رغم أن وزارة الفلاحة تسعى دائما إلى طمأنة المغاربة على أمنهم الغذائي من خلال التأكيد على نجاح المخطط الأخضر في ضمان الاكتفاء الذاتي من مجموعة من المواد، إلا أن الواقع الحالي المتمثل في استمرار ارتهان المغرب للأسواق الخارجية للتزود بمجموعة من المواد الأساسية، وعلى رأسها القمح والسكر والزيوت الغذائية، يطرح تساؤلات عميقة حول مدى تمكن مسؤولينا فعلا من ضمان الأمن الغذائي للمغاربة. حصل المغرب خلال حفل افتتاح الدورة الحالية للمعرض الدولي للفلاحة على جائزة من منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (فاو) اعترافا بمجهوداته في مجال تحقيق التنمية المستدامة والأمن الغذائي. وقد علل المدير العام للمنظمة منح المغرب هذه الجائزة ببلوغه، قبل سنتين على الموعد المحدد لها، أهداف الألفية للتنمية المتعلقة بمحاربة المجاعة، مؤكدا أن هذا البلد نجح في تخفيض نقص التغذية فيما بين سكانه لما دون 5 في المائة، تماشيا مع غايات حددها الهدف الأول من الأهداف الإنمائية للألفية، وهو القضاء على الفقر المدقع والجوع بحلول عام 2015. مبادرة منظمة «فاو»، وإن اعتبرت إيجابية بالنسبة للمغرب، إلا أنها طرحت معها إشكالية مستعصية تتعلق بالأمن الغذائي للمغاربة. فإذا كان المغرب نجح بالفعل في تقليص معدلات المجاعة، بمفهومها المتعارف عليه دوليا، فهل سينجح في ضمان أمنه الغذائي، خاصة في ظل تبعيته المتزايدة للأسواق الخارجية. معطيات مقلقة حول الأمن الغذائي خلال افتتاحه لأشغال المناظرة الفلاحية، بدا عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، غير مرتاح، وهو يستعرض الحصيلة المرتقبة للموسم الفلاحي الحالي في مجال الحبوب. فالرجل يعلم الصلة الوثيقة للأرقام التي يعلن عنها بمعدل النمو الاقتصادي، وبالتالي فقد كان يحاول الدفاع عن المعطيات التي يكشف عنها بكل ما أوتي من قوة. أخنوش أعلن أن إنتاج المغرب من الحبوب برسم سنة 2014، لن يتعدى67 مليون قنطار في أحسن الأحوال، بينها 37.2 مليون قنطار من القمح اللين، فيما أنتج المغرب العام الماضي ما مجموعه 97 مليون قنطار. وهو ما يعني أن إنتاج الحبوب في المغرب خلال سنة 2014 سيعرف انخفاضا بنسبة ثلاثين مليون قنطار مقارنة مع حجم الانتاج المسجل سنة 2013. واعتبر وزير الفلاحة أن الرهان على المنتجات المحلية وتشجيع الفلاحة التضامنية وتحسين السقي من شأنه أن يرفع من حجم الإنتاج الوطني للحبوب مستقبلا، ويساهم في دعم الأمن الغذائي للمغاربة من هذه المادة الأساسية. إشكالية الأمن الغذائي طرحها قبل ذلك رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي اعتبر أن تحقيق الأمن الغذائي المستديم للمغاربة، يظل هاجسا حاضرا بقوة في السياسة الحكومية من خلال تكثيف العناية بالقطاع الزراعي والسمكي وتحسين الإنتاجية دون المساس بالتوازن البيئي. ويرى رئيس الحكومة أن هذا الهاجس يظل أيضا حاضرا من خلال السعي ما أمكن إلى تحصين الأمن الغذائي المغربي من تقلبات الظرفية الفلاحية والاقتصادية والمناخية على الصعيد الدولي، ومن ثمة فإن الحكومة، بحسب عبد الإله بنكيران، تسهر على تكامل سياسات تنمية القطاع الزراعي والسمكي مع السياسات التنموية الأخرى في إطار مقاربة شمولية ترتكز أساسا على تشجيع ودعم الاستثمار في القطاع الفلاحي والصيد البحري، وفك العزلة عن العالم القروي والمناطق الجبلية لتحقيق وصول المواد الغذائية في ظروف مقبولة. غير أن استمرار ارتهان الفلاحة الوطنية للتساقطات والتراجع القوي لإنتاج الحبوب هذا الموسم يجعل من تصريحات رئيس الحكومة مجرد لغة خشب، خاصة إذا علمنا أن المغرب يلجأ عادة إلى استيراد كميات ضخمة من القمح من الأسواق الدولية في المواسم التي يكون فيها إنتاج الحبوب في المغرب قياسيا، فما بالك في المواسم الضعيفة، كما هو الحال هذا الموسم. وبالعودة إلى تقارير رسمية صادرة عن منظمات تهتم بالفلاحة، فإن المغرب لم ينجح إلى الآن في ضمان أمنه الغذائي، فهو مازال مرتبطا بشكل كبير بالأسواق الدولية، حيث ينتج فقط ما بين 50 و70 في المائة من حاجياته من الحبوب، وحوالي 55 في المائة من حاجياته من السكر وأقل من 20 في المائة من حاجياته من الزيوت الغذائية. حلم صعب المنال في الظروف الحالية يجمع الخبراء على أن ارتهان المغرب للأسواق الخارجية، في ظل عدم نجاحه في بلوغ أهداف الدعامة الثانية من المخطط الأخضر، يجعل من الأمن الغذائي حلما صعب المنال في الوقت الراهن. وفي هذا الإطار يرى نجيب أقصبي، الأستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، أنه «يتعين على المغرب نهج سياسة فلاحية تروم تلبية الحاجيات الغذائية للمغاربة، من خلال اعتماد خيارات موجهة نحو الإنتاج الغذائي الذي يسد هذه الحاجيات». ويضيف أقصبي، خلال تدخله سابقا في لقاء حول موضوع «الأمن الغذائي بالمغرب: واقع وآفاق»، أن مفهوم السيادة الغذائية «يفرض نفسه بالمغرب» لكونه ينبني على سياسة اختيارية في قطاع الفلاحة، من خلال إنتاج يلبي الحاجيات الغذائية للسكان، وتصدير الفائض بعد ذلك، معتبرا أن «الوضعية الحالية تتسم بالتناقض، لكون المغرب يصدر ويستورد ما يستهلكه، مما كبح تنمية سياسة ناجعة للتصدير ومحاربة التبعية الغذائية. ويدعو أستاذ معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة إلى تطوير إنتاج مشتقات الحليب واللحوم للرفع من استهلاك المغاربة الذي يظل دون مستوى المعايير المحددة من طرف منظمة الصحة العالمية. تحذيرات لمنظمات دولية في الشهور الأخيرة حذرت مجموعة من المنظمات الدولية من إشكالية الأمن الغذائي في المغرب، حيث أصدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوربية، وهي جهاز استشاري تابع للاتحاد الأوربي، تقريرا بشأن العلاقات التجارية بين الأوربيين والمغرب، تم التصويت عليه بشبه إجماع، ويكشف بعضا من اختلالات الشراكة الاقتصادية بين المغرب والأوربيين، خاصة منها تلك التي تهم الفلاحة والأخطار التي ينطوي عليها التوجه المغربي لدعم الفلاحة التصديرية. واعتبرت اللجنة أن الفلاحة المغربية ترتهن أكثر فأكثر للمواد الأولية المستوردة مثل الحليب والحبوب، «ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على السيادة الغذائية للمغرب. لهذا يجب أن تتوجه الاستراتيجية التجارية بين الجانبين إلى تشجيع التنوع في الإنتاج». وفيما أقر التقرير بأن كل الجهود التي يبذلها المغرب حاليا لتنمية فلاحته ستؤدي إلى تحقيق المرتكز الأول للمخطط الأخضر، المتمثل في الرفع من حجم الصادرات الفلاحية، خاصة منها الخضر والفواكه المتحصل عليها من الفلاحة السقوية، عاد لينبه إلى معاناة المغرب من ندرة الأراضي الصالحة للزراعة، ما يحول دون تحقيق المرتكز الثاني للمخطط، والمتمثل في المواكبة التضامنية للاستغلاليات الصغيرة، باعتبارها عاملا أساسيا في التنمية القروية ومصدرا للدخل. بالمقابل، أفاد البنك الإفريقي للتنمية في تقرير سابق له حول الأمن الغذائي، أن المغرب يعتمد بشكل كبير على استيراد الحبوب شأنه في ذلك شأن تونس، حيث يواجه كلاهما صعوبات في التمويل، في حين تبقى الجزائر، التي تعتمد هي الأخرى بشكل ملفت على استيراد الحبوب، بعيدة عن هذه الصعوبات إذ تعرف ميزانيتها استقرارا ويمكنها تمويل الواردات من المواد الغذائية حسب ما جاء في التقرير. وقال البنك إن امتلاك موارد معدنية هامة لا يكفي وحده لضمان أمن غذائي سليم، كما شدد على أن بلدان شمال إفريقيا يجب أن تعالج جميعها مشاكل الأمن الغذائي، من وجهة نظر اقتصادية مائة في المائة. السياسة الفلاحة الحالية لم تنجح في ضمان المواد الأساسية للمغاربة أ سئ3لة ل: محمد الهاكش رئيس الجمعة الوطنية للفلاحين في المغرب - تسلم المغرب مؤخرا جائزة من منظمة «فاو» اعترافا منه بالجهود التي يبذلها في مجال تحقيق التنمية المستدامة والأمن الغذائي. إلى أي حد استطاع المغرب، في نظرك، ضمان أمنه الغذائي؟ فعلا، لقد منحت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة «فاو» جائزة للمغرب لتمكنه، حسب تقديرها، من بلوغ أهداف الألفية للتنمية في مجال محاربة الجوع كأحد الأهداف الثمانية للألفية. وبغض النظر عن الفرق بين مفهوم «الجوع»، الذي قد نتفق على أن المغرب، خلافا لمجموعة من الدول الإفريقية، مثلا، لا يعيش مجاعة، ومفهوم «الفقر» الذي أوضحت مجموعة من الدراسات أنه يزداد في بلادنا، وخاصة في العالم القروي، فإنني متيقن أن منظمة الأممالمتحدة للأغذية لم تمنح جائزتها للمغرب لأنه استطاع ضمان أمنه الغذائي، لأنها تعرف جيدا، وفق المعطيات التي تتوفر عليها، أن المغرب يعيش تبعية غذائية بالنسبة للمواد الأساسية، وأن مخطط المغرب الأخضر لم يستطع انتشال الميزان التجاري الغذائي من عجزه المستدام. وبالمناسبة أحيل المتتبعين على الصفحة 2590 من الجريدة الرسمية رقم 6135 ل 18 مارس 2013 التي تحدد اختصاصات القطاع الفلاحي ليلاحظوا غياب أي إشارة إلى الأمن الغذائي بشكل مباشر. - المغرب ما يزال إلى الآن يستورد حصة مهمة من حاجياته من المواد الغذائية الأساسية من الخارج، وعلى رأسها القمح وزيوت المائدة والسكر الخام والحليب وغيرها. كيف يمكن الحديث عن الأمن الغذائي في ظل هذا الواقع؟ رغم مليارات الدراهم التي ضخها مخطط المغرب الأخضر خلال الخمس سنوات الأخيرة في المجال الفلاحي، فإن المغرب ما زال يعيش تبعية غذائية في المواد الأساسية التي ذكرت. ومن الملاحظ أن المسؤولين يحاولون حصر أسباب تبعيتنا في المواد الغذائية الأساسية، ومنها الحبوب، والقمح أساسا، خلال الجفاف وتوالي السنوات العجاف، متناسين أن الدراسات العلمية أثبتت أن هذه الظاهر الطبيعية أصبحت هيكلية منذ بداية الثمانينيات، وأنها معطى ثابت يجب أخذه بعين الاعتبار في كل سياسة فلاحية. وإذا استثنينا المعطى الطبيعي المرتبط بالمناخ والتساقطات، الذي يتذرع به المسؤولون، حيث يضع ما يقرب من 90 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة تحت رحمة التساقطات المطرية القليلة وغير المنتظمة، هناك معيقات كثيرة كرستها السياسات الفلاحية المتعاقبة في المجال الفلاحي. فإلى جانب التوزيع غير العادل للأراضي والمياه والحجم الصغير للاستغلاليات الفلاحية، وبالتالي كثرة الفلاحين الصغار (أزيد من مليون فلاح)، الذين يكدحون في ظروف قاسية لينتجوا بالكاد ما يبقيهم وعائلاتهم على قيد الحياة، هناك معيقات سياسية واجتماعية وثقافية مرتبطة بالمجال القروي والإنسان القروي الكادح، الذي يعيش القهر والتخلف والأمية والمرض في غياب البنيات التحتية والتجهيزات الضرورية التي تتطلبها الحياة الكريمة. ورغم الخمسة ملايين هكتار التي تخصص لزراعة الحبوب (أزيد من 60 في المائة من المساحة الصالحة للزراعة) لا بد من الوقوف على بعض المعطيات الرسمية، التي صدرت في نشرة بنك المغرب مارس 2012، والتي تعتبر صادمة للغاية، حيث تبين بوضوح عجزنا في الميزان التجاري الغذائي. ونقتصر في هذا الصدد على مقارنة قيمة صادراتنا من الطماطم وقيمة وارداتنا من القمح بين 2005 و2011، لنكتشف أن على المغرب أن يدفع ما يعادل قيمة أربع سنوات من تصدير الطماطم لأداء مستحقات سنة واحدة من واردات القمح. أما عجز الميزان التجاري المتعلق بخانة «الغذاء والمشروبات والتبغ» فقد بلغ سنة 2011 ما يقارب 12.421 مليار درهم. وبالنسبة للشمندر السكري، الذي لا يتأثر بالتساقطات المطرية لأنه يزرع في الأراضي المسقية، فقد تراجعت مساحته بين 2007 و2010 ب 13400 هكتار، كما تراجع إنتاجه الإجمالي خلال نفس المدة ب5 ملايين قنطار، في عز مخطط المغرب الأخضر واحتكار «كوسومار» لصناعة السكر. وفي نفس الاتجاه تدهورت نسبة تغطية حاجيات المواطنين والمواطنات في مادة السكر لتصل 25 في المائة سنة 2012، علما أن شركة «كوسومار» تعهدت في إطار مخطط المغرب الأخضر بتحقيق 50 في المائة على الأقل، بعد أن كان إنتاج فلاحتنا يوفر أزيد من 60 في المائة في السابق. أما فيما يخص مادة زيت المائدة، فالواردات تفوق 90 في المائة من حاجياتنا، ويمكن أن نقول إن تبعيتنا للأسواق الخارجية بالنسبة لهذه المادة شبه مطلقة. نلاحظ إذن، من خلال هذه المعطيات، أن السياسات الفلاحية، بما فيها مخطط المغرب الأخضر، لم تستطع توفير المواد الأساسية للشعب المغربي (الخبز والزيت والسكر). هذا الواقع يقتضي مراجعة السياسة الفلاحية المتبعة، حيث لا سياسة غذائية دون سيادة غذائية، وإن الصفعة التي تلقاها المغرب من طرف الاتحاد الأوربي، فيما يخص محاصرة صادرات المغرب من الحوامض والبواكر، وخاصة الطماطم، يجب أن تعطي درسا للمسؤولين للانطلاق في هذه المراجعة. - الأرقام التي أعلن عنها وزير الفلاحة، خلال المناظرة الوطنية الأخيرة حول الإنتاج المرتقب من الحبوب، لقيت تشكيكا من طرف عدد كبير من الفلاحين، خاصة في ظل تراجع نسبة المساحات المزروعة والتأخر الذي شهدته التساقطات. ما مدى مصداقية هذه الأرقام في نظرك؟ الإعلان عن رقم 67 مليون قنطار كإنتاج مرتقب للحبوب، بتراجع بحوالي 30 مليون قنطار مقارنة بالسنة الماضية، أثار وما يزال يثير استغرابا وسط المهنيين والمهتمين، وحتى العاملين بالقطاع الفلاحي من مهندسين وتقنيين، الذين يجمعون على أن الرقم الأقرب للحقيقة لا يمكن أن يتجاوز 50 مليون قنطار. وهؤلاء الخبراء يعتمدون في استنتاجهم هذا على ما يعاينونه في الميدان، حيث يؤكدون أن المناطق التي تعتبر خزانا للحبوب، وخاصة منطقة الشاوية والرحامنة، يمكن اعتبارها الآن مناطق منكوبة، وأن الإنتاج يقتصر على المناطق التي تأخرت في الزرع (المازوزي) كمنطقة سايس مثلا. وبغض النظر عن الأرقام والدواعي التي تقف وراء تحديدها، فعند الاستيراد سيعز هذا الرقم أو يهان، بمعنى أننا نرتقب ارتفاعا كبيرا في صادراتنا من الحبوب، وسنتحقق جميعا، حينذاك، من مصداقية أرقام وزارة الفلاحة.