إذا كان المغرب قد حقق وفرة في إنتاج بعض من منتجاته الغذائية، وقام بتصديرها وسط منافسة شديدة، تعرض خلالها لشتى أنواع الضغوط حتى لا ينافس دول الاتحاد الأوروبي ويحرر نفسه من التبعية الفلاحية والاقتصادية، فإن الأرقام التي تضمنتها التقارير الرسمية الصادمة، والتي تكشف واقع الإنتاج الفلاحي وما تتخبط فيه المؤسسات الفلاحية من الاختلالات، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن حلم بلدنا مازال بعيداً عن تحقيق أمنه الغذائي والاكتفاء الذاتي، الذي من شأنه أن يضمن سيادة فلاحية قوية الأركان، تمكن سلسلة الإنتاج الفلاحي من ضمان إنتاج السلع الأساسية محليا، والتي بات يكثر عليها الطلب في السوق المغربية. هذا، وحسب التصنيفات الإحصائية، يعتبر المغرب واحدا من أكبر المستوردين للحبوب في العالم، حيث تصل حاجياته من هذه المادة الحيوية سنويا بين 30 و50 مليون قنطار، فيما لايزال يشتري من الخارج أكثر من نصف احتياجاته من السكر و97 في المائة من حاجياته من الزيوت النباتية. لم يعد خافيا أمام هذه الأرقام المثيرة، أن مسألة السيادة الغذائية، أضحت مسألة حياة أو موت، فالفلاحة هي العمود الفقري للاقتصاد المغربي، فبعد أكثر من عشر سنوات، من تبني المخطط الأخضر، لازال الأمن الغذائي مرتهنا للتساقطات المطرية واستيراد المواد الفلاحية الأساسية والحيوية. اعتمد المخطط الأخضر على دعامتين، تستند الأولى منها على الفلاحة الكبيرة، التي تهتم بالتصدير، بينما تحاول الثانية تشجيع الفلاحة المعيشية، ذات الصلة بالمنتجات المحلية، التي يراد تثمينها ومساعدة الفلاحين الصغار على تحسين مدخولهم، إلا أن مشاكل مع القرض الفلاحي مازالت لم تنته. وحسب المهتمين، الذين التقتهم “أخبار اليوم”، وهي تحقق في واقع بعض المؤسسات الفلاحية، التي كشف المجلس الأعلى للحسابات كثيرا من نواقصها وما تتخبط فيه من الاختلالات، فإن تدبير المخاطر في مجال حساس مرتبط بتأمين الأمن الغذائي للمغاربة، لا يقل أهمية من كون القطاع الفلاحي بشهادة الجهات الرسمية هو بمثابة الدعامة الأساسية للأمن الغذائي، لكنه بالمغرب لم يعرف الاستقرار المطلوب، فقد وضعت لأجله عدة سياسات انطلاقا من سياسة السدود ومرورا ببرامج التقويم الهيكلي، وانتهاء بمخطط المغرب الأخضر، والقطاع لايزال يعاني من نواقص هيكلية منها ممارسات فلاحية مختلة فرضتها البنيات العقارية والاجتماعية، وتجزئة المزارع وضعف استخدام الأسمدة والبذور المختارة والمكننة زيادة على أن المناخ لم يكن في صالح الفلاحة في المغرب. هنا سيواجه الأمن الغذائي تحديات على مستوى الديمغرافية والماء وتدهور التربة والتغير المناخي. كما أن قرار إدراج الشركة الوطنية لتسويق البذور في لائحة المؤسسات المدرج خوصصتها، اعتبره جل المهتمين بالسياسة الفلاحية، إجراءً سيضرب في العمق سيادة الدولة في الاستراتيجية الغذائية وسيفتح المجال لمؤسسات دولية ل”التلاعب” بقطاع البذور ووضع المغرب تحت وصاية مؤسسات دولية مجهولة الاسم تعبث بمقدرات قطاع البذور، وهذا أقرت به تقارير المجلس الأعلى للحسابات، حين أشارت إلى تكريس التبعية الأجنبية في قطاع الحبوب، وهو قطاع حساس وحيوي ويعتبر من الدعامات الاستراتيجية الفلاحية التي تسعى المملكة إلى تحقيقها. قطاع الحبوب مازال المغرب يعتمد فيه على الواردات ولا يحقق الاكتفاء الذاتي، وسط التقلبات الكبيرة في أسعار الحبوب العالمية والتهديدات المتوقعة على أسواق الاستيراد بحلول عام 2030 والخطر المرتبط بتوفر الكميات المعروفة للبيع من قبل البلدان الرئيسة المصدرة للحبوب، فالقطاع غير آمن من تداعيات الصدمات في الأسعار الناتجة عن قانون الإمداد والتموين والطلب في السوق العالمية، كل هذا وغيره، يؤكد أن المغرب ليس ببلد فلاحي قادر على إنتاج ما يكفيه من للحبوب، إلا أن السبيل الوحيد أمامه في رأي أغلب من حاورناهم في هذا الملف، هو ضرورة إعادة النظر في سياساته الاستراتيجية وأولوياته الفلاحية، حتى ينجح في تأمين اكتفائه من الخبز، ليتسنى له ساعتها مواجهة التهديدات التي تعترض أمنه الغذائي بسلام وأمان.