كنتُ أؤجل منذ مدة طويلة، كتابة مقال يُشيد بالقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، رشيد الطالبي العلمي. وكان سبب التأجيل، يرتبط بأمرين: خوفي من الاتهامات التي ستوجّه إليّ؛ وانتظاري أن يراكم إنجازات متميزة. آنئذ، سأشيد به، بحماسة، ودون خوف أو تردد. قول الحقيقة في السياسة، جهاد أكبر. ومن سلك هذا السبيل، يستحق أن يُخلّد اسمه على صفحات التاريخ بمداد من ذهب. أقولها وبدون مجاملة: الوزير رشيد الطالبي العلمي، وزير شجاع، لا يخاف في الله لومة لائم. طبعا، سيُفاجأ بعض القراء بهذه الشهادة، وسيتساءلون عن السبب. ومنهم من له رأي آخر، حول الرجل، منذ ولوجه السياسة، إلى أن أصبح أحد النخب المحلية والوطنية المؤثرة. وفي الغالب أصحاب هذا الرأي، ينتمون إلى البيجيدي، يكرهونه لا لشيء، إلا لأنه يقول الحقيقة المرة. أتذكر يوم خرج الوزير الشجاع، بتصريح قوي، يرتبط بالبرنامج التربوي، الموجه إلى الطفل المغربي في المخيمات. لم يَخفْ من انتقاد سلوك بعض الجمعيات، التي توقظ الأطفال لصلاة الفجر. لقد حرر نفسه من خوف وهمي، يزج به في دوامة الاتهامات التي ستوجه إليه: وزير علماني، وزير لا يحترم الصلاة… استطاع أن ينتصر على خوفه، وينتقد بجرأة إيقاظ الأطفال لصلاة الفجر في المخيمات، وهم لم يبلغوا سن التكليف.كل من تسوِّل له نفسه، أن ينتقد الممارسات الدينية للمغاربة، سيكون مصيره السحل في شوارع وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الوزير الشجاع، لم يبال بما سيواجهه من انتقادات، لأن همّه الحفاظ على صحة الأطفال، ليستفيدوا من حصة نوم كافية، تعود عليهم بالنفع، طيلة يومهم داخل المخيم الصيفي، المليء بالأنشطة الترفيهية والتربوية. هل هناك وزير واحد، في تاريخ السياسة المغربي، امتلك شجاعة رشيد الطالبي ليقول حقيقة تتعلق بالتنشئة التربوية للأطفال؟ للأسف، لا. ظل الأطفال لعقود، وهم يعانون من هذا السلوك غير التربوي، وكان لذلك أثر سلبي على المخيمات، حيث الأطفال يفرون من الأنشطة الترفيهية، ويعودون إلى أَسِرَّتِهم لمواصلة النوم. لقد فقدت المخيمات حيويتها. من دون شك، أن خبراء حزب التجمع الوطني للأحرار، كان «نوم الأطفال» قضيتهم الأولى، ولم ينساقوا وراء الدعوات الحماسية التي تعتبر أن التناقض المركزي: هو بين الديمقراطية والتحكم. اعتبروا هذه الدعوات التخويفية، مثل فزّاعة «عايشة قنديشة». أصبح الكثيرون مرعوبين من خرجات الوزير الشجاع. لم يخفْ من التيار الديني وجهر بالحقيقة؛ ولم يخفْ – أيضا- من مركب المصالح في الرياضة، فاختار السبيل عينه، حين مثوله أمام البرلمانيين، لمساءلته حول خروج المنتخب من «الكان». كانت أسئلة بعض البرلمانيين محرجة، حيث قالت النائبة المحترمة عن حزب البام: إن الأطفال في سن الثالثة لم يناموا في تلك الليلة السوداء، وندموا على ذهابهم إلى المقاهي. واختار النائب الحركي السيمو، دعم الوزير قائلا: إن «بلاتيني» ضيّع ضربة جزاء. ولا بد من الإيمان بالقضاء والقدر. وقف كعادته، ليرد على أسئلة البرلمانيين، بثقة كبيرة في النفس، لأن الوزير الشجاع يمتلك جرأة غير عادية في قول الحقيقة. لم يخفْ حين هاجم البيجيدي، واتهمه بالتشكيك في المؤسسات، وتخريب البلد، اقتداء بأردوغان، الذي كان سببا في انخفاض الليرة، فأغلق على نفسه العالم. ولذلك، جاء الوزير الشجاع إلى البرلمان بروح تواقة للحقيقة. كان رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم فوزي لقجع – ربما- مرعوبا، وهو يتابع الجلسة البرلمانية، خاف أن يحمل المسؤولية الكاملة، بعد إنفاقه ملايير السنتيمات على لا شيء، فيطالب الوزير بإقالته. تخيلتُ، أن عبدالرزاق حمد الله، عَلِم بالجلسة البرلمانية، فارتعدت فرائصه، وظل ينتظر اتهامه بالخيانة العظمى. أما حكيم زياش، تخيلته نادى على أمه، وطلب منها أن تترجم له ما سيقوله الوزير الشجاع. لأول مرة في السياسة، يكشف وزير مغربي، لا يهاب الجهر بالحقيقة، عن العدو الذي يعرقل أوراش الفرح والسرور. لا يتكلم الوزير الشجاع دون معلومات، بل ما يصدر عنه، بالغ الدقة والصرامة. قال للمغاربة المكلومين: إن الذي كان وراء خروج المنتخب، هو «حزب القواسة» الذي أرسل طاقة سلبية إلى رِجْل زياش؛ فاستقبلت العارضة كرته. هذا الحزب لا يرى بالعين المجردة، ولا يمكن محاسبته، لكنه مسؤول كامل المسؤولية. عادت البسمة لفوزي لقجع، واطمأن حمد الله، لكن حكيم زياش وصف الوزير الشجاع، بالوزير الكذّاب. ولا نعرف السبب. معاذ الله، أن يكون الوزير كذّابا، وهو الذي يؤمن بالله حق الإيمان، ويؤمن بالقضاء والقدر، ولسانه لا يفتر من قول: «الله غالب».