الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، الحركة غير طبيعية أمام المسبح الكبير للرباط، الذي أشرفت عليه شركة الرباط للتهيئة، فالأشغال على قدم وساق لاستقبال هذا اليوم الموعود الذي انتظره الصغير قبل الكبير منذ 12 ماي 2014. أمام المدخل حركة دؤوبة، واجتماعات ماراطونية بين رجالات السلطة والأمن ومسؤولي المسبح، الذين أشرفوا على مراقبة وتوجيه أربعة عمال بصدد اقتلاع لافتة كتب عليها «المسبح الكبير للرباط ثمن التذكرة 20 درهما» من الأرض. ما الذي يحدث؟ هل اللافتة لم ترق المسؤولين؟ هل سيُغير موضعها؟ استفسرنا، لكن لا من مجيب، لكن ما إن هممنا بالتقاط صورة حتى انتفضوا بدعوى «ممنوع التصوير». لم تمر سوى خمس دقائق حتى فهمنا أن الهدف هو استبدال اللافتة بأخرى كتب عليها «المسبح الكبير للرباط ثمن التذكرة 10 دراهم». فما الذي حدث حتى خُفض الثمن إلى النصف في سويعات فارقة بين الأمس مساء وصبيحة اليوم؟ من وراء هذا القرار؟ «إنه سيدنا، الملك محمد السادس، بالأمس أعطى أوامره للسيد الوالي بضرورة خفض التكلفة إلى 10 دراهم، حتى يصير المسبح متاحا للجميع، خاصة الأسر محدودة الدخل أو الفقيرة، وأيضا من له أكثر من ابن. الجميع صار من حقه الاستمتاع بهذا الموسم الصيفي، وعاهل البلاد يتتبع التفاصيل الدقيقة لهذا المشروع منذ بدايته، وهو ساهر على كل صغيرة وكبيرة، حتى موضع الحجر يعرفه»، يقول أحد المسؤولين في عين المكان ل«أخبار اليوم». منظر تمازج مياه المحيط الأطلسي مع المسابح التي شيدت على طول الساحل بمقاطعة يعقوب المنصور على مساحة 17 ألف متر مربع، لوحة جميلة وملهمة في الآن ذاته، رصدت لها ملايير الدراهم في إطار أوراش مشروع «الرباط مدينة الأنوار.. عاصمة المغرب الثقافية»، الذي يروم الارتقاء بعاصمة المملكة إلى مصاف الحواضر العالمية الكبرى، بهدف الإسهام في تحديث عاصمة البلاد من جهة، وتعزيز مكانة المغرب باعتباره وجهة سياحية من جهة أخرى. هذا المسبح، إذن، بمثابة حلم يتحقق على يد عاهل البلاد الذي أعطى أوامره بضرورة الارتقاء بالبنيات التحتية للعاصمة، وأشرف شخصيا وبشكل مباشر على تفقد أشغال توسيع الطريق الساحلية. مدخل المسبح فسيح، وأول ما يلفت الانتباه هو مركز للشرطة في مقدمته، يسهر على ضمان الأمن والأمان، واحتواء أي مشكلة في المكان قد تعكر صفو المصطافين، إلى جانب عدد مهم جدا من رجال الأمن الخاص الذين تجدهم في كل مكان. على يميننا نجد مدخلا لمكاتب الإدارة بها أطر من وزارة الشباب والرياضة ممن أوكلت إليهم مهمة المراقبة، لأن هذا المسبح العظيم الذي سيفتح في وجه العموم مدة ثلاثة أشهر في السنة صار في عهدة رشيد الطالبي العلمي. «تجهيزات كبيرة رصدت لها مبالغ مهمة جدا. هذا واضح»، يقول أحد مديري المسبح، رافضا الإفصاح ل«أخبار اليوم» عن أي رقم محدد لأن ما يهم، حسب تقديره، «هو هذه النتيجة المشرفة التي تحظى برعاية ملكية خاصة، وتعطي إشعاعا دوليا لعاصمة الأنوار الرباط. لدينا مرافق بمواصفات عالمية لأول مرة في المغرب. أكيد أنها كلفت مبالغ مهمة، لكن الأهم هو النتيجة». ما يقوله المسؤول صحيح، ففي سابقة من نوعها في تاريخ المغرب، نرى مستوصفا تابعا للمستشفى العسكري في عين المكان، والذي أوكلت إليه «مهمة الإشراف على إغاثة المصطافين، في حالة تعرضهم لأي إصابة أو غرق. «نحن هنا في خدمة الناس ولنقوم بمهمتنا كما يجب»، يقول أحد أفراد الطاقم الطبي الذي تردد كثيرا في الإدلاء بتصريح قبل أخذ إذن من رؤسائه، مضيفا: «سيكون مركزنا والأطباء متوفرين طيلة الموسم الصيفي هنا، استقررنا في المركز لضمان سلامة زوار المسبح الكبير، والمستوصف مجهز بكل التجهيزات الطبية الضرورية». الملاحظ أيضا أن كاميرات المراقبة مثبتة في كل مكان، ووجدت موضعا لها في كل عمود، أنها تترصد كل صغيرة وكبيرة، وكل من دخل من الباب الكبير أو خرج منه، بمن فيهم الموظفون والعاملون، والموجودون في المسبح، وطبعا الهدف هو ضمان السير العادي للعمل، وضمان أن يقوم كل شخص بعمله كما يجب، بمن فيهم المصطافون الذين يتوجب عليهم التقيد بالشروط المفروضة، والتي كتبت على لافتة كبيرة في المدخل، وتهم أساسا: «احترام التجهيزات، والتقيد بأدبيات سلوك الاحترام، ومنع التصوير، ومنع إحضار الحيوانات، والنظافة، وارتداء ملابس السباحة، وعدم التصوير بآلات التصوير، وعدم التدخين، وعدم استخدام الهواتف…». صلاح الدين مصباح، منشط المسبح الكبير الذي يعد من أكبر المسابح على الصعيد العالمي، لتمركزه الأول والأكبر إفريقيا بسعة مفتوحة على البحر تقدر ب17 ألف متر مربع، إلى جانب 25 ألف متر مكعب من سعة المياه، والثالث عالميا بعد دولتي الشيلي ونيوزيلندا، يقول، في تصريح ل«أخبار اليوم»، إن هذه المعلمة الكبيرة للعاصمة تهدف إلى استقبال واستيعاب 5000 من المصطافين فما فوق، وسيحظى الزوار طيلة الموسم الصيفي «ببرنامج تنشيطي متنوع يضم دورات تعليم السباحة وأنشطة بيئية، ودورات تحسيسية لتلبية حاجياتهم، والترفيه عن أنفسهم، بمن فيهم أولياء الأمور»، مشيرا إلى أن «رجال الأمن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية، والقوات المسلحة الملكية ووزارة الصحة أيضا، يبذلون جهودا مكثفة من أجل حماية تجهيزات المرافق، والسهر على احترام البنود والمواثيق المفروضة مقابل الاستمتاع بثمن رمزي لا يتجاوز 10 دراهم». مشاعر متضاربة بدأت جموع الزوار في التوافد، أغلبهم أطفال وشباب، اتقدت أعينهم بالحماس، وغلبت على وجوههم ابتسامة شغوفة وراضية أتم الرضا. بنات وبنون ينتظرون صافرة الانطلاقة، فيما المسيرون لايزالون في حيرة من أمرهم، لا يعلمون هل سيحضر الوالي للتدشين أم لا. على أي حال، لم يكن يهم الأطفال الأمر، فأكثر ما كانوا يودون سماعه هو صافرة الانطلاقة، التي أطلقها منشط المسبح وهو يتلو عليهم بنود الاستفادة من المسبح، والحقيقة أن آذانهم لم تكن تود سماع شيء باستثناء الصافرة، التي ما إن دوت حتى انطلق الجميع بحماس. سعيد، طفل قادم من تمارة، عبر ل«أخبار اليوم» عن سعادته الغامرة بالمسبح الذي لن يكلف أسرته الصغيرة مبلغا كبيرا، قائلا: «أستطيع القدوم مع شقيقي يوميا، 10 درهم ثمن مناسب جدا، ونتمنى أن يبقى ثمنا قارا، أنا سعيد»، يقول الطفل البالغ 11 سنة وهو يضحك بشدة قائلا: «الرهان اليوم هو الحفاظ على هذه المرافق واحترامها. نتمنى ذلك». سعادة الطفل سعيد الذي كان له نصيب كبير من اسمه عبر عنها جميع الأطفال الذين حادثتهم «أخبار اليوم» طيلة وجودها خلال بالمسبح، بمن فيهم الفتيات الصغيرات اللواتي كن يسبحن بأريحية تامة، وماريا واحدة منهم، وهي فتاة من المنازل القديمة في يعقوب المنصور، أنهت امتحانات الشهادة الإعدادية هذه السنة وكللت مجهوداتها بالنجاح. قالت لنا: «هذا المسبح هو أكبر هدية أتلقاها، ومن الملك محمد السادس أدامه الله لنا، الثمن رمزي ومناسب، لقد جئت مع إخوتي وصديقاتي، ونحظى بمعاملة جيدة هنا، كل شيء نظيف وجيد، حتى إن البقالة أثمنتها عادية»، مضيفة: «أتمنى أن يحافظ الناس على هذه التجهيزات والمرافق». رغم ذلك كان هناك توجس وقلق من أن يفشل الزوار والمشرفون على المكان في الحفاظ على هذه اللوحة الجميلة والسعيدة، ومرافقها المؤثثة، ومميزاتها غير المتوفرة في أي مسبح أو مكان آخر، بما فيها المسابح التي تتجاوز كلفة الدخول إليها 350 درهما. أمين السلاسي، أحد معلمي السباحة في المكان، عبر بدوره لنا عن هذا التوجس، خاصة أن المسبح، حسبه، متنفس ليس فقط سياحيا، بل له كذلك بعد اقتصادي واجتماعي مهم، لأن هذا المشروع «بادرة ملكية مهمة، استطاعت تشغيل الكثير من الشباب والنساء العاطلين عن العمل والمحتاجين، فهو يضم 140 معلم سباحة، وعدد لا يستهان به من عاملات النظافة، أغلبهم من أبناء المنطقة المنتمين إلى أسر فقيرة». وزاد المتحدث أن الفئة المستهدفة بالأساس من حيث التشغيل كانت أبناء حي يعقوب المنصور، حيث «جرى إخضاع أغلبهم لاختبار سباحة صبيحة يوم الافتتاح، لامتحان قدراتهم العضلية، قبل أن يجري تشغيلهم معلمي سباحة، إلى جانب أطر الوقاية المدنية ممن يحوزون دبلومات في السباحة». من جانبه، أكد عبد الجليل مصباحي، المدير الجهوي لوزارة الشباب والرياضة، أن هذا المسبح مفتوح في وجه سكان الرباط وزوارها من أجل فسح المجال لهم ل«ممارسة هواية السباحة في ظروف جيدة وسليمة»، مشيرا إلى أن «المسبح معبأ بمياه البحر، التي جرى إخضاعها لتقنيات عديدة من أجل تحليتها وتنقيتها لتكون صالحة للسباحة، وتستوفي شروط الصحة والسلامة». وبخصوص عدد العاملين في المسبح، يقول المتحدث: «يشرف على تدبير المسبح مجموعة من الأطر من مختلف الإدارات، حيث يوجد رجال الوقاية المدنية، والشرطة، ورجال الأمن الخاص، والقوات المساعدة وموظفون وغيرهم، ويبلغ عدد حراس الأمن الخاص 60 أمنيا، فضلا عن 50 سيدة نظافة، يتناوبون بين الصباح والمساء، و140 مدرب سباحة أيضا، كلنا كتلة واحدة لإنجاح هذا المشروع الملكي». على طرف المسبح الكبير الذي يتجاوز عمقه 8 أمتار، لاحظنا شابة في عقدها الثاني تسبح بلباس السباحة الشرعي، أو ما يصطلح عليه ب«البوركيني»، اسمها سليمة، قالت ل«أخبار اليوم» إنها سعيدة جدا بالمسبح الذي يسمح لها بممارسة هوايتها بثمن رمزي، مضيفة أن «أغلب المسابح، بما فيها الغالية الكلفة، تحرمنا من السباحة، على الرغم من أن هذا اللباس هو في الأصل صمم خصيصا لمياه البحر والمسابح، لكنهم يحرموننا من هذا الحق. المسبح الكبير حقق حلمي، وها أنا أسبح بأريحية، لا توجد مضايقات أو أي شيء من هذا القبيل، وأتمنى أن يستمر الأمر». غير بعيد عن الشابة العشرينية، شباب من الكوت ديفوار استقبلونا بروح مرحة وهم يطلبون ألا نسألهم عن مباراة منتخبهم مع المغرب، حيث قال الشاب العشريني إيريكي، والذي يشتغل في أحد مراكز النداء في العاصمة: «سننسى هزيمة منتخبنا أمامكم بهذا المسبح، كلفته مناسبة وهو بمواصفات عالمية، شكرا للمغرب والملك محمد السادس. إنه رجل عظيم». ولتجنب حالة الفوضى والسلوكات المشينة التي قام بها زوار المسبح الكبير خلال فترة التجريب، وخلفت حالة استياء كبيرة في الأوساط، بعد توثيقها بمقاطع الفيديو، جرى أيضا تسخير فرقة أمنية تدعى الشرطة «السينو-تقنية» مرفوقة بكلاب مدربة لتأمين المسبح الكبير، وردع مخالفي القوانين الداخلية، وهو ما يجعل المسبح الكبير على أهبة الاستعداد لاستقبال الموسم الصيفي ومنح الرباط واجهة بحرية جميلة.