خلال اجتماع عاصف تخللته مناوشات كلامية، صادقت اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، مساء الجمعة 4 أكتوبر، على قرار الانسحاب من حكومة العثماني، ووضع حد للتحالف مع البيجيدي، الذي بدأ منذ 2012. وبعد نقاش دام نحو خمس ساعات، صوتت الأغلبية الساحقة من الحاضرين لصالح الانسحاب، فيما عارض القرار 34 وصوت 6 بالامتناع، علما أن عدد الحاضرين بلغ 275 عضوا. ومن أبرز معارضي الانسحاب وزير الصحة أنس الدكالي، الذي أعد مداخلة مكتوبة تدافع عن البقاء في الحكومة، وصوت ضد الخروج منها، كما عبر سعيد فكاك، عضو المكتب السياسي، عن عدم اقتناعه بمبررات مغادرة الحكومة، لكنه صوت بالامتناع. وبعد عرض مفصل قدمه نبيل بنعبدالله دافع فيه عن المقرر الذي صادق عليه المكتب السياسي بشبه إجماع، في اجتماع الفاتح من أكتوبر، حيث فُتح باب النقاش وتسجيل نحو 50 مداخلة، تدخل منها 34، معظمها اتجهت نحو تأييد الخروج من الحكومة، قبل أن يلتمس رئيس الجلسة أحمد زكي، من بقية المتدخلين سحب مداخلاتهم لأن الاتجاه العام للنقاش يدعم الخروج من الحكومة، ولا داعي لاستمرار في المناقشات، فتم اللجوء إلى التصويت بعد الاستماع لرد توضيحي من الأمين العام نبيل بنعبدالله. انتقاد الحكومة والبيجيدي المداخلات التي أيدت الانتقال إلى المعارضة اتجهت في معظمها نحو انتقاد أداء الحكومة وضعفها، ومنها مداخلة إسماعيل العلوي، رئيس مجلس الرئاسة، الذي أيد موقف المكتب السياسي، رغم أنه اعتبر أن هذا القرار جاء “متأخرا”. وتحدث عن مشكل “البلوكاج”، الذي عاشته الحكومة بعد انتخابات 2016، وعجزها عن معالجة المشاكل الاجتماعية، وقال “يجب أن ننصت لصوت شعبنا وللغضب في الأوساط الجماهيرية الواسعة التي تحتاج إلى من يدافع عنها في الحقل السياسي”. واعتبرت بعض المداخلات أن الحزب تأخر في الخروج للمعارضة، وهناك من هاجم الحكومة والحزب الذي يقودها واعتبرها حكومة “لاشعبية”، لأنها “أفسدت صناديق التقاعد وتسعى إلى تكبيل الحق في الإضراب”، وأنها “حكومة التفقير وضرب القدرة الشرائية” (بوزكراوي من الرشيدية). أما عبدالواحد سهيل، عضو المكتب السياسي، فقال إنه منذ مرحلة “البلوكاج” في 2016، حدث “تدمير للقوى السياسية بكاملها: الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية”، وإن النتيجة هي أن “الظروف الحالية باتت تتميز بالكفر بالعمل السياسي ورفض التصويت”، ولهذا دعم موقف الخروج للمعارضة. وهناك من المتدخلين الرافضين أصلا للتحالف مع العدالة والتنمية، اختار المناسبة لانتقاد تحالف الحزب مع “الرجعية والخوانجية واليمين”، وقال إنه “من الجيد أننا وجدنا الطريق مسدودا فقررنا العودة”، (كريم نايت الحو). وهناك من عاد للتذكير بالإهانة التي تعرض لها الحزب بإعفاء وزيرين في الإسكان والصحة، وبعد ذلك إعفاء كاتبة الدولة شرفات أفيلال. عودة قاموس الأوليغارشية والثورة وحملت المداخلات تشخيصا للوضع السياسي، وهناك من تحدث عن فشل الانتقال الديمقراطي بسبب “الحكومة التي ولدت من رحم البلوكاج” وافتقدت للمبادرة، وأيضا بسبب “الحكم”، الذي يعمل “ضد الدستور على احتكار المبادرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. وهناك من تحدث عن تهميش الحكم للمؤسسات التمثيلية، واعتماد أسلوب الدولة الأمنية (مداخلة الوهاجي)، وهناك من ذهب بعيدا في التشخيص بالحديث عن “دفن المسلسل الديمقراطي” وتحول المغرب إلى دولة تحكمها “أوليغارشية دمرت الحياة السياسية والكتلة الديمقراطية ونهبت الثروات، وخربت التعليم والعمل النقابي والحقوقي”، بل هناك من اعتبر أن الحزب لا “يحتاج فقط، إلى الانتقال إلى المعارضة، وإنما للقيام بالثورة”. (مداخلة الرجالي). وهناك من عاد إلى بلاغ الديوان الملكي، الذي انتقد تصريحا لنبيل بنعبدالله صدر في صحيفة “الأيام”، وكيف أنه بعد إعفاء الوزيرين تم الاتصال بالحزب من سلطات عليا لكي يستمر الحزب في الحكومة، بدعوى أنه لا مشكلة مع حزب التقدم والاشتراكية، وإنما مع أمينه العام. بعض المداخلات انتقدت اقتراح حقيبة ضعيفة على الحزب خلال التعديل المرتقب، وهي حقيبة الشبيبة والرياضة، وتساءل رشيد الحموني، برلماني الحزب، “ماذا سنفعل بحقيبة “الشباكي والمخيمات”؟ هل بها سنعد للانتخابات؟” أما كريم التاج، عضو المكتب السياسي، فاعتبر أن خروج الحزب للمعارضة “لا يعني الخروج إلى صحراء قاحلة”، وانتقد من يلجأ إلى جهات خارجية للاستقواء على الحزب، ولا تهمه سوى مصلحته الشخصية، كما تحدث عن أطراف داخل الحزب لم يشر إليها بالاسم “لا تحترم المؤسسات”. فكاك والدكالي أبرز الرافضين المواقف الرافضة للخروج كانت قليلة، منها مداخلة عضو اللجنة المركزية، جلول مكرام، اعتبرت أنه من غير المفهوم خروج الحزب على بعد سنة ونصف من الانتخابات، متسائلا: “هل نكذب على أنفسنا وعلى المغاربة”، مضيفا مع من سيتحالف الحزب، قائلا باستهزاء “البراهمة لن يقبل بِنَا”، في إشارة إلى رئيس حزب النهج الديمقراطي. وفِي السياق عينه، دافع سعيد فكاك، عضو المكتب السياسي عن البقاء في الحكومة، وقال إنه “غير مقتنع بمبررات الخروج”، لأن المشاكل التي تم طرحها من طرف المكتب السياسي “معروفة منذ مدة”، كما أعلن عدم اقتناعه بتوقيت الخروج لأن الأمر كان يتطلب أخذ وقت وإطلاق حوار داخلي، قبل الانتقال إلى المعارضة، مضيفا “إذا خرجنا إلى المعارضة فمن سنعارض؟ هل نعارض برامج شاركنا فيها؟ وتساءل عن كواليس المشاورات مع رئيس الحكومة، وقال إنه كعضو للمكتب السياسي لم يتم إخباره لا بهيكلة الحكومة ولا بالحقائب التي تم اقتراحها على الحزب، كما انتقد سياسة انفتاح الحزب وإفراغه من الأطر وتشجيع من وصفهم ب”الوسخ” و”الدبان”. من جهته، اعتبر أنس الدكالي الخروج إلى المعارضة، يعد بمثابة “ركون إلى الراحة بعيدا عن التسيير”، وتساءل ماذا تغير حتى ينتقل الحزب إلى المعارضة؟ هل تغيرت الظروف؟ هل تم التراجع عن إصلاح قطاعات الصحة والتعليم والإسكان؟ لم يقع أي تراجع، يقول الدكالي، مشيرا إلى أن المغرب سيدخل مرحلة جديدة بنخب جديدة، فهل الحزب غير مستعد لهذه المرحلة؟ واعتبر أن الحزب لا يمتلك الجرأة في هذه المرحلة واختار الهروب إلى الأمام.