طوت، أمس، الجارة موريتانيا فصلا جديدا من فصول التحول السياسي، عنوانه الأبرز مغادرة الرئيس الحالي وتولي رئيس جديد لمقاليد السلطة في نواكشوط، لكن في التفاصيل هناك ثبات حضور المؤسسة العسكرية التي طبعت تاريخ البلاد منذ الاستقلال، فمن أصل عشرة رؤساء كان من بينهم مدنيان فقط، والباقي من قيادات الجيش، كما أن الجارة الجنوبية يسجل عليها أنها شهدت أكثر عدد من الانقلابات العسكرية التي عرفتها إفريقيا منذ ستينيات القرن الماضي، فالمؤسسة العسكرية، وبالنظر إلى الصعوبات الواقعية التي تفسرها بنية المجتمع الموريتاني القبلية في التوجه إلى قيام الدولة الحديثة العصرية، ظلت أكثر مؤسسات البلاد قدرة على التنظيم، وما نشهده اليوم من تناوب في أعلى هرم الدولة، قد يتخذ ظاهريا تعبيرا ديمقراطيا، لكنه في العمق لا يعدو أن يكون استمرارا لحضور المؤسسة العسكرية ولمرحلة قادها الرئيس المغادر والرئيس القادم منذ الانقلاب على معاوية ولد سيدي أحمد الطايع سنة 2005، والانقلاب على الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ سنة 2008، حتى أنه يمكن القول في حالة ولد عبدالعزيز وولد الغزواني، إننا أمام ثنائية بوتين ومدفيديف الشهيرة بروسيا… ما يجري في موريتانيا يعتبر مهما بالنسبة إلى المغرب، وخاصة قضية الصحراء المغربية، البعض لا يعترفون بوقائع التاريخ وبالأسباب الحقيقية وراء خصوصية الموقف الموريتاني مقارنة مع باقي الدول الإفريقية، وإذا كان من الضروري التذكير بوقائع التاريخ تلك، فإننا ملزمون بالعودة إلى اتفاقية مدريد التي وقعها كل من نفارو وعصمان وولد مكناس سنة 1975، وهي سنة لم يكن فيها بالمغرب لا برلمان ولا حياة دستورية سليمة، بل كان المغرب لازال يعيش عمليا في ظل حالة الاستثناء، وذلك منذ 1965، فماذا جرى في مدريد؟ في مدريد اتفق المغرب وموريتانيا وإسبانيا على انسحاب المستعمر الإسباني، واقتسام الصحراء عبر تخصيص الساقية الحمراء للمغرب وترست الغربية ووادي الذهب لموريتانيا، وقد تم وضع الاتفاقية بالأممالمتحدة، فحاز المغرب الساقية الحمراء، ودخلت وادي الذهب ضمن السيادة الموريتانية، وهو أمر امتد إلى سنة 1979. قبل تلك السنة تعرضت موريتانيا في يوليوز 1978 لانقلاب عسكري هو الأول في تاريخ موريتانيا قاده مصطفى ولد السالك على نظام المختار ولد داده، الذي لم يستطع مواجهة التحديات العسكرية والأمنية التي فرضتها عليه هجمات جبهة البوليساريو التي كان يصل مقاتلوها إلى قلب العاصمة نواكشوط. مباشرة بعد الانقلاب بدأت الاتصالات السرية بجبهة البوليساريو عبر قنوات جزائرية، توجت باتفاقية الجزائر التي تخلت بموجبها موريتانيا عن وادي الذهب لفائدة جبهة البوليساريو، هذا الأمر شكل عملا عدائيا وتحريضيا على المغرب، الجار الشمالي، بل إن جزءا من النخبة الموريتانية، آنذاك، كان يسعى إلى وضع كيان عازل بين موريتانيا والمغرب، فيما كان الكثيرون منهم يقولون بأن موريتانيا ليست لها حدود مع المغرب…، الراحل الحسن الثاني تصرف بسرعة كبيرة قبل أن يدرك الجزائريون تحقيق الاتفاق على الأرض، وذلك عبر نشر القوات المسلحة الملكية في وادي الذهب وتجديد بيعة شيوخ ترست الغربية كنوع من الارتباط بالمملكة، ومنذ ذلك الوقت وموريتانيا لا تستسيغ الوجود المغربي في وادي الذهب، بل كان ذلك الوجود موضوع طعون أمام الأممالمتحدة. موريتانيا، أيضا، في السنوات الأخيرة عابت على المغرب احتضان معارضين لنظام الرئيس محمد عبدالعزيز، ولم تقبل نواكشوط كيف فاز المغرب بمقعد إفريقيا كعضو غير دائم في مجلس الأمن، وهو المنصب الذي ترشحت له موريتانيا باسم الاتحاد الإفريقي، كما لم توقع الملتمس الذي وقعت عليه 28 دولة إفريقية بقمة «كيغالي» للاتحاد الإفريقي في يوليوز 2016، والذي طالب بإخراج الجمهورية الوهمية من الاتحاد، كما أن عددا من النخب الحاكمة في موريتانيا تنظر إلى السياسة الإفريقية للمغرب على أنها انتقائية ولا تضع في أولوياتها العلاقة مع موريتانيا، وكان هذا الشعور سببا في كثير من المواقف المتشنجة للجارة الجنوبية، خاصة على عهد محمد ولد عبدالعزيز، فهل يشكل مجيء محمد ولد الغزواني مرحلة جديدة في العلاقة بين البلدين؟ أم إننا سنشهد نوعا من الاستمرارية التي لا تخدم مصالح بلدين يجمعهما قدر التاريخ والجغرافيا في جوار صعب؟