المفاوضات مع إسلاميي المملكة، تكشف في كثير من فصولها، حقائق سياسية مهمة، تظهر كيف وصل إخوان بنكيران إلى الحكومة، والتي بدأت إرهاصات مشاركته السياسية منذ تشكل التيار الإسلامي في الشبيبة الإسلامية، التي تزعمها عبدالكريم مطيع أواخر ستينيات القرن الماضي، والتي كان واضحا أن الراحل الدكتور عبدالكريم الخطيب، والزعيم الإسلامي عبدالإله بنكيران لعبا فيها دورا محددا، إلى جانب القيادي مصطفى الرميد، الذي حضر لقاءات وجلسات مفاوضات سرية مع النظام حين أبدى تيارهم رغبته في ممارسة العمل السياسي. سعى عبدالإله بنكيران، وهو وقتها مسؤول في الجماعة الإسلامية بعد هروب عبدالكريم مطيع إلى الخارج، مباشرة بعد مقتل عمر بنجلون المناضل الاتحادي، إلى دق باب وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، حتى ينال الإسلاميون بالمغرب نصيبهم من السياسية، غير أن البصري رفض مساعي بنكيران، ساعتها سيقرر الأخير البحث عن سبيل آخر ولم يكن البديل غير الاتصال بعبدالكريم الخطيب، زعيم حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. انطلقت الشرارات الأولى للتحالف مع الخطيب بعد فشل محاولات مماثلة مع حزب الاستقلال، من ندوة كان قد احتضنها مسرح محمد الخامس بالعاصمة الرباط، إذ قرر حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية تنظيم ندوة وطنية بتعاون مع نادي الفكر الإسلامي، وكانت المناسبة هي ما حققه المجاهدون الأفغان من انتصارات عقب الحرب السوفياتية الأفغانية. كانت التنظيمات الإسلامية المغربية تحتفي بهذا الإنجاز، بما في ذلك جماعة العدل والإحسان التي شاركت باسم ناطقها الرسمي وقتها فتح لله أرسلان. وخلال هذه الندوة، التي كان يحضرها بعض رموز العدالة والتنمية لاحقا، وفي مقدمتهم عبدالإله بنكيران ورفيق دربه الراحل عبد لله باها، إلى جانب المقرئ أبو زيد وإدريس الكتاني. حين كان يفاوض بنكيران، رفقة عبد لله باها، عبدالكريم الخطيب من خلال رفيقيه الشراط والعقباني، كان تيار ثان من رابطة المستقبل الإسلامي بزعامة الرميد والريسوني والداودي يفاوضون وزير الداخلية إدريس البصري. هدفهم المشاركة في الحياة السياسية، والترخيص لهم بتأسيس حزب سياسي، أو المساعدة على الاندماج في أي حزب آخر. ولم يكن الأمر سرا أن جماعة الرميد ظلت تنتظر الضوء الأخضر من أقوى وزراء الداخلية على عهد الراحل الحسن الثاني. وهي الجماعة التي كانت تتكون وقتها من أحمد الريسوني، وعبدالرزاق المروري، وعبدالسلام بلاجي، وأحمد المشتالي. لذلك، ظل الخطيب متحفظا من وصول خبر هذا التفاوض إلى إدريس البصري، الذي لم يكن ليقبل بتغييبه من تدبير ملف على غاية كبيرة من الأهمية. ولولا العلاقات التي كانت تتوفر للخطيب، وقربه الكبير من أصحاب القرار، لأفشل إدريس البصري عملية الالتحاق، التي انطلقت بزيارة قام بها كل من الشراط والعقباني إلى مقر حركة الإصلاح والتجديد اللذين فاتحا بنكيران بشأن شروط هذا الالتحاق، بحضور كل من عبد لله باها ومحمد يتيم. وهي شروط التي ركزت أساسا على نظام الحكم، وإمارة المؤمنين، ونبذ العنف، خصوصا وأن الصورة التي عرف بها هؤلاء الإسلاميين هي أنهم كانوا متطرفين. شروط لم يبد بشأنها بنكيران أي تحفظ، خصوصا وأن الجماعة الإسلامية كانت توجد وقتها في موقف ضعف لأنها كانت تراهن أساسا على المشاركة في الحياة السياسية. كما أنها سبق أن أعلنت عن جملة من المراجعات ضمنتها في عدد من بياناتها ورسائلها السياسية. كانت المشاورات بشأن الالتحاق قد انطلقت في 1992. لكن المؤتمر التأسيسي لحزب العدالة والتنمية، لم ينعقد إلا في سنة 1996. لكن خلال هذه الفترة بدأ إخوة بنكيران في الاشتغال إلى جانب حركة الخطيب في عدد من الجمعيات، كجمعية البوسنة والهرسك، وجمعية مساندة الفلسطينيين. مفاوضات الإسلاميين مع النظام، متعددة لعل أبرزها هو ما وقع مباشرة بعد الأحداث الإرهابية 16 ماي سنة 2003، حين كان البيجيدي معرضا للحل، بعدما وجهت له تهمة المسؤولية المعنوية فيما حدث، ساعتها ضغطت الداخلية على قياداته من أجل منعها من الترشح في جميع الدوائر وتقليص مشاركتها إلى النصف. في الضفة الأخرى، فالمفاوضات التي تمت مع العدل والإحسان التي تزعمها الشيخ عبدالسلام ياسين، لم تسفر عن أي نتيجة تذكر، فقد ظلت جماعة العدل والإحسان تعتبر أن النظام المغربي لا يحاور، بل يملي شروطا، شروطا مكتوبة وأخرى غير مكتوبة. من جهته، كشف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، عبد الكبير العلوي المدغري، عن مفاوضات قادها بنفسه بتنسيق مع الملك الحسن الثاني، مع قيادة الجماعة، كان هدفها إدماج الجماعة في الحياة السياسية. لكن المدغري ذكر نصف الحقيقة وسكت عن النصف الآخر، إذ كشف عن وجود مفاوضات، مؤكدا أنها وصلت مرحلة متقدمة، لكنه في الآن نفسه أوضح، أن جهات أخرى هي التي تدخلت وأفشلت العملية برمتها. لم يكشف المدغري عمن تكون هاته الجهات، وهل فعلت ذلك بدون إذن من الحسن الثاني؟ وهل كان الحسن الثاني يلجأ إلى اللعب على الحبلين بتكليف المدغري بالتفاوض، وتكليف جهة أخرى من ورائه لإفشال العملية؟ ليست هناك أجوبة، فلا المدغري قال كلّ الحقيقة، ولا البصري تحدث عنها، ولا قيادة العدل والإحسان كشفت تفاصيلها.