استطاع «تيفو» ألتراس الرجاء البيضاوي، في مباراته ضد غريمه الوداد، نهاية الأسبوع الماضي، أن يصنعالحدث، في واقع التصحر السياسي والثقافي. لا تكمن أهمية ذلك التيفو فقط، في الرسائل المضمرة الثاوية حول عبارة»room 101» ، بل، كذلك، في هذا الارتحالمن الخطاب المباشر نحو المضمر، من الحامل الواقعي نحو تخوم السنن الرمز، ومن عوالم الملموس إلى مجراتالتأويلات.. ففي فترة زمنية قصيرة حصل اشتباك بين نسقين اشتغلا في آن واحد، نسق الديربي بمرجعيته الكروية (الكلاش،المنافسة، حتمية الفوز..)، ونسق صورة التيفو بإحالاتها المرجعية ثقافيا وأدبيا وفنيا وسيميائيا، نسق السياق الكرويالعابر، ونسق الإرسالية الممتد ما وسعه الخيال التأويل، حصل الاشتباك داخل الملعب، وعلى شاشات البث المباشر،وفي تدوينات مواقع التواصل الاجتماعي.. بدأ الاشتباك في الواقع (المدرجات الجنوبية) وانتقل عبر الوسيطالاتصالي (شاشات التلفزة)، وصولا إلى المنصات الرقمية الافتراضية، حيث سيكتب له أن يعيش حيوات مستمرةبفعل كثافة النشاط التأويلي. مرت الطاقة التأويلية ذلك السبت من مرحلتين: مرحلة التعرف على المكونات الشكلية للتيفو لاكتشاف الدلالة الأولى: room 101 تحيل على غرفة للتعذيب في نصروائي متخيل لجورج أورويل، اسمه 1984. مرحلة تفكيك الإحالات الرمزية للدلالة الأولى. حيث انتقل النشاط الذهني من عتبة التفسير نحو احتمالات التأويل، المرحلة الأولى تستند على الموضوعي، أما الثانية، فتجنح نحو الذاتية. الإحالة الواقعية في المرحلة الأولى منتهية، لا مجال فيها للإضافة، أما الإحالة الرمزية في المرحلة الثانية فبدأتناقصة، وهو نقصان خلاّق، إذ إن كل تأويل هو نتاج تجربة ذاتية أو جمعية، تلعب فيها الأنساق الاجتماعية والثقافيةوالرياضية أدوارا حاسمة في الانتصار لتأويل معين. لقد انتهى دور مبدع التيفو حين تم رفعه.. وكل مبدع عليه أن يسلم أن العمل حين يخرج للجمهور يصبح ملكَ هذاالأخير، فالأكيد أن المبدع كان يفكر في رسالة ما، انطلاقا من تاريخه الشخصي وتمثلاته ورغباته، ولكن لا حق لأحدأن يصادر حق الآخرين في التأويل مهما اشتط، وسيكون من العبث أن نبحث عن تماثلية بين مقصدية مبدع التيفووتأويلية الأفراد، فالتأويل بطبعه تناظري لا تماثلي. هناك من رأى في التيفو إحالة على التعذيب الممارس في السجون المغربية، محتميا في تأويله هذا بالسياق الحقوقيالموسوم بالاتهامات الموجهة ضد مندوبية السجون. وهناك من اعتبر room 101 اختصارا للبلاد، حيث العيش فيها هو نوع من أنواع العذاب اليومي في ملاحقة لقمةالعيش الكريم، وهو في هذا التأويل مدفوع بالتغيير الذي حصل في أناشيد الألتراس، التي بدأت تنحو منحىاعتراضيا. وقد تقف حدود تأويلية البعض عند عتبة اعتبار الرسالة تتلخص فقط، في أن نادي الرجاء بمثابة حفل تعذيب لغريمهالوداد، مسنودا بسياق أعراف التيفووات في لقاءات الديربي والكلاسيكو التي تنحو منحى «الكلاشات» المتبادلة. لكن ماذا لو عضدنا أي أفق تأويل بالإمكانات التي يمنحها نص مواز؟ في حالتنا فهذا النص لن يكون سوى أيقونة«أليكس» بطل فيلم «البرتقالة الآلية» لستانلي كوبريك، فمصائر أليكس تتقاطع مع مصائر وينستون بطل رواية1984، حيث كلاهما خضع لعملية تطويع (فورماطاج)، وينستون خضع لها في الغرفة 101، فبعدما كان واحدا (1) انتقل في معارضته من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، أصبح بفعل التعذيب صفرا مهدور الكرامة (0)، لكنه سيعودواحدا (1) آخر بعد خروجه من الغرفة 101، واحدا لا يعترض على مشيئة الأخ الأكبر، تلك القوة المهيمنة التي لاتستمر إلا بفعل قابلية الجماهير للإخضاع، أما أليكس بطل البرتقالة الآلية (الأصح الإنسان الآلي، فأورانج في لغةالملايو تعني الإنسان) فخضع للتطويع في مستشفى بتعليمات من وزارة الداخلية، حيث خضع لتجارب على الطريقةالبافلوفية، جعلته ينتقل من شخص عنيف إلى وديع مستسلم، مع إمكانية إعادة تشكيله ثانية حسب متطلبات الدولةومصالحها. بين وينستون room 101 وأليكس البرتقالة الآلية تشتغل ميكانيزمات فك شفرات تيفووات الكورفا سود داخل حقولدلالية متداخلة: التعذيب، غسل الأدمغة، للإخضاع، إعادة الإنتاج، السلطة، الهيمنة، المراقبة.. قد يعترض مبتدئ لا يواكب المنجز النقدي الراهن الذي أعاد النظر في تراتبية الثقافة العالمة والثقافة الشعبية، ونصالمركز ومتن الهامش، بأن ثمة مسافة ثقافية كبرى بين التيفو وبين أفق التلقي البسيط عند شعب الكرة، ولكن هلالإبداع غير منجز يبتعد عن إدراكات العوام المباشرة عبر لعبة الانزياح والتشفير وخرق أفق انتظار المتلقين..