العين حق، حديث نبوي صحيح. رشيد الطالبي علمي، الرجل المفترض أن يكون عقلا متحررا، علميا، وحداثيًّا إن كنّا نصدق ما يشتمل عليه المشروع الليبرالي لحزبه، ليست لديه أيضا شكوك حول ما يعنيه المأثور النبوي. «التقواس حق»، بصيغة اللهجة المغربية، ودونكم والطالبي علمي حديث الرسول. لكني لست ميالا إلى تصديق هذا السياسي وهو وزير، في هذا التبرير المشروع من الوجهة الدينية لخطأ يمكن تفسيره ببساطة من الناحية الفيزيائية. ما يهمني هو تصديق «العين» التي تصيب السياسيين المغاربة باستمرار، عن حق أو باطل. تلك العين التي لا يملكون أي شجاعة للتصريح بوجودها أو تأثيرها في الطريقة التي تدور بها كرة السياسة حتى تصل إلى مرمى التهديف، أو تجري عرقلتها بواسطة دفاعات غير مرئيّة، فيحول اتجاهها إلى العارضة بطريقة يعجز العلم حقا عن تفسيرها. التمائم والتنجيم وأعمال السحر، ماكينة خرافة جرارة يلجأ إليها السياسيون الذين مازال لديهم الإيمان بأن البرنامج الانتخابي ليس وحده الفيصل في الصراع السياسي. لكن هؤلاء لا يشكلون مصدر تهديد، فهم، في غالب الأحوال، لا يمثلون سوى أقلية محدودة. الصناعة السياسية يجري تثبيتها ب«التقواس» أكثر من أي شيء آخر، ويظل مصدره، كما العين التي أصابت اللاعب المغربي وهو يُسدد ركلة الجزاء الحاسمة، وفقا لرواية الطالبي، مجهولا، أو ربما قرر الجميع أن يحفظوا سره. الطالبي نفسه هو النتيجة السياسية المباشرة لعملية «التقواس»، فهو الوزير لنحو خمسة عشر عاما، لا يتزحزح عن كرسي إلا وكان نصيبه كرسيا أفضل. الطالبي يقرأ بتمعن الكيفية التي ترمش بها العين، وينجح في تجنب الخسارة. كان وزيرا للصناعة والتجارة والاتصالات اللاسلكية، ثم بعدها بعامين، رضي بتخفيض رتبته قليلا إلى وزير منتدب في الشؤون الاقتصادية والعامة، وبعدها رُقي إلى منصب أعلى بكثير: رئيس مجلس النواب، ثم في نهاية المطاف، بات وزيرا للشباب والرياضة. في فترات فراغ المناصب العليا، لم يرض الطالبي علمي بأقل من منصب رئيس فريق في البرلمان. هذه سيرة مجيدة، اللهم لا حسد. ومثل أي مفترس، لم يبقِ للسياسيين الآخرين الذين عايشوا بدايته عام 2002، وجودا ذَا بال. لم يقض عليهم، لكنهم قضوا على أنفسهم لأنهم لم يعرفوا كيف تخلط قِدر السياسة مكونه غير المرئي، وتخلص إلى طهي وجبة طعام شهية. عندما تندفع قوة «العين» إلى السياسي، فإنه في غالب الأحوال شخص هالك. ولدى حزب العدالة والتنمية سجل حافل بذلك. كان تجريدهم من القوة والقدرة على التهديف، برنامجا لا يصاب بالملل. وعادة، يُنصح هؤلاء بأن يستمروا في عملهم وكأن ما سيصيبهم قدر لا محيد عنه. وكباقي الإسلاميين، ليس من اللائق التشكيك في أعمال القدر. لكن العين حق، ولو كان شيء سابقا القدر لسبقته العين. هذه هي قاعدة العمل كما جرى الاتفاق عليها سرا، وكما يستمر تنفيذها دون ضجيج كبير. يمكن أن تكون صالحا لمنصب وزير، وأن يزكيك حزبك ورئيسه، لكنك قد تجد نفسك حرفيا عاطلا عن العمل إن أصابتك العين. ويمكن أن تربح الانتخابات، وأن تتسلم منصبك رئيسا للوزراء، لكنك قد تجد نفسك متقاعدا في اليوم الموالي إن سبقتك العين. ويمكن أن تتسلم منصبا صغيرا في مجلس تشاوري، لكن العين قد تجعلك وكأنك مصاب بالجذام. وفي كل مرة، يعجز المرء عن مواجهة هذه القوة الخارقة، كما يفشل في تحديدها علانية. اللعبة السياسية تجعل من العين الكبيرة التي ترى كل شيء، خرافة يخلقها السياسيون فحسب. إن الأقدار وحدها التي تحكم رقابهم. هذه «الأقدار» نفسها هي التي تصنع الأمجاد. لقد منحت القوة لمن لديه الأوراق الخاسرة في اللعبة، فأصبح هو من يشكل حكومة غيره. وهي نفسها التي وهبت الروح لآلة صدئة كان يقودها إلياس العماري، وجعلتها تقف على ناصية نصر مبين. وهي نفسها التي قررت أن تضع الخطة البديلة في الوقت الحالي: حزب التجمع الوطني للأحرار. والعين وإن كانت حقا، فإن أمرها قابل للعلاج. الطالبي علمي لم يذكر ذلك، لكن ما يؤخذ كله لا يترك بعضه عادة. يمكن مقاومة العين وقد أصبحت وكالقدر سيان، لكن ليست هناك ضمانة؛ يمكنك أن تنجو بحزبك، لكن قد تجد نفسك في صالون منزلك، وحيدا، طريدا، وقد لا ينجو حزبك، لكن قد يجد لنفسه طريقا متجددا. الجماعة التي كانت ترى نفسها وقد أصابتها عين الاستحسان في وقت مضى، ها هي تحصي الخيبات. أصبح حميد شباط شريدا في مكان ما خارج البلاد، وإدريس لشكر صاغرا وسط حزبه، وصلاح الدين مزوار مستصغرا في كيان غريب عنه. وحده عزيز أخنوش يمكنه أن يشعر بأن العين التي تراه حتى الآن لم تنقلب سوءا عليه، وحق للطالبي أن يشعر بنعمة ذلك. في السياسة المغربية، كما قال لي يوما صديق دبلوماسي غربي، ليس هناك مجال للتحليل العلمي، ولا لاستطلاعات صناديق الاقتراع، ولا لأي شيء يمكن تدريسه في كليات العلوم السياسية. المكون غير المرئي، تلك العين التي ترى كل شيء دون أن يقر أحد بوجودها، يستطيع أن ينجز كل الفروض المرتبطة بعلم السياسة، وقد أثبت مرارا نباهته، لكنه أيضا بين، في أحيان معينة، قدر بلاهته. لحسن حظه، لا وجود لأي شخص يقوم بتصحيح أوراقه.