كشف استطلاع، أعده البارومتر العربي، انقساما حادا في الرأي بين المسنين والشباب حول بعض القضايا. إذ اعتبر مارك تيسلر، الباحث بجامعة ميتشيغان ومؤسس هذا البارومتر، أن المسنين والشباب المغاربة لا ينظرون النظرة ذاتها إلى الحكومة والخدمات العمومية والوضع الاقتصادي والهجرة والفساد، إلخ. فعلى سبيل المثال، أشار تيسلر، خلال تقديمه نتائج الاستطلاع، أول أمس، بأحد فنادق الرباط، إلى أن جيل الكبار الذين تفوق أعمارهم 60 سنة مازالوا يثقون في الحكومة، بينما يسود إحباط شديد في أوساط الشباب تجاه العمل الحكومي، موضحا أن 17 في المائة فقط، منهم مازالوا ينظرون إلى الحكومة والبرلمان والأحزاب نظرة إيجابية. في مقابل انهيار الثقة في الحكومة، مازالت مؤسسات الجيش والأمن والقضاء تحظى بثقة غالبية المغاربة. إذ أوضح تيسلر أن الاستطلاع بيّن أن 78 في المائة يثقون في الجيش، وأن نحو ثلثهم يثقون في الشرطة، بينما حظي القضاء بثقة 60 في المائة منهم. من جانب ثان، كشف هذا الاستطلاع، الذي أنجز خلال الفصل الأخير من السنة الماضية وشمل 2400 مواطن، أن أكثر من نصف المغاربة يعتبرون الاقتصاد والخدمات العمومية والحكامة السياسية تحديات أساسية تواجه مستقبل البلاد. كما اعتبر أكثر من 70 في المائة أن فساد الحكومة يمثل مشكلة إلى حد كبير، مشيرا إلى أن الشباب يشككون في أن الحكومة تتصدى لهذه المشكلة. أضف إلى هذا أن الاستطلاع كشف، حسب تيسلر، رغبة جامحة لدى الشباب المغاربة في ترك البلاد، حيث بلغت نسبة الراغبين منهم في الهجرة نحو الخارج إلى 70 في المائة. وأوضح تيسلر أن دوافع الهجرة عند المغاربة ترتبط بالأسباب الاقتصادية والتعليم والالتحاق بالعائلة والفساد. أما الوجهة التي يحبذها المغاربة، بحسب الاستطلاع، فهي أوروبا بنسبة الثلثين تقريبا، إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا والدول العربية، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي. من جانب آخر، كشف الاستطلاع تراجع تأييد المغاربة للإسلام السياسي. لكنه أبان عن انقسام جيلي في مسألة التدين، حيث يميل الكبار إلى التشبث بقيم الكبار، فيما صار الشباب، أكثر فأكثر، لا يميلون إلى التماهي مع العقائد الدينية. كما انخفضت نسبة الداعين إلى أن يكون لرجال الدين دور في السياسة من 58 في المائة سنة 2006، إلى 21 في المائة سنة 2018. وعقلت سلوى الزرهوني، الباحثة بجامعة محمد الخامس بالرباط، على نتائج الاستطلاع، قائلة إنه رغم الانقسام الذي يكشفه بين الأجيال في النظر إلى الحكومة، إلا أن العزوف السياسي قائم عند الشباب والشيوخ على حد سواء، وإن كان قويا لدى الفئة الأولى، مشيرة إلى ما توضحه المقارنة بين الدراسات المختلفة المنجزة في هذا الباب منذ سنة 1984 إلى غاية سنة 2016. كما نبهت إلى مفارقة أخرى، قوامها انعدام الثقة في المؤسسات الحكومية والبرلمانية والحزبية، في مقابل بروز ثقة أكبر في المنظمات المدنية والدينية، مؤكدة أن عامل الفارق بين الأجيال غير كاف لتفسير انعدام الثقة في الحكومة. بدوره، توقف هشام آيت منصور، الباحث بالجامعة ذاتها، عند نقط القوة في هذا الاستطلاع، خصوصا قدرته على استجواب عينة كبيرة وقدرته على المقارنة مع الأوضاع في بلدان عربية أخرى، وعلى المقارنة مع المؤشرات الواردة في استطلاعات أخرى. لكنه انتقد الاستطلاع لكونه لضعف تصوره المفاهيمي وعدم تمييزه بين الرأي والسلوك والصورة النمطية وضعف معطياته الديمغرافية واقتصاره على السن والمستوى الدراسي. بينما أوضح محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن الاستطلاع يقدم صورة حول الرأي المغربي ومواقف المغاربة من الفساد والمشاركة السياسية والهجرة والتدين، إلخ، مبينا هو الآخر أن الاستطلاع يتيح المقارنة مع سنوات 2006 و2013 و2018 ومعرفة التطور الحاصل في الآراء. إذ لاحظ مصباح في هذا السياق تهاوي نسبة الثقة في الحكومة وارتفاع مؤشر الرغبة في الهجرة، حيث ربط الأمر بالأحداث التي عاشها المغرب منذ مقتل المواطن محسن فكري في الحسيمة، مشيرا إلى أنه ليس مفاجئا أن يحصل هذا التحول. لكنه قال، فيما يتعلق بمسألة التدين، إنه ليس هناك تحول في رأي المغاربة، وإنما ثمة توجه لدى المغاربة في جعل الدين مسألة فردية. ولاحظ مختار الهراس، الباحث بجامعة محمد الخامس، تراجع الرغبة في الهجرة عند الرجال ما بين سنتي 2013 و2016، ثم ارتفاعا فيها ما بين 2016 واليوم، بينما لاحظ العكس عند النساء، معتبرا أن هذا الأمر يستدعي التفكير. كما لاحظ أن المغاربة صاروا يُعرّفون الديمقراطية بجوانب ترتبط بالخدمات الاجتماعية والاقتصادية (التربية، الشغل، التطبيب..) ولم تعد تعني، بالنسبة إليهم، الجوانب المتصلة بالحرية والعدالة والتعبير والمشاركة السياسية، إلخ.