أتعجب من قوم يخافون أن تصيبهم العين أو ما يصطلح عليه في المغرب ب"التقواس"، بالرغم من أنهم لم يحققوا شيئا مميزا في حياتهم. لكم أن تحققوا نجاحا مبهرا ثم تخافوا بعد ذلك من العين والرجل والأنف والأذن والحنجرة. "العين حق" نعم، ولكن هناك آية كريمة تقول "وأما بنعمة ربك فحدث"، وفي الحديث: "إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، ثم إن هناك من الأدعية والأذكار ما إذا حافظ عليه المرء طرد عنه كل مكروه. لنتأمل كذلك كيف أن العالم بأسره يطلق العنان لعينيه في مهارات ميسي ورونالدو وفيديرير ونادال، ويأخذه الفضول للحملقة في إنجازاتهم وبيوتهم الواسعة وسيارتهم الفاخرة. لماذا يحافظون على لياقتهم وتقنياتهم، وتزداد ثرواتهم بالرغم من كل هذه السهام العينية؟ لماذا يخاف من الإصابة بالعين من هو تحت عتبة الفشل، ولا يخاف من هو في قمة العطاء والتألق والنجاح؟ لا أخفي عليكم أنني، مثل الكثير من المغاربة، كنت أردد: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" أكثر بكثير من "واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين". بحكم نشأتي في مجتمع يظن أنه إذا علم أحد بمخططك المستقبلي فإنه سيجهضه بقوته الميتافيزيقية السلبية الخيال-علمية، أو إن أظهرت بعضا من نعم الله التي أكرمك بها لبعض المخلوقات الإنسانية الغريبة التي يطلق عليهم اسم "القواسة"، فإن الله سيجردك منها ويتركك بلا حول ولا قوة. عندما نعيش بهذه العقلية المريضة في مجتمع يراقب بعضه بعضا، فإننا لا نستطيع أن نفجر كل طاقاتنا، ولا أن نثق بأنفسنا المقيدة بمفاهيم مغلوطة. سألت عالما أثق في علمه وفهمه العميق لواقع البلاد والعباد، وهو الشيخ محمد عبد الوهاب رفيقي "أبو حفص" عن السبب الذي يجعل منا شعبا يخاف خوفا مرضيا من الإصابة بالعين ويضخمها، بل يتفادى حتى التحدث بطلاقة مع محدثيه مخافة العين والحسد، فأجاب: "من أهم الأسباب، اختلاط الحق بالباطل، فالعين حق لاشك، لكن العين عالم غيبي صادف مجتمعا أميا متعلقا بالخرافة والشعوذة، يغلب عليه العجز والكسل، فيحب أن يرمي عجزه على ظواهر غيبية ليتخلص من المسؤولية. إضافة إلى أن كثيرا من المشعوذين باسم الرقى يساهمون في الترويج لمثل هذه الثقافة". ثم طرحت السؤال نفسه على أصدقاء من عوالم مهنية ومدن مغربية مختلفة أرتاح في التحدث معهم في مثل هذه المواضيع فكانت إجاباتهم: * "الإصابة بالعين أمر موجود، لكن المجتمع ضخمه لانتشار الإيمان بالخزعبلات، وحب لعب دور الضحية واختيار أسهل طريق لتبرير أمر ما"- سفيان تائبون. * "أظن أننا نؤمن لسبب ما بأن مصيرنا ليس بأيدينا، وأن قضاء أمورنا رهين بعوامل خارجة عن إرادتنا. ولهذا، عادة ما يبرر الناس فشلهم بتدخل طرف شرير وعين حسود حالت دون نجاحهم لا لنقص كفاءتهم أو لخلل في عملهم"- بابا لؤي. * "العين أصبحت مبدأ عيش الكثيرين، يرمون فشلهم وعدم فعاليتهم في المجتمع على حساب العين و"التقواس"، كنتيجة لعدم الوصول لأهدافهم. هذا لا ينفي أن العين حق وثابتة بموجب القرآن و السنة. يبقى السؤال البارز هو كيف تتم هذه الإصابة بالعين؟ وهو أمر يصعب شرحه"- غسان بنشيهب. بين شخص يتحمل المسؤولية ويعترف بالفشل لنقص في العمل أو التخطيط، وآخر يلقي اللوم على الآخرين ويبرر كل مكروه بعين فلان وعلان وسحر فلانة وعلانة، سنوات ضوئية وعوالم نفسية تحدد مستقبل المجتمع، الذي ينتمي إليه كل أحد. الأول يعرف أخطاءه ونواقصه، فيصححها ويقوي نفسه وعزيمته فيفيد مجتمعه ويستفيد منه. والثاني يظن أنه على خير وأنه محط الأنظار ومركز الاهتمام وأن كل الناس يكيدون له ويريدون به شرا فلا يفيد ولا يستفيد.