و أنا أتابع أطوار الجلسة البرلمانية حول حصيلة المشاركة المغربية في نهائيات كأس إفريقيا للأمم التي تحتضِنُها دولة مصر الشقيقة. إِنْتَابَتْنِي حالة غَثَيَان أمام لغة التبرير المُقَزِّزَة لوزير الشباب و الرياضة رشيد الطالبي العلمي و معه نواب الأمة بالبرلمان ، و ذلك لأنِّي أدرَكت بالملموس مكمن الخلل الذي يصيب كل أوراش الإصلاح بالفشل المبين. نعم إنها سياسة الإيمان بالخرافة ، فحين تجدُ وزيراً وصيًّا على قطاع الشباب و الرياضة يتحدث عن ” التَّقْوَاسْ ” و يَنْسبُ إقصاء منتخب كرة القدم إلى قوى خارجية غير معلومة الشكل و الأصل ، قوى فوق طبيعية قَوَّسَتْ على زياش فَأَضَاعَ ضربةَ جزاءٍ مصيرية!. نعم .. حين تسمع وزيرًا يدَّعي الإنتماء إلى زمن الحداثة و يلجأ إلى التبرير الخرافي للفشل الذاتي، فتأكدوا أن الإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب أصبح يَتَهَدَّدُها أيضا خطر زُرّاعُ عقيدة ” التَّقْوَاسْ ” ، و التي لن يَنْفَعَنَا أمام تَأْثِيراتِها الخطيرة إلاَّ اللجوء إلى الشَّوَّافَاتْ و العَرَّافَات من أجل تحضير الطلاسم و لَحْجَابَاتْ و ضْرِيبْ اللْدُونْ ، و كل الطقوس الخرافية اللازمة لمواجهة قوى التَّقْوَاسْ الخَفِيَّة. و لمَ لاَ إصدار قانون ينص على وضع “صفيحة” الحمار على بوابات جميع المرافق العمومية قصد مواجهة عيون ” التَّقْوَاسْ ” الفتَّاكة؟! . أَنْ تسمع لَغْوَ هذا الحديث من فَمِ مِّي الضَّاوْيَة وَ هي تُجيب عن أسئلة جارتِها حول سبب فشل زواج إِبْنَتِهَا ، فذاك أمر مُسْتَسَاغٌ تبعًا لِنِسَبِ الجَهلِ و الأُمِّية التي كشفت عنها دراسة حديثة أصدرها المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي. أمَّا أن تسمع هذا الهُرَاء التَّخْرِيفِي يخرجُ من فَمِ وزير حزب التجمع الوطني للأحرار داخل قبة المؤسسة التشريعية ، فذاك ما يجعلنا على أهبة قراءة اللطيف على مؤسسة حكومة الدولة المغربية التي يقوم نظامها الدستوري على الديمقراطية المواطنة و التشاركية ، و على مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. و ليس وزير الشباب و الرياضة وحده من تَفَتَّقَتْ عَبْقَرِيَّتُهُ بعقلية التبرير الخرافي ، بل نجد نواب الأمة المكلفون دستوريا بمساءلة الوزراء و البحث و التقصي عن الحقائق ، نجدهم يرفعون أصواتهم نَاسِبِينَ فشل المنتخب المغربي لكرة القدم إلى القضاء والقدر ، نجدهم يشبهون الإنسان بالحيوان و الجماد و ينكرون الإستطاعات و القدرة على الفعل ( و أبسط الفعل تحقيق الإنتصار في مباراة كرة القدم ) ، فَكأنهم تحولوا بنا من العدل إلى الجَبْرِيَّة الخالصة. و لاغرابة إذا رأيتهم ذات يوم يرفضون الإضطلاع بمهامهم الدستورية ولا يُمارسونَ السلطة التشريعية ، ولا يُصوتونَ على القوانين، ولا يُراقبونَ عمل الحكومة، و لا يُقَيِّمونَ السياسات العمومية فلا رادَّ لقضاء الله. بل قد تَرَاهُم يهتفون بشعار ” الحاكِمِية لله” و يُرَدِّدُونَ مع إخوان الأَدْلَجَة الكهنوتية أنَّ الذين يَتَّبِعون القوانين الوضعية يخالفون شَرْعَ الله جل و علا. إننا فعلاً نعيش زمن الخرافة السياسية، فوزراء الجهاز التنفيذي يُرَوِّجُون لمفهوم ” التَّقْوَاسْ ” الذي لا نجد له أثرا يذكر في العلوم السياسية الحديثة و لا في أمهات مراجع الحَوْكَمَة و نظريات الدولة. و نواب البرلمان تحولوا إلى دعاة على أبواب جهنم يطالبون الشعب بالرضا و القبول بالفشل لأن السبب هو القضاء و القدر. و لا أستغرب من رئيس الحكومة المغربية الفقيه سعد الدين العثماني تقديم نفس هذه الحجج الخرافية لِتَبْرِيرِ فَشَلِه في إنجاز الإصلاح الديمقراطي و إحقاق التنمية الموعودة. و لا أستبعد إستعمال نفس المنهاج الخرافي من طرف حزب العدالة والتنمية عند تقديم الحصيلة الحكومية للمواطنات و المواطنين ، فَكُلُّ حزب بما لديهم من خرافة يستَعينون ! و نحن نهمس في أذن الجميع أننا اليوم سَنَفِرُّ من قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله ، و إذا كان الفشل من فعل القضاء و القدر فلماذا النجاح يكون منسوبا إلى فعل البشر ؟!. و نقول كذلك أن نِسْبَةَ الفشل إلى ” التَّقْوَاسْ” لم تعد صالحة في زمن الذكاء الإصطناعي ، و لو كان لِلْتَّقْوَاسِ مَفْعُولٌ قانوني لما وَجَدْنَا ضمن أحكام الميثاق الأسمى للأمة المغربية مفاهيم الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة و المساءلة و المراقبة…