم من أجل الاغتناء على حساب ظهور آخرين»، وأضاف قائلا: «أعتقد أن هذا الوضع يجب أن يتوقف. هذه الصور لنساء وقصر وأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين ينقلون عشرات الكيلوغرامات على ظهورهم أو في عربات يدوية مجرورة يجب ألا تستمر في المغرب الذي نريده لأبنائنا». يرى لخضر أن القضاء على التهريب المعيشي يحتاج إلى المرور عبر مرحلة انتقالية لتجنب «تدمير النظام الاجتماعي»، لكن في شوارع الفنيدق لا يبدو أن هناك بدائل مطروحة. مازال التهريب المعيشي حيا في جزء منه بفضل الحزمات الصغيرة التي يسمح بحملها في اليد، وبفضل السلع التي تهرب في الجسد على شكل أحزمة ناسفة، وبفضل السلع التي تهرب في سيارات التهريب المعيشي المسماة «المقاتلات»، وهي سيارات تدخل وتخرج من سبتة مليئة بالسلع غير المرخصة التي تغض السلطات الطرف عنها. هناك بعض الأسرار التي تروج بصوت عال مفادها أن هناك أمنيين مغاربة وجمركيين يستفيدون من التهريب المعيشي. بعض ممتهني التهريب المعيشي يتحدثون في الجانب المغربي عن أن الأمني الفلاني يمتلك، مثلا، 6 سيارات متخصصة في التهريب المعيشي، وأن الآخر يملك ثلاث سيارات. لكن ما كان سرا في السنوات السابقة، ويُتجنب الإشارة إليه، لم يعد كذلك بعد التقرير البرلماني الأخير الذي أنجزته لجنة استطلاعية برلمانية مغربية انتقلت إلى معبر باب سبتة ومحيطه. ويقول التقرير دون مواربة إن هناك 200 سيارة مقاتلة تهرب السلع يمتلكها رجال أمن من أصل أكثر من ألف سيارة مخصصة للتهريب المعيشي من سبتة. تحظى هذه السيارات، وفق الصحافة المحلية، بامتياز ولوج سبتة.