محاعتقال هاجر الريسوني هو الحلقة الألف من سلسلة طويلة من التحرشات ضد الصحافيين وصمتنا الجبان يشجع السلطات الأمنية على المزيد محمد الزواق
لقد تطور المغرب فعلا في مجال حرية الصحافة؛ فمنذ عَلِي أنوزلا الذي توبع بتهمة «الإشادة بالإرهاب»؛ لم يتعرض صحافيون لمهاجمات من أجل أفكارهم إلا نادرا؛ إذ إن دخول القانون الجديد للصحافة حيز لتنفيذ في 2016؛ بما يضمنه من خلو للنص القانوني من العقوبات السالبة للحرية قد أكد هذا التحول في اتجاه حريات أكثر. ولكن، لنتوقف قليلا، لنفعل فرامل اليد، إضافة إلى فرامل الأرجل، مع ما يصاحب ذلك من صرير العجلات وما تتركه من آثار على إسفلت حرياتنا، فهي كلها أدلة تثير الريبة والشك في الخطابات المطمئنة لوزراء الاتصال المتعاقبين علينا. فمثابة عن هذا الانعراج نحو الحريات؛ سلك المغرب طريقا ساحلية، كلها مناظر جميلة؛ ولكنها تتسم، كذلك، بخطورة كبرى بالنسبة إلى الصحافيين. وهكذا؛ فعوض المتابعات المباشرة بسبب ما يكتبون؛ أصبح الصحافيون يتابعون بعد أمدٍ من ذلك وفقا لفصول القانون الجنائي. والأمثلة تثرى مثل عقد من اللؤلؤ: مشاركة في الخيانة الزوجية (10 حبسا لهشام المنصوري)، ممارسة غير قانونية لمهنة ينظمها القانون (5 أشهر سجنا لمحمد الهلالي، وعبدالقادر الكمومي، من جريدة «ريف بريس»)، عدم التبليغ عن المس بأمن الدولة (3 سنوات سجنا لحميد المهداوي)، اغتصاب، وتحرش جنسي، واتجار في البشر (12 سنة سجنا لتوفيق بوعشرين، إلخ. قضية بعد أخرى، ظلت الأصوات المنددة بالترصد للصحافيين في مستقبلهم؛ دائما أقل فأقل، لنقلها صراحة: كان هذا الصمت أحيانا يتم عن جبن؛ بما أن الأمر كان يُنظر إليه على أنه سياسي جدا، جدا. في حالة بوعشرين؛ كانت هناك قابلية لتفهم التردد المرتاب؛ بما أن هناك، كذلك، معاناة الضحايا التي لم يكن مسوغا تجاهلها؛ حتى مع مراعاة الطابع السياسي للقضية. أما قضية هاجر الريسوني، فقد أثارت تعاطفا عارما، وعلى مدى واسع. فالعديد من النساء شعرن في قرارة أنفسهن بالظلم والإهانة التي ألحقتهما الشرطة والقضاة بهذه الصحافية الشابة. فمن الناذر في المغرب مع كامل الأسف؛ أن «تحشد» قضية صحافي تعاطفا أبعد من الدوائر المعتادة للتضامن: صحافة مهادنة بطبعها، جمعيات، وسياسيين أقل. إننا لنحيي هذا الوعي الواسع بهشاشة الحريات عندما تتهدد السلطات الأمنية صحافية؛ ولكن؛ علينا ألا ننسى مع ذلك هشام المنصوري الذي يتعرض لإهانة بالغة والمسجون من أجل قضية أخلاقية غامضة، في ظل لامبالاة عامة. وهذا من شأنه التذكير بأن النضال المجتمعي والحريات الفردية لا يتوقفان على المجال السياسي. كان مهما جدا أن نوضع هكذا في الصورة؛ خصوصا بالنسبة إلى الذين واللواتي لا يشيرون في قضية هاجر الريسوني إلا إلى القوانين العتيقة التي تحكم الحياة الشخصية للمغاربة والمغربيات. إن العديد من فصول القوانين تعود بالفعل إلى القرن الماضي؛ بل إن بعضها كانت قد فرضت من طرف الحماية الفرنسية. وفي هذه الحالة، من الخطإ الاعتقاد أنها هي مَصْدَرُ المشكلة؛ بل هي فقط، واحدة من آلياته المتعددة. وبالفعل، فالسلطة الأمنية لا تتورع في اللجوء إلى جميع الترسانة التشريعية الموجودة تحت تصرفها؛ عندما يتعلق الأمر بإسكات الصحافيين: من القوانين الغارقة أكثر في القدم، إلى الأكثر «حداثة» (الإشادة بالإرهاب، المس بأمن الدولة…) أليس المعطي منجيب متابَعا بتهمة تلقي جمعيته منحة من الخارج؟ وماذا بعد؟… قد يكون من الصعب سماع هذا (أو قراءته)؛ لكن قضية هاجر الريسوني هي أكبر من مجرد نزاع وشذ وجذب حول مسألة مجتمعية. إننا أمام صراع سياسي طويل الأمد؛ مع ما ينطوي عليه الأمر من مخاطر. علينا أن نتقبل كل ما قد يصيبنا من أذى في سبيل حقوقنا الأساسية؛ حتى نتمكن من فرض احترام حرياتنا الفردية في دولة للحق والقانون. لنطالب سياسيينا بتقديم كل الحساب؛ وخصوصا أولئك السياسيين الذين جعلوا من الحق في الإجهاض فرس رهاناتهم؛ فرس حوله تباطؤهم في استنكار اعتقال هاجر الريسوني إلى بغل؛ إنه نفاق السياسيين في كل ما له من توهج! قد يكون من الصعب سماع هذا (أو قراءته)؛ ولكن إذا ما اكتفينا بارتداء ملابس البطل، ولعب دور بطل الحريات الفردية دون أي رغبة في تحمل تبعات خوض المعركة السياسية التي نحن مع كامل الأسف بصدد خسرانها؛ فإننا نكون بهذا في نفس نفاق سياسيينا الذين نظل نستمتع بالاستهزاء منهم لجبنهم. قد يكون من الصعب سماع هذا (أو قراءته)؛ ولكن علينا ألا ننسى أنه بعد الانتهاء من اعتقال الصحافيين أو المناضلين الجمعويين بمساهمة من صمتنا؛ فلن يتبقى هناك أحد ليحتج عندما يأتي دورنا. مدير نشر موقع «يابلادي»