لماذا يتم ربط التعديل الحكومي المرتقب بإحداث تغييرات في مناصب المسؤولية الإدارية؟ وهل يعني ذلك تغيير المديرين والكتاب العامين في الإدارات؟ ثم هل يقتضي الأمر إدخال تعديل على قانون التعيين في المناصب العليا. في خطاب العرش في 29 يوليوز 2019، أعلن الملك محمد السادس عن استعداد المغرب لدخول “مرحلة جديدة” ستعرف “جيلا جديدا من المشاريع”.. مرحلة ستتطلب “نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة”، وأعلن الملك عن تكليف رئيس الحكومة “بأن يرفع لنظرنا”، في أفق الدخول المقبل، مقترحات “لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق”. في هذا الورقة نطرح سؤالا بخصوص خلفيات الرغبة في تجديد مناصب المسؤولية الإدارية؟ خاصة أن هذه أول مرة يتزامن فيها الإعلان عن تعديل حكومي مرفوقا بتغيير مناصب المسؤولية الإدارية، وفي المؤسسات العمومية. ويخضع التعيين في المناصب الإدارية منذ 2012، لقانون تنظيمي، تطبيقا للفصل 92 من الدستور، الذي جاء فيه، أن مجلس الحكومة برئاسة رئيس الحكومة، يتداول في “تعيين الكتاب العامين، ومديري الإدارات المركزية، بالإدارات العمومية، ورؤساء الجامعات والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات العليا”، كما نص على أن يتمم القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل 49 من الدستور “لائحة الوظائف التي يتم التعيين فيها في مجلس الحكومة. ويحدد هذا القانون التنظيمي، على وجه الخصوص، مبادئ ومعايير التعيين في هذه الوظائف، لا سيما منها مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية”. قبل دستور 2011 كان التعيين في هذه المناصب يتم بمقتضى ظهير ملكي، بحيث توجه الترشيحات إلى الديوان الملكي، الذي يقوم بالتعيينات، لكن بعد الدستور الجديد، انتقل التعيين في هذه المناصب إلى مجلس الحكومة، بعدما حدد القانون التنظيمي شروط وإجراءات التعيين في مجلس الحكومة. لكن منذ الشروع في تفعيل هذا الاختصاص الحكومي الجديد، في عهد حكومة عبدالإله بنكيران، بدأت الانتقادات تنهال من المعارضة على الحكومة، باتهامها باعتماد العلاقات الحزبية والقرب السياسي على معايير الكفاءة والشفافية، كما تم توجيه انتقادات للبيجيدي، على الخصوص بتعيين مقربين منه، رغم تأكيد الحزب على أن عددا محدودا من المسؤولين الإداريين المقربين من الحزب تم تعيينهم في مناصب المسؤولية. وبالعودة إلى الخطاب الملكي في 29 يوليوز، نجده يثير بشكل مبطن مشكلة الكفاءة في الإدارة، في سياق حديثه عن سبب رغبته في تعديل الحكومة وإحداث تغيير في مناصب المسؤولية، بقوله “وهذا لا يعني أن الحكومة الحالية والمرافق العمومية، لا تتوفر على بعض الكفاءات”. أي أن الحكومة الحالية والمرافق العمومية، لا تتوفر سوى على بعض الكفاءات. وحسب بعض المصادر، فإنه سيكون على العثماني، أن يقترح لائحة المديرين والكتاب العامين والمسؤولين الإداريين المرشحين للتغيير للديوان الملكي، بالتزامن مع مقترحه لتعديل الحكومة، أي أن تعيين هؤلاء المسؤولين الإداريين سيتم بعض اطلاع الديوان الملكي وقبل أن يتم تعيينهم في مجلس الحكومة، وقد يؤدي ذلك إلى مراجعة القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب التي يتم فيها التعيين في مجلس الحكومة، حتى تكون للديوان الملكي الكلمة الأخيرة في حسم التعيينات بعد مصادقة مجلس الحكومة. ومن جهة أخرى، هناك مبرر ثان، ربما، يفسر الدعوة إلى تغيير مناصب المسؤولية الإدارية، وهي انعدام كفاءة بعض المسؤولين الإداريين وعدم استقرار آخرين، وتأثير ذلك على المردودية وأهداف التنمية. وبالعودة للخطاب الملكي، فقد حدد معالم المرحلة الجديد التي سيدخلها المغرب، و”قوامها: المسؤولية والإقلاع الشامل”. ومن الرهانات التي حددها الخطاب الملكي. أولا، رهان توطيد الثقة والمكتسبات: لكونها أساس النجاح، وشرط تحقيق الطموح: ثقة المواطنين فيما بينهم، وفي المؤسسات الوطنية، التي تجمعهم، والإيمان في مستقبل أفضل. ثانيا، رهان عدم الانغلاق على الذات، خاصة في بعض الميادين، التي تحتاج إلى الانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية، باعتبار ذلك عماد التقدم الاقتصادي والتنموي، بما يتيحه من استفادة من فرص الرفع من تنافسية المقاولات والفاعلين المغاربة. فالمسؤولون الجدد عليهم الاتصاف بالانفتاح، باعتباره “هو المحفز لجلب الاستثمارات، ونقل المعرفة والخبرة الأجنبية”. وهو الدافع نحو “تحسين جودة ومردودية الخدمات والمرافق، والرفع من مستوى التكوين، وتوفير المزيد من فرص الشغل”. ثالثا، سيكون على الحكومة إحداث تغييرات على مناصب المسؤولية الإدارية بمبرر تفعيل اللامركزية، بعد صدور ميثاق اللاتمركز، وصدور مرسوم “نموذج التصميم المديري المرجعي للاتمركز الإداري”، ما سيعني الاستغناء على عدد من المديريات المركزية التي سيتم نقل سلطها للجهات. وبدأت عدد من القطاعات الوزارية، في تعبئة استمارة تتضمن الاختصاصات، وخاصة التقريرية، التي سيتم نقلها إلى المصالح اللاممركزة (على مستوى الجهة، أو على مستوى العمالة أو الإقليم)، وتوزيع الموارد البشرية، والمادية بين المصالح المركزية والمصالح اللاممركزة. وإذا تقرر نقل سلطات تمارسها مديرية معينة، فإنه لن يبقى هناك مبرر لاستمرار هذه المديرية على المستوى المركزي. وسيكون على الحكومة، بعد التعرف على السلط التي سيتم نقلها للجهات، أن تعدل المراسيم المنظمة لهيكلة الوزارات، ما يعني دخول الإدارة في العاصمة في عملية “حمية”، بالتخلي عن عدد من الإدارات لفائدة الجهات. فمعظم الإدارات ستكون لها مصالح خارجية تحت مسؤولية الولاة، والسلط التي ستنقل إليها هي تلك التي تساهم في تسهيل التنمية في المنطقة، وسيتم خلق أقطاب على مستوى كل جهة من جهات المملكة: قطب اجتماعي، وقطب اقتصادي وقطب تقني، ويمكن أن يتم تعيين مدير جهوي واحد ليدبر مصالح أكثر من وزارة واحدة على مستوى الجهة، وستكون له سلطة القرار بتشاور مع الوالي. وكانت الحكومة قد صادقت على ميثاق اللاتمركز بعد سنوات من الانتظار، وهو ما يعطي مضمونا ملموسا للجهوية، من خلال تنصيصه على نقل السلطات من المركز إلى الجهات، استجابة للحاجيات التنموية والاقتصادية وتقريب الإدارة من المواطنين.