عكس كل التوقعات، تمكن المغرب وإسبانيا في عشرة شهور تقريبا من تحقيق هدف احتواء أكبر أزمة للهجرة السرية بين البلدين في الألفية الحالية، بعد تقليصها بأكثر من 50 في المائة تقريبا. إذ تحول التعاون والتنسيق بين البلدين في مجال محاربة الهجرة السرية إلى نموذج يضرب به المثل داخل الاتحاد الأوروبي، ما قد يرشح فرضية توسيعه ليشمل بعض الدول الأوربية الحدودية الأخرى التي تواجه تحدي الهجرة السرية، لاسيما في ظل ارتفاع الاضطرابات والاستقرار في بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء وبعض دول المغرب العربي. هذا ما كشفته أرقام ومعطيات جديدة صادرة عن الاتحاد الأروبي والحكومة الإسبانية، إلى جانب أرقام البحرية الملكية التي تؤكد الدور الكبير الذي يقوم به بالمغرب في مجال إنقاذ المهاجرين في أعماق البحر الأبيض المتوسط والأطلتني، ما يعني، بشكل جلي، وصول عدد أقل من المهاجرين إلى الضفة الأخرى وسقوط، أيضا، عدد أقل من المفقودين أو القتلى غرقا. وتفيد آخر الأرقام الإسبانية الرسمية التي تُتقاسم مع المفوضية الأوروبية أن الطريق المغربية الإسبانية لم تعد- عكس السنة الماضية- البوابة الرئيسية للمهاجرين النظاميين المغاربة أو الآتين من إفريقيا جنوب الصحراء الراغبين في العبور إلى الضفة الأخرى، مبرزة أن السلطات المغربية والإسبانية تمكنت من تحقيق هدف تقليص منسوب تدفقات الهجرة غير النظامية بين البلدين بنسبة 50 في المائة، وهو “الهدف الذي كانت الحكومة الإسبانية تعتقد أنه غير قابل للتحقق” في بداية السنة، وفق تقرير لصحيفة ” إلباييس” الإسبانية. وتمكن 24159 مهاجرا غير نظامي من الوصول بحرا وبرا إلى إسبانيا منذ يناير الماضي، بمعدل انخفاض قدره 50 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. معدل الانخفاض هذا لم يسجل منذ سنة 2010. و”يفسر، بشكل كبير، هذا التنفيس الملحوظ من ضغط الهجرة في ظرف زمني وجيز إلى الدور الذي يقوم به المغرب الذي انخرط في عرقلة خروج المهاجرين من أراضيه”، وفق المصادر ذاتها. بدورها، قالت المفوضية الأوروبية إن “الجهود الوقائية للسلطات المغربية لازالت فعالة ومفتاحا في تفسير تقلص أعداد الواصلين إلى إسبانيا خلال 2019″، وتابعت أن هذه “الجهود تشمل، من بين أخرى، منع خروج المهاجرين بحرا والقيام بعمليات الإنقاذ”. إذ يكشف تقرير سري للمفوضية الأوروبية أن المغرب قام منذ يناير الماضي بإنقاذ 17 ألف مهاجر في عرض مياهه الإقليمية، وفق “إلباييس” المقربة من الحكومة الاشتراكية الإسبانية. ويبقى رقم 17 ألفا، في أقل من 10 شهور، مرتفعا مقارنة مع السنوات الماضية. ويضيف المصدر عينه قائلا: “إسبانيا وشركاؤها الأوربيون يدعمون تعزيز التعاون مع المغرب الذي كافؤوه على طول هذه الشهور برعاية دبلوماسية وحصص دعم مالية بلغت 180 مليون أورو”، 140 مليون أورو هي عبارة عن دعم مالي إضافي أوروبي للمغرب، والباقي دعم إسباني للمغرب. في نفس السياق، أنقذت وحدات خفر السواحل التابعة للبحرية الملكية خلال الفترة ما بين 10 و13 أكتوبر الجاري 329 مرشحا للهجرة السرية بعرض البحر الأبيض المتوسط، حسب ما علم لدى مصدر عسكري. واستطرد المصدر ذاته أن ال329 مرشحا للهجرة السرية ينحدر أغلبهم من إفريقيا جنوب الصحراء، كانوا يخوضون هذه الرحلة الخطيرة على متن قوارب تقليدية الصنع. وأضاف أن الأشخاص الذين تم إنقاذهم، ومن ضمنهم 49 امرأة والعديد من القاصرين والأطفال، تم نقلهم نحو موانئ طنجة والحسيمة والناظور والقصر الصغير، بعدما تلقوا العلاجات الضرورية على متن وحدات خفر السواحل التابعة للبحرية الملكية. وفي مدينة سلا، تمكنت عناصر المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية في الساعات الأولى من صباح يوم أمس الأربعاء، من إجهاض عملية لتنظيم الهجرة غير المشروعة. وأسفرت الأبحاث المنجزة في إطار هذه القضية عن توقيف خمسة أشخاص يشتبه بتورطهم في تنظيم الهجرة غير المشروعة والمشاركة، كما تم ضبط 22 مرشحا للهجرة، من بينهم قاصر يبلغ من العمر 16 سنة، والذين سلموا مبالغ مالية متفاوتة القيمة للمنظمين الموقوفين مقابل تهجيرهم سرا نحو إسبانيا عبر المسالك البحرية. علاوة على حجز مجموعة من المعدات التي يشتبه في ارتباطها بهذه الأنشطة الإجرامية، وهي عبارة عن 21 صدرية للنجاة، وكمية من المحروقات، ووسائل للإنارة الليلية، فضلا عن أسلحة بيضاء عبارة عن خمسة سكاكين ومدية كبيرة. يلاحظ أن الهجرة غير النظامية انطلاقا من المغرب إلى إسبانيا عادت إلى الواجهة بقوة سنة 2017، قبل أن تحطم كل الأرقام سنة 2018، التي شاعت فيها ظاهر ما عرف ب”الفانتوم”، وهي السنة التي وصل فيها 64298 مهاجرا إلى إسبانيا، أي أكثر من الأرقام المسجلة خلال أزمة الزوارق المطاطية سنة 2006.