أصبحت الدبلوماسية المغربية مطالبة بالتعامل مع أول حكومة إسبانية منذ عودة الديمقراطية تتبنى الدبلوماسية الاقتصادية كأولوية في سياساتها الخارجية للسنوات الأربع المقبلة. إذ أن الهدف الرئيس للحكومة الحالية في علاقتها مع الضفة الجنوبية، هو تعزيز نفوذها الاقتصادي في المغرب وإفريقيا، على عكس الحكومات السابقة التي كانت تعطي أولوية كبيرة إلى البعد الجيوسياسي والجيوستراتيجي. هذا ما ظهر من خلال التشكيلة الحكومة الائتلافية التقدمية اليسارية الإسبانية، التي أدت اليمين صباح أمس الاثنين. وتتكون الحكومة الائتلافية الأولى منذ سنة 1939 من 22 وزيرا، إلى جانب رئيس الحكومة بيدرو سانتشيز؛ على عكس الحكومة المنتهية ولايتها التي كانت تضم 17 وزيرا فقط. وتعرف الحكومة الجديدة مشاركة تحالف “موحدون نستطيع”، بقيادة حزب بوديموس بخمس وزارات، فيما حصل الحزب الاشتراكي الفائز بالانتخابات على 18 حقيبة (بما فيها منصب رئيس الحكومة). وإذا كان بيدرو سانشيز وضع على رأس وزارة الخارجية في الحكومة المنتهية ولايتها، مقربا من المغرب هو جوزيف بوريل، قبل أن ينتقل هذا الأخير إلى شغل منصب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي في فاتح دجنبر الماضي، فإنه اضطر في الحكومة الائتلافية إلى تعيين الخبيرة التجارية والاقتصادية، آرانتشا غونثاليز لايا، على رأس الخارجية، مؤكدا بذلك أن الدبلوماسية الإسبانية في السنوات الأربع المقبلة ستكون اقتصادية بامتياز. وتعتبر آرانتشا غونثاليز لايا من أكثر الإسبان دراية بكواليس ردهات الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والهيئات التجارية الدولية، إذ شغلت منصب مساعدة في الأمانة العامة للأمم المتحدة، ومنصب المدير التنفيذي في مركز التجارة الدولية، واشتغلت في المنظمة الدولية للتجارة، كما تكلفت بعدة مهام في المفوضية الأوروبية. ويذهب العديد من المراقبين إلى أن بيدرو سانتشيز يسعى في هذه الولاية إلى تطبيق عنوان أطروحته في الدكتوراه “الدبلوماسية الاقتصادية”. لوسيا آبيان، الصحافية ب”إلباييس”، أوضحت قائلة: “تعيين آرانتشا غونثاليز لايا يجعل الاهتمام منصبا على الدبلوماسية الاقتصادية. في هذا المجال، تبرز العلاقة مع إفريقيا؛ قارة في تحول شامل، حيث ارتباطاتها بإسبانيا مقيدة بالهجرة”، وتابعت “على الرغم من وضع دول إفريقيا جنوب الصحراء محط اهتمام؛ سيستمر المغرب فاعلا مرجعيا بالمنطقة”، وخلصت إلى أنه على الدبلوماسية الجديدة إقامة علاقات مع المغرب “أقل ارتباطا بالتقلبات”. وبخصوص وزارة الداخلية التي تعتبر نقطة التماس مع المغرب، لاسيما في معالجة قضية الهجرة غير النظامية ومحاربة شبكات تهريب البشر والمخدرات والمنظمات الإجرامية العابرة للقارات، فقد حافظ سانتشيز على فيرناندو غراندي مارلاسكا. هذا الأخير قام بخمس زيارات تقريبا منذ يونيو 2018 إلى المغرب، حيث استطاع البلدان تدبير بعض الصعوبات التي تطرح أحيانا بدون مشاكل. تقرير لصحيفة “الإسبانيول” قال إن المغرب من بين الدول الأكثر توجسا من دخول بابلو إغليسياس، زعيم “بوديموس” إلى الحكومة الجديدة، نظرا إلى ارتباطاته القوية بجبهة البوليساريو. وقال المصدر ذاته إن إغليسياس يزعم أن المغرب هو المسؤول عن القمع في الصحراء. كما ذكر أن البرنامج الانتخابي الذي تقدم به إغليسياس في 10 نونبر الماضي أكد فيه أنه “سيقيم علاقات من مستوى عال” مع البوليساريو، وسيدافع عن تقرير المصير في حالة فوزه بالانتخابات. نيكولاس دي بيدرو، مدير البحوث في معهد ستاتيكرافت بلندن، أشار إلى أن إغليسياس لن يكون لديه أي صوت أو تأثير في السياسات الخارجية الإسبانية صوب المغرب، نظرا إلى أن “المغرب حساس جدا، كما أنه لا أحد يمكن أن يصدق أن الجمهورية الصحراوية يمكن أن تكون شيئا جيدا في الوقت الراهن في ظل ما يجري في الساحل”.