يُقال: «إذا أردت أن تُعطل إيجاد حل لقضية ما، أو تقوم بتمييعها وتشويه مقاصدها، أو تضييع حقوق أهلها، فاكْثِر من تسمية الجهات والهيئات والمؤسسات «المعتنية» بها، أو المسؤولة عنها». تكاد تكون هذه المقولة قاعدة عامة في سياسات دول العالم الثالث بصفة خاصة، ويعيشها المغاربة بامتياز. ففي موضوع حقوق الإنسان، مثلا، يعلم المغاربة أن هناك عدة جهات رسمية تزعم كل واحدة منها أن مهمتها تتمثل في حماية «حقوق الإنسان»، أذكر منها: وزارة العدل، ووزارة حقوق الإنسان، والمندوبية الوزارية المكلفة بحماية حقوق الإنسان، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان. وظاهر هذه الجهات هو حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها أمام من يعتدي عليها أو لا يحترمها. غير أن الطابع المميز عمليا لتلك الجهات، هو الاعتراض على التقارير الصادرة عن المنظمات غير الحكومية المحلية، أو الدولية، أو التابعة للهيئات الدولية، التي تنتقد السلطات المغربية بشأن واقع حقوق الإنسان في المملكة المغربية، وغياب الالتزام الكامل بمضمون مواثيق احترام حقوق الإنسان التي وقعت عليها. ولذلك، فإن الجهات الرسمية التي تزعم حماية حقوق الإنسان، إما أنها تعمل بمنطق تسمية الأشياء بأضدادها، كتسمية الكفيف بالبصير، أو إطلاق صفة «الله يهديهم» بدل صفة «الله يخزيهم» في تعابير ثقافية شعبية؛ وإما أن مصطلح حقوق الإنسان ليس له معنى أو مفهوم واحد عند السلطة وعند الشعب. ومن ثمة لا يُستغرب أن يقوم المسؤولون على حماية حقوق الإنسان بتبرير عدم احترام السلطة لما ينص عليه الدستور المغربي في شأن احترام حقوق الإنسان، وتأويله تأويلا يلائمها. والحال نفسها تنطبق على ما تنص عليه، أيضا، المواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع؛ حين تعتبر أن ما تقوم به السلطة هو عين الصواب، وأن كل من يقوم بما يخالف قرارات السلطة وأحكامها هو عمل مخالف للقانون ويعاقَب عليه. وما أبشع أن يلجأ من كان يدافع عن حقوق الإنسان، يوم كان خارج السلطة، إلى الدفاع عن تأويل السلطة يوم أصبح موظفا لديها، متمتعا بامتيازاتها، بل يحرص على دوامها، حتى لا يكون مصيره كمصير الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي أُبعد من منصبه بعدما تجرأ على الاعتراف بحصول تعذيب معتقلي نشطاء حراك الريف، بناء على التقارير الطبية المعتمدة؛ تلك التقارير التي لم تأخذ بها حتى السلطة القضائية التي بُشِّر المغاربة بأنها مستقلة عن السلطة التنفيذية. لا يتوقف الأمر عند إنكار حقوق نشطاء حراك الريف وتأييد الأحكام الصادرة ضدهم، رغم عشرات، بل مئات، الوقفات التضامنية الشعبية والجمعيات الحقوقية الوطنية معهم ومع مطالبهم المشروعة، والمستنكرة الأحكام القضائية الصادرة ضدهم. ورغم تقارير المنظمات الدولية عن الوضعية غير المريحة لحقوق الإنسان في المملكة بصفة عامة، بل يهمنا هنا، كذلك، الإشارة إلى شريحة أخرى من المغاربة محرومة من كثير من حقوقها، على الرغم من وجود مرجعيات عديدة تزعم أنها تدافع وتحمي حقوق المهاجرين المغاربة، الذين يطلق عليهم صفة «مغاربة العالم». فهم لايزالون محرومين من المشاركة السياسية في وطنهم، بدواعي أقل ما يقال عنها: إنها واهية، كما يتم التلاعب بمشاريعهم الاقتصادية الاستثمارية في بلدهم، وبمشاعرهم الوطنية. أما المرجعيات المختصة بإيجاد الحلول المناسبة لتحقيق طموحاتهم، وترجمة الوعود المقدمة لهم من قبل المسؤولين الرسميين. غير أن تلك المرجعيات غالبا ما تشترك في البحث عن المبررات التي تساعدها على التنصل من تحمل المسؤولية لإيجاد الحلول للقضايا والمشكلات التي يعانون منها أمام المصالح الإدارية في وطنهم. يوجد في المغرب أربع جهات مكلفة بالمهاجرين، هي وزارة مختصة بشؤون الهجرة والمهاجرين، ومؤسسة محمد الخامس المشرفة على استقبال المهاجرين المغاربة، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، منذ 1990، ومجلس الجالية المغربية بالخارج منذ 2007. لكن قضايا المهاجرين الاقتصادية والإدارية والسياسية والثقافية تبقى بدون حلول، بل تائهة في أروقة مكاتب المؤسسات المشار إليها. هذه أمثلة ليس إلاّ. ويبدو أن الموظفين المسؤولين عن مجالات حقوق المغاربة، في مغرب اليوم، قد اقتنع جلهم بأن حلاوة المنصب أفضل ألف مرة من الانحياز إلى قيم العدل والكرامة، أو الوقوف إلى جانب مهضومي الحقوق؛ حرصا على مناصبهم، التي تخول لهم الاستفادة من مغارة عليّ بابا.