شهدت وقائع الجلسة الثالثة من محاكمة “كوميسير“، كان يشغل منصب رئيس الدائرة الأمنية السادسة بالمنطقة الإقليمية الثانية لولاية طنجة، قبل تنقيله إلى مدينة فاس، ونائبه عميد الشرطة، في قضية “اعتقال تحكمي لشخص قاصر واستعمال العنف في حقه“، ملاسنات حادة بين دفاع الطرف المدني، وممثل النيابة العامة، اضطر معها رئيس غرفة الجنايات إلى رفع الجلسة لبضع دقائق إلى حين عودة الهدوء إلى القاعة. جلسة المحاكمة تقدم فيها إلى قفص الاتهام، في حالة سراح، عميد شرطة ممتاز (ع – ب)، ونائبه المساعد عميد الشرطة (س – ر)، مؤازرين بمحاميهما، وشهود النفي، في حين حضر الطرف المدني ومعه الشهود، مؤازرا بالمحامي عبد المنعم الرفاعي، رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حيث قررت هيئة المحكمة مواصلة مناقشة القضية بعد التأكد من هوية الماثلين أمامها. المتهم الأول في كلمته أكد أقواله في الجلسة الأولى من المحاكمة، مفيدا بأنه لم يكن يتواجد في مقر الدائرة الأمنية، عند اعتقال شخص قاصر واقتياده إلى مخفر الشرطة مصفد اليدين، وإنما تم إشعاره هاتفيا من طرف نائبه بوقائع موضوع التدخل، فجاء مستعجلا بعدما بلغته اتصالات هاتفية من نواب وكيل الملك في المحكمة الابتدائية، يستفسرون عن اعتقال فتى قاصر بالخطأ، اتضح أنه نجل رجل أعمال معروف بالمدينة، وهو ما خلف استنفارا كبيرا وسط مسؤولي الدائرة الأمنية السادسة، تلك الليلة الرمضانية صيف سنة 2016. وخلال الاستماع إلى المتهم الثاني، صرح أنه بعد أدائه صلاة التراويح في المسجد، لم يعثر على حذائه في مكانه، ثم أخذ يتنقل ببصره في المكان عله يعثر عليه، فإذا بأحد المصلينيتقدم إليه يخبره بأن نعله سرقت منه هو أيضا، فطلب منه مرافقته إلى مقر الدائرة الأمنية القريبة بحوالي 150 مترا، من أجل تحرير محضر شكاية في الموضوع. ثم بعد ذلك، تحرك نائب رئيس الدائرة المداوم، ومفتشا شرطة على متن سيارة وظيفية، وبرفقتهم المشتكي، للقيام بحملة تمشيطية بمحيط المسجد، بحثا عن مشتبه فيهم بسرقة أحذية المصلين، في الأثناء لمح مجموعة من الشباب، فأشار المشتكي إلى أحدهم بالاشتباه في سرقة نعله، فترجل من سيارته وتوجه إليه مطالبا بطاقته الوطنية للتحقق من هويته. وأضاف نائب عميد الشرطة الممتاز، أن سبب استخدامه القوة في حق الفتى القاصر، هو رد الاعتداء الذي تعرض له من طرف هذا الأخير، عندما استوقفه في البداية مستفسرا عنهويته قصد التحقق منها، غير أن الفتى رد عليه بطريقة مهينة حسب تعبيره، “واش معرفتيش ولد من أنا؟“، ثم ضربه بالهاتف على رأسه، لذلك ترجلا مفتشا الشرطة من السيارة لمساعدته، ثم قاموا بتصفيده ونقله إلى مقر الدائرة الأمنية. لكن محامي الطرف المدني، وأثناء تفاعله مع أجوبة المتهم الثاني، استغرب بشدة اتخاذ عناصر الدائرة الأمنية إجراءات التدخل في قضية سرقة نعل ضد مجهول، انتهت باعتقال شخص بريء، في ظرف زمني قياسي، حيث ما بين الساعة العاشرة والحادية عشرة ليلا، من إحدى ليالي رمضان، ستستقبل الدائرة الأمنية شكاية من طرف شخص سرق نعله منالمسجد، ثم ستنجز محضر الشكاية، وتتحرك الدائرة الأمنية كلها إلى عين المكان الذي وقعت فيه السرقة، بل أكثر من ذلك، فإن المشتكي رافق نائب رئيس الدائرة ومفتشي شرطة على متن سيارة الأمن الوطني إلى محيط المسجد، للقيام بدورية تمشيطية. في حين استغرب محامي ضحية “الاعتقال التحكمي” في النازلة المذكورة، عدم تحرك موظفي الشرطة بنفس الدائرة الأمنية، في قضية أكثر خطورة وقعت في نفس اليوم، كما هومسجل في تقرير المنجز اليومي للدائرة الأمنية السادسة، حيث تلقت شكاية من ضحية اعتداء باستعمال سيف، نتج عنه شهادة طبية مدة العجز فيها 24 يوما، دون أن يتحرك المسؤول الأمني ومساعدوه بنفس السرعة للبحث عن المشتبه فيه لاعتقاله، واتخاذ المتعين في القضية. وعرفت الجلسة توترا كبيرا بين ممثل النيابة العامة ومحامي الطرف المدني، بعدما صرح هذا الأخير أن النيابة العامة تلعب أدوارا مقبولة في مناقشة هذه القضية، وذلك ردا على تدخل الوكيل العام للملك، لاستفسار الطرف المدني والتدقيق في أجوبته عبر أسئلة مركزة، في النقطة المتعلقة بمسطرة “إيقاف الفتى القاصر واعتقاله ونقله عبر سيارة الأمن الوطني“، حيثاعتبر المحامي الرفاعي أن التدقيق في هذه الأسئلة يجب أن توجه للمتهمين وليس لضحية الاعتقال الخطأ المقرون بالتعسف. واعتبر الرفاعي بأن الأسئلة الموجهة لموكله مستفزة، وليست متناسبة مع موضوع أقوال الطرف المدني في القضية، ملتمسا من المحكمة توجيه نفس الأسئلة إلى رئيس الدائرة ونائبه المساعد الذين أشرفوا على العملية، لكي يفيدوا المحكمة بأقوالهم، وهو الطلب الذي رفضه القاضي رئيس غرفة الجنايات، في حين رد عليه ممثل النيابة العامة معترضا بشدة على مقاطعته، ليقرر رئيس الهيئة رفع الجلسة مؤقتا، بعدما دخل الطرفان في تلاسن حاد. وبعد استئناف الجلسة مجددا، قررت المحكمة ضرورة استدعاء والد الشاب الذي تعرض للاعتقال التعسفي، بعدما تبين لها تلقائيا من خلال تصريحات الطرف المدني أن حضور والده مهم رغم أن نجله بلغ سن الرشد، من أجل الإدلاء في شأن ما صرح به ابنه أمام المحكمة، وقررت إدراجها في جلسة 7 يناير سنة 2020، عندها أخذ محامي الطرف المدني الكلمة ملتمسا استدعاء نواب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية، والذين راجت أسماؤهم في القضية، رغم أنهم لم يكونوا وقت المداومة ساعة وقوع النازلة، وتدخلوا في وقائعها حسب ماراج من أقوال خلال جلسة المحاكمة. وبعد مداولة هيئة المحكمة على المنصة، رفض القاضي رئيس الجلسة ملتمس دفاع الطرف المدني، استدعاء النائب الأول لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لطنجة، الذي راج اسمه كثيرا في القضية على لسان الماثلين أمام المحكمة، في قضية اتصاله بممثل النيابة العامة المداوم تلك الليلة، وبموظفي الشرطة الذين اعتقلوا الفتى القاصر، ثم طلب منهم إطلاق سراح الشخص الموقوف لكونه نجل رجل أعمال معروف.