في سياق الأزمة التي تعرفها المالية العمومية، والتي تعاني من ارتفاع الديون وضعف الموارد المالية، وأمام صعوبة الاستمرار في الاقتراض، لجأت الحكومة إلى طرق بديلة لتوفيرتمويلات، تمكنها من مواصلة إنجاز مشاريع البنيات التحتية. وتقوم هذه الخطة على توجهين اثنين: الأول، هو بيع عقارات الدولة لبعض المؤسسات العمومية، لتوفير موارد للميزانية، والثاني، إنجاز المشاريع الكبرى من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص . أول عملية بيع للعقارات تمت مع الصندوق المغربي للتقاعد، بتفويت العقارات التي تحتضن خمسة مراكز استشفائية في المغرب بقيمة مالية تصل 4.6 مليار درهم، على أساس حصول الصندوق على عائدات كراء هذه العقارات من ميزانية الدولية على الأمد الطويل. وفي خطوة ثانية، ينتظر أن تفتح الحكومة الباب لصندوق الإيداع والتدبير، لشراء عقارات أخرى عبارة عن بنايات إدارية، توجد في مواقع مهمة في العاصمة الرباط، أو في مدن أخرى. وتوقع القانون المالي 2019، أن يصل مجموع الأموال المعبأة من التمويلات البديلة، إلى 12 مليار درهم، على أساس برمجة 12 مليار درهم أخرى من التمويلات المبتكرة في ميزانية 2020. وفسر محمد بنشعبون، وزير المالية، أول أمس، أمام لجنة المالية بمجلس النواب أسباب لجوء المغرب إلى هذه التمويلات، قائلا إن المغرب وصل إلى مرحلة “ارتفعت فيها ديون الدولة والمؤسسات العمومية، بشكل كبير“، مثلا وصلت ديون المكتب الوطني للكهرباء إلى 60 مليار درهم، وديون الشركة الوطنية للطرق السيارة إلى 40 مليار درهم. وأمام هذه الوضعية، يقول وزير المالية: “لا يمكن اللجوء إلى الديون إلى ما لا نهاية لأن كلفتها كبيرة“، كما “لا يمكن اللجوء إلى تقليص الاستثمار“، وبالتالي، فإن الحل الوحيد هو البحث عن طرق بديلة للتمويل، ومنها بيع عقارات الدولة. وأشار الوزير إلى أن هذه التمويلات تهم أساسا صندوق الإيداع والتدبير، والصندوق المغربي للتقاعد، ووكالة استغلال الموانئ. هذه الأخيرة ستستغل ميناء آسفي الجديد بمقابل تؤديه للدولة. وبخصوص تفويت المراكز الاستشفائية الجامعية الخمسة التي لم يُكشف عن أسمائها، ولا قيمة إيجارها، فقد وضح الصندوق المغربي للتقاعد، بأن هذه الصفقة تطلبت “رصد مبلغ إجمالي قدره 4.6 مليار درهم“، مشددا على أنها ستوفر للصندوق “مداخيل آمنة ومنتظمة في شكل إيجار، يفوق مردودها، بشكل جلي، ما يمكن أن يجنيه من عائدات مالية فيسوق النقد وسوق السندات“. واعتبر الصندوق أن قرار شراء هاته العقارات “تم بطريقة مدروسة ومستقلة“، وأنه يتطلع مستقبلا “لدراسة فرص أخرى، والتي من شأنها خلق المزيد منالقيمة لاحتياطات أنظمة المعاشات التي يسيرها، وبالتالي، المساهمة في تعزيز التوازن المالي لهذه الأنظمة“. ويتضح من هذا التوضيح الذي نشره المكتب، أن الأمر بتعلق باقتناععقارات من الدولة وكرائها بعقود طويلة الأجل، وأن عائدات هذه العملية أفضل من عائدات استثمار احتياطيات الصندوق في السوق المالي. وبالنسبة إلى العقارات الأخرى التي ستعلن الحكومة تفويتها لصندوق الإيداع والتدبير وفاعلين مؤسساتيين آخرين، فإنه لم يتم الكشف عنها بعد. أما بخصوص الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي يؤطرها قانون صدر في 2014، ويتم حاليا مناقشة تعديله بمشروع قانون في لجنة المالية، فإنها مكنت من بروزاستثمارات مهمة خاصة في مجالات الطاقة. مثلا، بلغ الاستثمار الإجمالي في محطة الطاقة الحرارية في آسفي 20 مليار درهم، بفضل هذه الشراكة، كما شملت هذه البرامجمحطة “تحضارت“. وحسب بنشعبون، فإن المكتب الوطني للكهرباء سيتراجع تدريجيا عن إنتاج الطاقة لفائدة برامج الشراكة مع القطاع الخاص. أيضا، فإن وكالة “مازن” لهاشراكات مع القطاع الخاص في مجال إنتاج الطاقة الشمسية. وفي مدينة الداخلة، هناك مشروع تحلية ماء البحر الذي يتم إنجازه بشراكة مع القطاع الخاص. هذه الأمثلة وغيرها، يقول الوزير تهم استثمارات تتراوح قيمة كل واحد منها ما بين 5 و20 مليار درهم. لكن إذا نجحت الشراكة في قطاعات الطاقة، فإن هناك مجالات أخرى لم تتبلور فيها مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، مثل مشاريع إنجاز الطرق السيارة، لأن شركة الطرق السيارة المغربية، لم تعد قادرة على إنجاز مشاريع وحدها، بسبب ثقل المديونية التي وصلت 40 مليار درهم. وتسعى الحكومة إلى تعديل قانون الشراكة مع القطاع الخاص لضمان مزيد من المرونة، وشدد وزير المالية على أن عقود الشراكة لإنجاز المشاريع الكبرى، يتدخل فيهامحامون خبراء في قوانين الأعمال على المستوى الدولي، لأن المرحلة المهمة في مثل هذه الشراكة هي “صياغة العقد“، وهو ما يتطلب من الدولة أن تتوفر على محامين أكفاء، لضماندقة العقود، حتى لا تقع منازعات.