عندما زارني في منزلي، الأحد الماضي، فتح اليوتيوب وأسمعني نفسه يغني ويعزف على القيثارة نشيد الأممية،الذي كتبه الشاعر الفرنسي Eugène Pottier سنة 1871 احتفاءً بكومونة باريس. كان فرحا مثل طفل وهويخبرني بأن النص نقله إلى الدارجة الكاتب الجزائري كاتب ياسين (والد المغني أمازيغ كاتب): «نوضو يا لليعايشين فالباطل.. يا للي عايشين فالشر والذل.. الدنيا لازمها تتبدل». هذا هو عمر الراضي، أو عمر غير الراضي،يعبر عن سخطه على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بالصحافة كما بالموسيقى. لم يسعفنا الوقتللحديث كثيرا عن زيارته للجزائر، هو القادم من المطار إلى منزلي، لكنني أحسست بأنه كان سعيدا بما يحدث فيجارتنا الشرقية من تحولات، بعدما شارك، هناك، في نقاش عن الوضع في المنطقة، وتابع احتجاجات الجمعة فيشوارع الجزائر العاصمة. في مخيم صيفي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بمدينة بركان، التقيت عمر الراضي، أول مرة، سنة 2006. لميكن أي منا، حينها، صحافيا. جاء هو يحمل قيثارته وشعر رأسه الكثَّ الأشعَثَ (راسطا)، وجئت أنا أحمل طبلاإفريقيا Djembé وأحلاما في الشعر والمسرح والموسيقى. وخلال أيام المخيم القصيرة، كتبنا ولحنّا قصائد أو مايشبه ذلك، وحلمنا بأن نغير العالم بالموسيقى، ثم فرقتنا الحياة إلى أن التقينا بعد أربع سنوات في الدارالبيضاء،زميلين في المهنة التي لا أتفق مع من أطلق عليها اسم مهنة المتاعب، إلا عندما أرى صحافيين يساقون إلى السجونكالمجرمين، أو يُدحرون إلى المنافي كالمجذومين. هل كان اعتقال الصحافي عمر الراضي متوقعا؟ نعم، في مناخ من التراجعات الحقوقية المهولة، كان متوقعا؛ فعمرهو أحد الذين فجروا قضية أراضي خدام الدولة، وهو الذي كشف الاختلالات المالية الكبيرة في البرنامجالاستعجالي للتعليم، وهو الذي كتب عن تجاوزات شركة اللوحات الإعلانية التابعة لمدير الكتابة الخاصة للملك، منيرالمجيدي… وإثارة هذه الملفات تجعل السلطة عندنا تتحسس «مينوطاتها»، ليس لاعتقال الفاسدين، بل فاضحيالفساد. لكن، ما لم يكن متوقعا هو أن يُعتقل هذا الصحافي بناءً على عبارة مفتوحة على التأويل (Bourreau)،جاءت في تغريدة انفعالية حول الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف، نشرها عمر قبل حوالي تسعة أشهر. إن الأحكام القضائية التي صدرت في سنوات الرصاص، يعتبرها الحقوقيون، اليوم، صدرت عن قضاة جلادين،وهذا تعبير مجازي لا يعني أن القاضي كان يحمل سوطا يجلد به الماثلين أمامه، بقدر ما يعني أنه كان يصدر أحكامهانطلاقا من محاضر كتبها جلادون بناءً على اعترافات انتزعوها من ضحاياهم تحت التعذيب. وفي الحالة التي كتب عنها عمر الراضي (معتقلو الريف)، هناك ادعاءات جدية بالتعذيب، كلف، على إثرها، المجلسالوطني لحقوق الإنسان لجنتين مكونتين من أطباء شرعيين، فحصوا وعاينوا واستمعوا إلى تصريحات ما يناهزالثلاثين من معتقلي الحراك، متفرقين بين الحسيمةوالدارالبيضاء، وخلص هؤلاء الأطباء الشرعيون، المشهود لهمبالكفاءة والنزاهة، إلى أن مزاعم التعذيب، التي جاءت في تصريحات الزفزافي ومن معه، ذات طابع جدي، ويتعينإجراء تحقيق قضائي بشأنها. إن النيابة العامة التي وجهت، الآن، اتهاماتها إلى الصحافي عمر الراضي، لم تستعمل حقها القانوني في توجيهملتمس بفتح تحقيق في ادعاءات التعذيب إلى جهة التحقيق ذات الاختصاص، والتي قد تكون قاضي التحقيقالمختص، أو الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، في حال وجهت مزاعم ارتكاب التعذيب إلى ضباط في الشرطةالقضائية ذوي اختصاص وطني، على أن يكون تحقيقا منفصلا في ادعاءات الزفزافي ورفاقه، لأن التعذيب، إذاتأكد، فهو جريمة منفصلة. لكن النيابة العامة اكتفت بفتح بحث ثم حفظته، دون أن تسلك الإجراء المناسب الذي منشأنه أن يرسخ ثقة المغاربة في القضاء، خصوصا أن ضباط الشرطة القضائية، الذين يتهمهم الزفزافي ورفاقهبتعذيبهم، يتبعون لها ويشتغلون تحت إمرتها، وبالتالي، فقد كان عليها أن تطالب جهات قضائية أخرى بفتحالتحقيق، بدل أن تفتح هي بحثا وتحفظه. أما القاضي لحسن الطلفي، الذي اعتقل عمر الراضي بسببه، فقد كان ملزما، بقوة المواثيق الدولية التي وقع عليهاالمغرب، وفي مقدمتها اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري ذو الصلة بها، وبناءً على الفصل22 من الدستور، ونصوص القانون الجنائي، بأن يفتح تحقيقاً قضائيا في ما صرح به الزفزافي ورفاقه بخصوصالتعذيب الذي يقولون إنهم تعرضوا له. وهو تحقيق يجب أن يكون مستقلا عن محاكمتهم، وقد يستدعي توقيفمحاكمة كل المعتقلين الذين سيشمل التحقيق إدعاءاتهم، إلى حين انتهاء التحقيق بشأن الاشتباه في ارتكاب جرائمالتعذيب من عدمه. فهل كان عمر الراضي، وهو يصف القاضي الذي أصدر حكمه في حق معتقلي حراك الريف بأنه «Bourreau»،يوحي بأن السيد لحسن الطلفي جلاد وشارك في تعذيب الماثلين أمامه؟ لا، لقد أراد أن يقول إن الحكم الصادر عنهتجاهل ادعاءات التعذيب، وجاء بعد محاكمة كان يمكن إيقافها –بقوة القانون– إلى حين البت في الادعاءات الجديةبالتعذيب، التي أكدها أطباء شرعيون محلفون. إن انتقاد الصحافي عمر الراضي القاضي لحسن الطلفي –مهما اعتبره البعض عنيفا أو غير لائق– هو أهون أماملله والحق والعدل مما فعله صحافيون مع القاضي نفسه، سنة 1993، عندما هيؤوا له الجو لإصدار حكم بإعدامالكوميسير ثابت، قبل أن يخرجوا، الآن، معتذرين عما فعلوه، بعدما تبين أن الحكم لم يكن متناسبا تماما، وأنالكوميسير، رغم كل الفظاعات التي اقترفها والآلام التي تسبب فيها لضحاياه، لم يكن يستحق حكم الإعدام. ختاما، ما قيمة قانون الصحافة والنشر، وما قيمة القاعدة الواردة في القانون الجنائي: «القانون الأصلح للمتهم»،إذا كان الصحافيون سيتابعون بالقانون الجنائي، وسيقدمون أمام المحكمة في حال اعتقال –خارج القانون– منلدن النيابة العامة؟