خلال الجلسات القليلة التي تابعتها لمحاكمة معتقلي حراك الريف، كانت المرافعات الذكية والمستهدِفة (ciblée) لممثل النيابة العامة، حكيم الوردي، هي أكثر ما أثارني. شاب يعرف متى وكيف يتدخل بإسراف قانوني وتقتير بلاغي. وفي اللقاء الوحيد، الخاطف، الذي جمعني به، عقب اعتداء أحد المحامين على زميلة صحافية بالمحكمة، تخلى الرجل عن دور توجيه الاتهام ومباشرته أمام القضاء، ولعب دور الإطفائي، إذ حتى عندما سب محامٍ صحافيا في حضوره، التفت الوردي إلى الصحافي وقال له: «مسحها فيَّ». لكن دور الإطفائي، الذي لعبه السيد الوردي للحؤول دون فتح تحقيق مع زملائه المحامين، لا يجدر به تكراره لتفادي فتح تحقيق مع ضباطه الأمنيين، في ما يتعلق بادعاءات ناصر الزفزافي بشأن تعرضه للتعذيب بشكل مهين، مثلما لا يليق بممثل نيابة عامة أن يتحدث عن سجين بطريقة ساخرة ومستفزة، بالقول إن «عِرض الزفزافي سليم معافى». السيد الوردي يعرف أنه إذا كان للدفاع الحق في المطالبة بفتح تحقيق في ادعاءات التعذيب، فإن النيابة العامة لها الحق نفسه مضاف إليه المسؤولية. لذلك كان يجدر به توجيه ملتمس بفتح تحقيق إلى جهة التحقيق ذات الاختصاص، والتي قد تكون قاضي التحقيق المختص، أو الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في حال وجهت مزاعم ارتكاب التعذيب إلى ضباط في الشرطة القضائية ذوي اختصاص وطني. على أن يكون تحقيقا منفصلا في ادعاءات الزفزافي، على اعتبار أن التعذيب، إذا ما تأكد، فهو جريمة منفصلة. لذلك نقول إن النيابة العامة، التي فتحت بحثا في ادعاءات واتهامات الزفزافي ثم حفظته، لم تمارس حقها ولم تتحمل مسؤوليتها، لأنها لم تسلك الإجراء المناسب الذي من شأنه أن يرسخ ثقة المواطنين في القضاء، لاعتبارين اثنين؛ الأول هو أن ضباط الشرطة القضائية، الذي يتهمهم الزفزافي بتعذيبه، يتبعون لها ويشتغلون، قضائيا، تحت إمرتها. ولإغلاق باب الشك، والإسهام في «تعزيز الثقة في القضاء»، والذي شدد عليه الملك في رسالته التي وجهها قبل شهر إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الأول للعدالة، كان عليها أن تطالب جهات قضائية أخرى بفتح التحقيق. والاعتبار الثاني هو أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان كلَّف لجنتين مكونتين تضمان أطباء شرعيين، فحصوا وعاينوا واستمعوا إلى تصريحات ما يناهز ثلاثين من معتقلي حراك الريف، متفرقين بين الحسيمة والدار البيضاء، وخلص هؤلاء الأطباء الشرعيون المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة إلى أن مزاعم التعذيب، التي جاءت في تصريحات المعتقلين، ذات طابع جدي، ويتعين إجراء تحقيق قضائي بشأنها. إن السلطات القضائية ملزمة، بقوة المواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب، وفي مقدمتها اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري ذو الصلة بها، وبناءً على الفصل 22 من الدستور، ونصوص القانون الجنائي، بأن تفتح تحقيقاً قضائيا في ما صرح به الزفزافي بخصوص التعذيب الذي يقول إنه تعرض له. وهو تحقيق مستقل عن محاكمته، وقد يستدعي توقيف محاكمته ومحاكمة كل المعتقلين الآخرين الذين سيشمل التحقيق إدعاءاتهم بخصوص التعذيب، إلى حين انتهاء التحقيق بشأن الاشتباه في ارتكاب جرائم التعذيب من عدمه.