مازال مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، يثير جدلا واسعا في الأوساط النقابية، خاصة مع دخول اتحادات نقابية دولية وعربية على الخط، وضغطها على حكومة العثماني قصد سحب مشروع القانون التنظيمي وإرجاعه إلى طاولة الحوار الاجتماعي. وقد أسهم مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالحق في الإضراب، والذي أحيل على البرلمان في أكتوبر 2016 قبل أن يجمد هناك، بشكل مباشر، في تعميق فجوة الخلاف بين الحكومة، من جهة، والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب والهيئات الدولية من جهة أخرى، خاصة بعدما توالت مراسلات المنظمات الدولية لدعوة المسؤولين الحكوميين إلى ضرورة سحب مشروع القانون التنظيمي من البرلمان، وطرحه، أولا، للنقاش العمومي، غير أن الحكومة، في ردها السريع على مطلب الهيئات الدولية والنقابات، رفضت، بشكل قاطع، سحب «قانون الإضراب»، بمبرر أنه أصبح ملكا للمؤسسة التشريعية، وأنها لن تذهب إلى هذه الأخيرة من أجل التصويت عليه إلا بعد استنفاد مراحل التشاور مع الشركاء الاجتماعيين. آخر مراسلة بهذا الخصوص، وضعت على مكتب سعد الدين العثماني، جاءت من كاثي فينجول، مديرة قسم العلاقات الدولية باتحاد العمل الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية. وعبر اتحاد العمل الأمريكي، في المراسلة التي توصلت «أخبار اليوم» بنسخة منها، عن قلقه العميق إزاء مشروع القانون التنظيمي لممارسة الحق في الإضراب، والذي طرح مباشرة في البرلمان «لاعتماده دون مفاوضات ثلاثية مسبقة، حيث تميل غالبية مواده إلى حظر هذا الحق الأساسي والدستوري». وأوضح اتحاد العمل الأمريكي أن الحق في ممارسة الإضراب «يبقى أحد أبرز تجليات الحريات النقابية، ووسيلة في يد الطبقة العاملة للدفاع عن حقوقها المادية والمعنوية، فممارسة الإضراب حق من الحقوق الأساسية التي لا يكفلها الدستور وحده، بل تضمنها المواثيق الدولية باعتباره مظهرا من مظاهر الحرية النقابية التي تجعل منها اتفاقيات منظمة العمل الدولية حقا مقدسا وأحد المبادئ الأساسية». ونبه الاتحاد الأمريكي إلى أن المغرب وبالرغم من «عدم مصادقته على اتفاقية العمل الدولية 87، بشأن الحرية النقابية وحماية الحق في التنظيم، فإنه يبقى ملزما ببنودها باعتبارها إحدى الاتفاقيات الأساسية إلى جانب اتفاقية العمل الدولية رقم 98، بشأن تطبيق مبادئ الحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية، كما أن المغرب لم يلغِ بعد المادة رقم 288 من القانون الجنائي، والتي تفرض غرامات وأحكاما بالسجن على أي شخص يحاول تنظيم التوقف الجماعي عن العمل، ما يعيق ممارسة الحريات النقابية». ودعا الاتحاد الأمريكي الحكومة المغربية إلى تعديل التشريعات الوطنية لتعكس اتفاقيات العمل الدولية التي صادقت عليها المملكة، والإسراع في المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87، وسحب مشروع قانون الحق في الإضراب، وفتح باب الحوار والتفاوض مع النقابات بشأن المشروع، إلى جانب احترام الحريات النقابية والحق في التفاوض الثلاثي، واحترام الاتفاقيات الدولية. من جهته، دعا الاتحاد العربي للنقابات، محمد يتيم، وزير الشغل والإدماج المهني، إلى سحب مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب من البرلمان، وإعادته إلى مائدة التفاوض، في إطار الحوار الاجتماعي والتفاوض الثلاثي الأطراف، انسجاما مع مبادئ منظمة العمل الدولية والاتفاقيات الدولية الأساسية التي صادق عليها المغرب. وأكد الاتحاد، في مراسلته التي توصلت «أخبار اليوم» بنسخة منها، أن الحكومة «لم تحترم منهجية الحوار الاجتماعي والتفاوض الثلاثي الأطراف في إعداد مشروع قانون الإضراب، ووضعته بشكل أحادي، دون إشراك المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، فضلا عن أن مقتضياته تخرق مبادئ منظمة العمل الدولية، ولا تحترم المواثيق والاتفاقيات الدولية الأساسية، خاصة الاتفاقيتين 87 و98». وهو الموقف نفسه الذي تبناه الاتحاد الدولي للنقابات، الذي يضم نحو 331 نقابة عمالية في أزيد من 163 دولة، حيث عبّر عن رفضه بشكل قاطع وغير قابل للنقاش «الصيغة الإقصائية التي وضع بها مشروع القانون». من جانبه، اعتبر عبد القادر الزاير، الكاتب العام للكنفدرالية الديمقراطية للشغل، الاستنكار الدولي لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب «طبيعيا ومبدأ حاصلا منذ زمن»، مستنكرا «استفراد الحكومة بمشروع قانون الإضراب، ومحاولة تمريره من خلال البرلمان، دون أن يحظى بتوافق أطراف الشغل». من جهته، أكد جمال أغماني، وزير الشغل سابقا، والخبير الدولي في مجال الشغل حاليا، أن مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب ينافي مكتسبات دستور 2011، الذي نص على ضرورة إصداره خلال ولاية الحكومة السابقة. وأشار أغماني، في تصريحه ل«أخبار اليوم»، إلى أن القانون المطروح اليوم على أنظار البرلمان، إلى جانب أنه كان مطلوبا أن يكون محصلة تفاوض ثلاثي، من الضروري مراجعة الصيغة الحالية التي جاء بها، حيث إنه جاء «دون مذكرة تقديم له رغم أهمية هذا النص التشريعي ومكانته، كما أنه يتضمن عددا من المقتضيات التي من شأنها أن تمس بحق الإضراب، وتسهم في إضعاف النقابات، في حين أن المطلوب هو تعزيز دورها التأطيري». من جانبه، رفض عبد العزيز الطاشي، عضو المكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل، «اللجوء أو الاتجاه إلى المنظمات الدولية خلال هذه الفترة، خاصة أن باب المفاوضات مع الحكومة مازال مفتوحا». وبخصوص مدى تأثير هذه المراسلات على السمعة النقابية المغربية دوليا، يقول الطاشي إن «تأثيرها سياسي أكثر من كونه إجرائيا، خاصة أن منظمة العمل الدولية، إلى حد الآن، لم تدل برأيها، وبالتالي، أظن أن التأثير سيكون على الصعيد الوطني حاليا، مادامت الحكومة فتحت باب المشاورات والتفاوض، أما الاتجاه إلى المنظمات الدولية، فلم يحن وقته بعد».