يعتبر المحلل السياسي مصطفى السحيمي أن أكبر الخاسرين من التقرير النهائي الذي ستصدره لجنة شكيب بنموسى، هو حزب العدالة والتنمية الإسلامي، إذ أنه سوف يجد نفسه متجاوزا أمام النموذج التنموي الجديد بعد ولايتين تشريعيتين سُجلت خلالهما سلبية النموذج الحالي. وتوقّع السحيمي أن تكون لهذا التقرير آثار كبرى، خاصة على الأحزاب السياسية؛ معتبرا أنه يكرس أولا نصيبها من المسؤولية على هذا المستوى أو ذاك، فيما يخص حصيلة النموذج التنموي الحالي نفسه. وكذلك سوف يضطر هذه الأحزاب إلى إصلاح، وإلى إعادة تأطير برامجها التي دافعت عنها كل على حدة، خلال سنوات 2015-2016؛ إبان الانتخابات السابقة. ما تحليلكم للجنة الخاصة بالنموذج التنموي التي تم تعيينها رسميا يوم الاثنين 16 دجنبر بالرباط؟ هناك أولا ملاحظة تتمثل في كون هذه اللجنة تم الإعلان عنها منذ أزيد من سنتين؛ فقد صرح الملك يوم 13 أكتوبر2017 أمام البرلمان بضرورة إعادة النظر في نموذجنا التنموي… وتسجيل وقفة وطنية جماعية؛ قصد الانكباب على القضايا والمشاكل التي تشغل المغاربة. وقفة للتقييم والعمل للتأسيس لشيء آخر أكثر عدلا وأكثر إنصافا. وفي الشهر الموالي أحدث رئيس الحكومة سعد الدين العثماني من جهته، لجنة بين الوزارات. وتقدم بتقرير لم تتم المصادقة عليه من طرف مكونات أغلبيته- خصوصا التجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية- وعلى ما يبدو، كذلك، من طرف الملك. لماذا؟ لأن هذا التقرير جاء دون الانتظارات… وتقدمت جهات أخرى بمساهماتها، وكذلك هيئات مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وكذلك أحزاب سياسية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، والتقدم والاشتراكية)، وكذلك جمعيات، بل وحتى هذه الشخصية أو تلك. وكل هذا يُكَوِّن مادة خاما سوف يتم تسليمها للجنة بنموسى الجديدة؛ غير أن هذه اللجنة مدعوة إلى الذهاب أبعد من ذلك بطبيعة الحال. وما هي الإشارات التي أُريد بعثها؛ من خلال تشكيلة هذه اللجنة؟ أظن أن الملك أراد شيئا آخر غير البروفايلات التقليدية، المعروفة، والقادمة من مسالك الاختيار والاستقطاب عينها. إنها نظرة أخرى تلك التي يريدها، ومقاربة جديدة، بل وحتى هي جرأة. ربما هو يرى أن الوجوه نفسها التي توجد في المشهد منذ عشر أو عشرين سنة؛ أولئك الذين يتوفرون أصلا على وضع لن يكون في استطاعتهم تقديم غير إعادة إنتاج لنسخة أخرى أقل فعالية وأقل إبداعا للمقترحات والسياسات عينها، التي أنتجت النموذج الحالي عينه. ومن هنا جاءت هذه التشكيلة ببروفايلات من أوساط متنوعة، وبمسارات نموذجية؛ وبالتالي، قدرات تحليلية تتميز عن تلك الحالية. وما مدى الانسجام بين هذه البروفايلات؟ أنا أتساءل هل يمكن الحديث عن الانسجام في هذه الحالة؟ وأضع السؤال على سبيل الاختبار. فالذي هو موضع إجماع بدون أدنى شك؛ هو اختيار عدة أعضاء: إدريس جطو (تجربة، استماع، اعتدال)، مصطفى التراب (كفاءة مفاهيمية، مضاف إليها مسار. أحدث تحولا في مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط على جميع المستويات)، أحمد رضا الشامي (رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي)، العربي الجعيدي (الخبير الاقتصادي)؛ هذا دون ذكر الجميع؛ ومجموعة المغاربة القاطنين بالخارج ممثلة بشكل كبير، إضافة إلى بروفايلات متنوعة مع أن وجوها شبيهة ببعضهم موجودة أصلا في المغرب. ومجموعة العشر نساء تطرح كذلك التساؤلات: هل أولئك اللواتي بالإضافة إلى تخصصهن– سرطان الثدي، أو السيدا- لديهن مقاربة شاملة عن مشاكل الصحة؟ ألا توجد داخل الوسط الجمعوي نساء تمرسن كثيرا وانخرطن ضمن هذا القطاع في إشكاليات أكثر شساعة، سواء اجتماعية أو سياسية؛ وهنا أذكر ربيعة الناصري وأخريات غيرها. وبخصوص كريم التازي؛ أجدني كذلك مندهشا ومرتابا… ماذا عن مجال الثقافة، هل هو ممثل بشكل جيد؟ هذه مسألة أخرى كذلك. أما علم الاجتماع فيحظى بالتمثيلية في شخص حسن رشيق الذي درس البنيات الاجتماعية في الميدان. ولكن هذه اللجنة، مع ذلك، لا تغطي جميع المجالات الوطنية؟ هذا صحيح؛ وهنا أسجل من جهتي ثلاثة منها: الأول يهم عالم الإنتاجية. فإذا كانت الباطرونا ممثلة بما يكفي؛ فإن عالم الشغل من جهته لم يجد له مكانا؛ وإلا فمن سوف يتكلم باسم الشغيلة؟ ليس هناك أي ممثل للمجال النقابي؛ مع أن هيئاته في اتصال معهم عن قرب في المقولات، وفي وحدات الإنتاج. أليس الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل؛ المركزية النقابية التاريخية، الأكثر تمثيلية إلى اليوم؛ الميلودي مخارق؛ بروفايلا مناسبا؟ وفيما يخص المرجعية الإسلامية؛ فأحمد العبادي؛ الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء؛ ألم يكن مكانه واضحا بامتياز؛ نظرا إلى علمه وإلى انفتاحه المتطابق مع الرؤية الملكية لإسلام سمح ومعتدل؟ لقد تم تفضيل رشيد بن الزين؛ مع أن معرفته بعلوم الإسلام تتسم أكثر بالبلاغة اللغوية، ويحظى بتغطية إعلامية أكثر في فرنسا ولا تكاد تكون له تمثيلية في المغرب… وهناك سؤال آخر: من الذي سوف يتكلم باسم الجماعات الترابية؟ فليس في اللجنة بالفعل أي منتخب أو ممثل عن الجماعات ال12 أو عن الجماعات الإقليمية أو المحلية. مع أن النموذج التنموي المطروح؛ إذا كان وطنيا بالفعل؛ لا يمكنه أن يقلل من شأن ظروف عمل وظروف حياة المهمشين، أو يستبعدهم، هؤلاء المقصيين الذين هم بالضبط من لم يستفيدوا بإنصاف من ثمار النمو والتطور منذعقد من الزمن على الأقل. هناك إذن، خطر حدوث انفصام بين تقرير اللجنة والمجتمع؟ هذا ليس مستبعدا بكل تأكيد، ووجب الحذر منه؛ كيف؟ عن طريق مناهج العمل المناسبة؛ هناك 8 أعضاء يوجدون في الخارج؛ فما العمل؟ صحيح أنه توجد صيغة ما يسمى ب”الفيديو كونفيرانس”؛ والأرضية الرقمية؛ أي الاجتماع عن بعد بواسطة الفيدو لايف: ولكن هل هذا يمكن أن يكون كافيا؟ كيف على أساس هذه القاعدة وحدها يمكن تبادل الأفكار، وخصوصا تغذية تفكير جماعي، تداولي، ومحفز؟ ثم كيف يمكن العمل على أساس كل موضوعة على حدة؟ وعلى أساس أي موضوعات؟ وإذا ما وسعنا شبكة الموضوعات أكثر؛ لنقل كيف سيمكن النقاش حسب القطاعات؟ إن أجل تقديم التقرير المحدد في 30 يونيو يتسم بحالة إكراه قصوى. لا شك أنه سوف تكون هناك “نواة صلبة” حول الرئيس شكيب بنموسى؛ هي التي سوف تنخرط بالكامل في إعداد، ومرافقة، ووضع اللمسات الأخيرة على مساهمات هؤلاء وأولئك. وماذا سيكون العمل بعد ذلك؛ أي بعد تقديم التقرير في متم شهر يونيو 2020؟ إذا جاز لي القول، فمن الواضح أن الملك وحده بيده أمر تجويد هذا النموذج الجديد للتنمية. ذلك أن هذه الوثيقة كما تم تقديمها رسميا سوف يكون لها على الأقل طابع مزدوج: كونها متوقعة، وكذلك كونها عملية. فمن شأنها أن توفر الأمل، والحلم، وأن تعيد الثقة في المستقبل بالنسبة إلى المغرب وقدراته الكبرى. وكذلك، من شأنها أن تسلط الضوء؛ حول مرجعية من القيم والتطلعات؛ لأولويات قطاعية تهدف إلى مستوى أفضل من العيش. ومن شأنها، أيضا، أن تشكل مرجعا للسياسات العمومية في السنوات المقبلة؛ بل حتى في أفق 2030/2035. هو نوع من التحديات الكبرى إذن؟ نعم؛ وأنا من جهتي لا أشك في جودة هذا التقرير؛ سوف يكون ذا قيمة عالية. لكن ماذا بعد؟ كيف سيمكن أن يكون إطارا، وموجها مركزيا لأمور أخرى؛ للجديد، وللإبداع، ولما هو جذاب ومُعبِّئ ومُحفز؟ كيف سوف نتوصل إلى جعله يضع بصمته على السنوات القادمة؟ لن يمكن ذلك بالنسبة إلى سنة 2020؛ إذ إن الوقت سيكون قد تأخر، فماذا سيكون عليه الأمر بالنسبة إلى 2021؟ سيكون الأمر جد صعب؛ بما أنها ستكون سنة انتخابات بِرُزْنامة جد مملوءة (انتخابات محلية، وجهوية، ثم انتخاب أعضاء مجلس المستشارين، ومجلس النواب؛ وذلك طيلة ربيع وصيف 2021). هل ستتمكن الحكومة الحالية أن تشرع في أول التطبيقات على هذا النموذج التنموي الجديد من خلال سلسلة من الإجراءات في تلك السنة؟. ما الذي تتوقع أن يغيره هذا النموذج في الحياة السياسية الوطنية؟ سوف تكون له آثار كبرى؛ فعمليا، سوف يؤثر بشكل كبير على الأحزاب السياسية؛ إذ سوف يكرس أولا نصيبها من المسؤولية على هذا المستوى أو ذاك، فيما يخص حصيلة النموذج التنموي الحالي عينه. وكذلك سوف يضطر هذه الأحزاب إلى إصلاح وإلى إعادة تأطير برامجها التي دافعت عنها كل على حدة، خلال سنوات 2015-2016؛ إبان الانتخابات السابقة. السؤال هو ما الذي سوف يمكنها الدفاع عنه إذا كانت الحصيلة غير مُرضية؟ وبالنسبة إلى المستقبل؛ كيف سوف تتمكن الأحزاب من محاولة التميز أمام ناخبيهم بالنسبة إلى الولاية التشريعية 2021-2026؟ جميعهم سوف يتبنون النموذج ويتناولونه بأسلوبهم وبمفردات أدبياتهم؛ غير أنهم حينها سوف يفقدونهويتهم. أكبر الخاسرين سيكون في نظري هو حزب العدالة والتنمية الإسلامي. إذ إنه سوف يجد نفسه متجاوزا أمام النموذج التنموي الجديد بعد ولايتين تشريعيتين سُجلت خلالهما سلبية النموذج الحالي. فهل سوف يكون مع ذلك قادرا على التطلع إلى الرتبة عينها بعد 2021؟ أمام اقتصاد المعرفة، والذكاء الاصطناعي، وأمام المتطلبات والانتظارات؛ سوف يكون النموذج التنموي الجديد هو الفرصة التاريخية والسياسية لطي الصفحة والانخراط في طريق المستقبل. فلجنة بنموسى سوف تقدم تقريرها؛ وسوف يبقى على كل أن يأتي برؤيته مع إضافات سياسية وحزبية. فانخراط المواطنين يتطلب أجوبة مقنعة على هذه الانشغالات.