بعد شهور من الأخذ والرد والتدقيق بين خبراء ماليين متخصصين في قطاع التأمينات، سواء ممن لهم خبرة في المالية الإسلامية وقواعد الشريعة في المجلس العلمي الأعلى، أو من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، تم الوصول إلى وضع قواعد قانونية شاملة تؤسس لمشروع تأمينات تكافلية مغربية جديدة وخاصة. وبالتالي فإنه تم وضع القانون رقم 59.13 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 17.99، المتعلق بمدونة التأمينات، والذي أدرجت فيه بعض المبادئ الأساسية الخاصة بالتأمينات الإسلامية، وهي أولا تسيير حساب التأمين من طرف مقاولة التأمين التكافلي وإعادة التأمين التكافلي مقابل أجرة تسيير، وثانيا تسيير حسابات بصفة منفصلة عن الحسابات الخاصة بالتأمين التكافلي وإعادة التأمين التكافلي، وثالثا طرق أداء أجرة تسيير حساب التأمين التكافلي لمقاولة التأمين وإعادة التأمين بقرار صادر عن وزير الاقتصاد والمالية باقتراح من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، ورابعا توزيع الفائض المحقق سواء أكان تقنيا أو ماليا، على المشتركين بعد خصم التسبيقات التكافلية عند الاقتضاء، وخامسا وأخيرا سد عجز حساب التأمين التكافلي بمنح مقاولة التأمين وإعادة التأمين التكافلي تسبيقا تكافليا في حالة عدم كفاية الأصول الممثلة للاحتياطيات التقنية، ومقارنة مع هذه الاحتياطيات تتم عمليات الاسترجاع من الفائض المستقبلي. والجدير ذكره في هذا الباب القانوني الخاص، أنه تم الحرص على مطابقة عمليات التأمين وإعادة التأمين وأنشطة تسيير حساب التأمين التكافلي مع الشريعة الإسلامية، وفي هذا السياق شددت هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي في منشور لها تعرف فيه المنتج الجديد في سوق التأمينات، على أن كل ما تم في القانون الخاص يبقى مطابقا لما يقره المجلس العلمي الأعلى. وإضافة إلى القانون رقم 59.13، هناك قانون آخر مهم في الموضوع، ويتعلق الأمر هنا بمشروع قانون رقم 87.18، وتم إعداده استنادا إلى توصيات المجلس الأعلى للعلماء، وأدرج عدة مستجدات في القانون المفصل سابقا، والذي وُضع في 2016، منها على سبيل المثال لا الحصر، إدخال مفاهيم جديدة كصندوق التأمين التكافلي، وصندوق إعادة التأمين، والاستثمار التكافلي وغيرهم، وأيضا تحديد الصلاحيات الأساسية لمقاولة التأمين وإعادة التأمين باعتبارها وكيلا. نموذج تكافلي خاص عند الوقوف على ما عممته هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، حول الوافد الجديد على سوق التأمينات المغربية، فإنها تقدم التأمين التكافلي المغربي بأنه يرتكز على وجوب إعداد نظام التسيير لتدبير صندوق التأمين التكافلي من طرف مقاولة التأمين التكافلي، ويشمل مبادئ وقواعد تدبيرها. ويتحقق هنا انخراط المشترك في نظام التأمين التكافلي بالتوقيع على النظام الخاص السابق ذكره، على أن يتم منح الضمان بعد إبرام عقد التأمين كما هو الحال في التأمين الكلاسيكي. ويقر المشترك خلال توقيعه على العقد بأن أداء مشاركته يتم على شكل التزام بالتبرع، ويجب على مقاولة التأمين التكافلي أن تعمل بشكل محترم لعدة قواعد تدبير تتلاءم أساسا مع ما تم تقديمه من طرف المجلس الأعلى للعلماء، وبالتالي فإن المشترك سيكون أمام عقد يصنف في خانة عقود الإذعان الذي يضطر فيه إلى قبوله جملة دون مفاوضة أو تغيير من جانبه في الشروط، ولن يكون عليه سوى قبوله جملة أو رفضه جملة دون مناقشة أو مفاوضة، لكن كما تمت الإشارة إليه من قبل، هناك قواعد قانونية لا يمكن تجاوزها، وبالتالي فإن كل شيء خُضع مسبقا للتفصيل بدقة من طرف الخبراء الماليين وأعضاء المجلس العلمي الأعلى. التأمين التكافلي والتأمين التقليدي وجها لوجه سيكون من المهم جدا وضع التأمين التكافلي الإسلامي إلى جانب سابقه في القطاع المغرب، أي التقليدي، للوقوف على الفرق بين البَينين. أولا يبقى أصل ومصدر كل من التأمينين مختلف، فالكلاسيكي منه ينبني على قوانين وضعية، أما التكافلي فأصله من أحكام الشريعة الإسلامية. وإذا تحدثنا عن مبدأ التنظيم يكون الأمر في التقليدي بتحويل الأخطار وأن تكون الأرباح للمساهمين، وفي التأمين التكافلي يكون هناك فصل تام بين الساهمين والمشتركين الذين يقتسمون الأخطار بالتساوي فيما بينهم. وفي رأس المال الخاص بكل تأمين، نرى بأن التأمين التقليدي يكونه له المساهمون، أما في التكافلي يقدم المساهمون رأس المال التأسيسي، ولا يوجد رأسمال يدفعه صندوق المشتركين. أما في ما يخص الواجبات التي تكون على عاتق المشتركين أو بصيغة أخرى المُؤمَّن لهم، دفع أقساط إلى المؤمِن في التأمين التقليدي. أما في نظير هذا الأخير (الإسلامي)، يدفع المشتركون مساهمات على أساس تبرعات. وفي ما يخص التزامات مقاولة التأمين في التقليدي، يجب على المؤمِن أن يؤدي التعويضات وفقا للعقد، باستعمال صندوق الاكتتاب، وصناديق المساهمين وفي حالة العجز. أما في الضفة الأخرى، أي التكافلية، يتدخل المؤمِّن باعتباره مدبرا لصندوق وأداء اشتراكات التأمين التكافلي، انطلاقا من صندوق التأمين الخاص به والخاضع لأحكام شرعية إسلامية. وفي حالة عجز هذا الأخير، يتوجب على الفاعل أن يقترح قرضا بلا فائدة لصندوق التأمين التكافلي لتغطية عجزه، وللتوضيح في هذه النقطة، تشير هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي حرفيا إلى نيل قرض بلا فائدة، وهذا سيعني من الناحية العملية نيل قرض تشاركي بلا ربح وفق التمويل التشاركي، لأن الربح هنا سيعني وجود فوائد، وبالتالي فإن الحديث هنا عن قرض بصفر من الفوائد، لتغطية العجز فقط. وفيما يخص أداء الالتزامات فالتأمين الكلاسيكي يباشره بشكل مباشر من الشركة، أما في التكافلي يكون الدفع على الأموال المحصلة. وفي باب الفائض توزع الأموال في التأمين التقليدي على المساهمين، وفي التكافلي يعود الفائض بتوزيعه على المؤمن لهم، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار العجز المحتمل، وفي هذا الباب يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المؤمِّن التكافلي سيعمل على استثمار بعض المحصلات في البداية، وعلى أن يقوم بسد كل عجز وسداد ديون أنهت عجزا سابقا، ثم هناك القيام بأعمال خيرية، ما يعني أنه من الراجح أن تكون عمليات توزيع الفائض على المشتركين نادرة إلى حد ما، ما لم نقل إنها ستكون منعدمة، خاصة أن مقاولات ووكلاء التأمين لن يدخلوا السوق بنية توزيع الأرباح على المساهمين، وسيتضح ما إن كانت قاعدة توزيع الفائض على المشتركين حقيقة عملية على أرض الواقع أم ستبقى حبرا على ورق القانون. وفي استثمارات الصناديق، لا توجد قيود في التأمينات التقليدية، باستثناء تلك المتخذة بشكل احترازي، أما في التكافلية، يتم استثمار أصول صندوق التأمين التكافلي وفقا لتعليمات الشريعة الإسلامية. النوافذ.. حلال في البنوك وحرام في التأمينات! عند الوقوف على النظام المالي الإسلامي الحديث في المغرب، والتدقيق تحديدا في البنوك والتأمينات، يتضح في صف المصارف خلق بنوك تشاركية وترخيص نوافذ تشاركية وسط بنوك تقليدية، تقنية النوافذ هذه غير معمول بها في ضفة التأمينات التكافلية، والأمر يبقى مقصورا على مؤسسات خاصة بالتأمين التكافلي. ويقول الخبير في المالية الإسلامية عمر الكتاني، إن السؤال المطروح هو هل مؤسسات التأمين التكافلي تابعة لمؤسسات التأمين التقليدي، كما هو الحال مع البنوك التشاركية التابعة لمجموعات بنكية تقليدية؟ ويرى بأن لوبي التأمينات في المغرب كان يتعمد عرقلة خروج التأمين التكافلي، لأن هذا اللوبي كان يسعى لوضع شروط خاصة بالتأمينات التكافلية، وهي شروط محرمة من الناحية الإسلامية، ما خلف نقاشات كبيرة، ودفع بالمجلس العلمي الأعلى إلى رفض الشروط المتناقضة مع مبادئ المالية الإسلامية، ما فرمل الأمور وجعلها متوقفة دون أي تقدم لمدة طويلة. وعبر الكتاني عن عدم استيعابه السبب الحقيقي لعدم فتح نوافذ تأمينات تكافلية داخل مؤسسات تأمين تقليدي، لكنه يرجح فرضية صعوبة الرقابة المالية في التأمينات عندما يتعلق الأمر بالنوافذ، وأضاف بأن هذا هو الحال أيضا إذا تحدثنا عن النوافذ الخاصة بالتمويل التشاركي داخل البنوك الكلاسيكية، معبرا في هذا السياق عن صعوبة عزل المال الخاص بالعمليات التكافلية أو التشاركية عن نظيراتها التقليدية، سواء تحدثنا عن التأمين أو المعاملات المصرفية، ففي التأمينات ينقسم الصندوق إلى قسمين اثنين، جزء خاص باحتياطي تعويض الخسائر، وجزء آخر يتم توظيفه في الاستثمارات، وتبعا لذلك، عند خلق نوافذ خاصة بالتأمين التكافلي، يتوجب على المؤسسة التقليدية إحداث أربعة أقسام، جزء تقليدي في الاحتياط وآخر تقليدي في الاستثمار، إضافة إلى جزء تقليدي خاص باحتياطي المال التكافلي، وجزء رابع تقليدي خاص بالمال الاستثماري التكافلي، ليجدد الكتاني تساؤله حول طريقة رقابة الأموال المتحركة بين ما هو مقبول شرعا وما يقابله من المحرم، مرجحا بأن رفض نوافذ التأمينات التكافلية يرجع إلى أن هناك صعوبة في الرقابة الشرعية لحدود المال الموظف في ما هو حلال، ونظيره الموظف في ما هو محرم شرعا. البنوك التشاركية..التأمينات التكافلية بشرى سارة خبر اقتراب التأمين التكافلي خروجه إلى الوجود، لا يمكن وصفه إلا بالخبر السار لدى البنوك التشاركية المغربية، وهناك تطلع إلى أن يرى النور في وكالات على الأرض في مطلع العام المقبل (2020)، كما جاء على لسان مدير عام أمنية بنك التشاركي عدنان الگداري، إذ مازال هناك حيز زمني يجب فيه الاشتغال على العقود، وأن تقدم للمجلس العلمي الأعلى، ثم أن تفتح الطلبات أمام الشركات الساعية إلى تأسيس شركات التأمين التكافلي، إلى غير ذلك من التفاصيل اللازمة لهذا المشروع. ويرى الگداري بأن التأمينات التكافلية باعتبارها مؤمنا للمستفيدين من التمويلات التشاركية، ستلعب دورا أيضا في فتح مجال جديد أمام البنوك التشاركية للتطور والنمو. وقال مدير عام أمنية بنك بأن من يتفحص المشهد في قطاع التأمينات المغربي من ذوي الخبرة، يستطيع أن يتبين بسهولة أن هناك مجالا كبيرا في السوق لم تتم تغطيته بعد، وبالتالي فإن التأمينات في المغرب مازالت أمامها مساحة كبيرة لتنمو وتتطور بشكل أكبر من المجال المتاح لتطور المؤسسات المصرفية، وبالتالي فإن دخول التأمين التكافلي على الخط في السوق المغربي، سيساهم على الأرجح في تطوير القطاع وبأن يسجل إقبالا كبيرا من المستهلكين. ولأن الارتباط وثيق بين التمويل التشاركي والتأمين التكافلي، شدد الگداري على أن أمنية بنك لم تكن على استعداد للتنسيق في عملياتها مع مؤسسات تأمين تقليدي لتغطية القروض التشاركية، قائلا إن العمل اليومي كان يشهد في حالات محدودة طلبات الزبائن لنيل تأمين تقليدي لتغطية قروض يقدمها لهم البنك، لكن هذا حصل فعليا حسب المسؤول في حالات محدودة جدا، معربا عن أن أغلب عملاء المصرف التشاركي الذي يشرف عليه، كانوا يصرون على انتظار صدور التأمين التكافلي لحماية السلف الذي ينالونه من البنك الإسلامي، إذ أن هناك من كان يعرب بوضوح بأنه صبر بما فيه الكفاية لنيل قرض تشاركي إسلامي، وبالتالي ما من داع للتسرع لتأمينه تقليديا. أزمة ودائع بطلها زبائن البنوك التشاركية ولأننا أمام موضوع التمويل الإسلامي الحديث في المغرب، لا يمكن الحديث عن التأمينات التكافلية في البلاد دون التعريج على موضوع البنوك التشاركية، والتي شدد بخصوصها الخبير الاقتصادي في المالية الإسلامية عمر الكتاني، على أنها تعرف اليوم مشكلا كبيرا وسيؤثر عليها مستقبلا ما لم يتم التصرف في الأمر، فبالرغم من أننا أمام بشرى اقتراب التأمين التكافلي الذي سيُيسر المعاملات الخاصة بالقروض التشاركية، فإننا أمام إشكالية الودائع، فبالرغم من إقبال عدد من الزبائن على البنوك التشاركية لنيل قروض سكنية، فإن أغلب هؤلاء لم يفتحوا حسابات جارية لهم في هذه المصارف، بل ترك معظمهم حسابات مفتوحة في بنوك تقليدية، وبالتالي فإن هناك عجزا لدى بنوك تقليدية، لأنها لا تستطيع الاشتغال على تقديم قروض للمستهلكين على المستوى المتوسط أو الطويل، في وقت لها ضُعف في الودائع تحت الطلب، مشيرا إلى أن البنوك الكلاسيكية تعتمد على حوالي 70 في المائة الودائع العادية لتقديم قروض لزبائنها، وبالتالي وجد البنك الإسلامي نفسه أمام مأزق عدم ضخ المستهلكين أموال في حسابات بنكية تشاركية، لذلك، فإن الخبير المالي يرى بأن الحال إذا استمر على ما هو عليه، سيدفع المصارف التشاركية على المدى المتوسط إلى التوقف، وأضاف بأن العجز المالي الحاصل اليوم بسبب ما يمكن اعتباره “أزمة ودائع لديها”، يدفعها إلى أخذ أموال القروض من المؤسسات البنكية الأم، وتقدمها هذه الأخيرة على شكل سلف ربحي ربوي، وهو ما يدفع بقروض البنوك التشاركية إلى أن تصير بقيمة أغلى، ما يدفع بالمستهلكين إلى الوقوف على غلاء قروض التشاركي أكثر من نظيره الكلاسيكي، ويشدد الكتاني بأن هذا الواقع مر، وتعيشه المؤسسات البنكية، لكنها لا تستطيع التصريح به. وتبعا للمعطيات السابقة، يشدد الكتاني على وجوب تدخل المجلس العلمي الأعلى لإصدار فتوى خاصة في هذا السياق، لتنبيه المستهلكين إلى هذا الأمر، بأن يعمد من يريد حقا معاملات مصرفية إسلامية، إلى فتح حسابات بنكية تشاركية، وبأن يضعوا أموالهم فيها، وإلا فإن هؤلاء المستهلكين هم أنفسهم من سيقومون بدفع المؤسسات المصرفية التشاركية إلى الهاوية، وهو عمل يأتيه المستهلكون دون قصد، ليختم الكتاني بطرح سؤال على كل من يهمهم أمر “التمويل الحلال”، هل نيل قرض إسلامي والاحتفاظ بالودائع في حسابات بنكية تقليدية أمر جائز شرعا؟ “طبعا الأمر غير مقبول من الناحية الشرعية”، حسب الكتاني. في هذا السياق، قال مدير عام أمنية بنك التشاركي، إن البنوك التشاركية تسير نحو التطور، وصرح أيضا بأن محفظة الزبائن لدى معظم البنوك تنمو من عام إلى آخر، إضافة إلى أن اليوم بإمكان الزبائن الدخول في ودائع الاستثمار، والتي ستجعل الزبناء يثقون في المصارف التشاركية بوضع مبالغهم المالية واستثمارها مع البنك، ما سيعمل على تطوير البنوك بشكل أكبر.