يشهد سوق الآلات الموسيقية فورة اليوم، في كل أنحاء العالم. هناك إقبال متزايد على شراء هذه الآلات، الجديدة منها والمستعملة. وتشير تقديرات إلى أن قيمة هذا السوق ستصل إلى 18 مليار دولار في 2021، وستواصل الارتفاع بأزيد من 9 في المائة سنويا في السنوات التي بعدها. تُطوّر صناعة الآلات الموسيقية نفسها في مختلف بلدان العالم، ولا سيما بأمريكا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا. بعض صناع هذه الآلات الموسيقية من بيانو وكمان وقيثارة وغيرها، كانوا ولايزالون هم أنفسهم فنانين كبار. أعمالهم الموسيقية تقدر لدى البعض بعشرات ملايين الأورهات. كما ظهرت أدوات موسيقية جديدة وحديثة أكثر، رقمية وغير رقمية وتمثل بدورها أسواقا جديدة. صناعة الآلات الموسيقية ليست إلا جزءا من الصناعات الفنية. نجد في هذه الصناعات صناع أقلام وريشات وأوراق الرسم والطلاءات وأدوات النحت والطباعة الفنية وآلات التصوير، وهي كلها أدوات أساسية لمهن فنية لا تُحصى. وقد نوسع مجال الفن بشكل أكبر ليشمل فن الطبخ، ومن ثم نضيف إلى هذه الأدوات تلك المستخدمة في المطبخ. ولا شك أن هذه الصناعات الفنية واعدة في المستقبل. أولا، لأن أنشطتها تستفيد من النمو الاقتصادي المسجل بالبلدان الصاعدة التي تدفع بالطبقات المتوسطة لأوربا الشرقية وروسيا والصين وأمريكا اللاتينية وإفريقيا نحو هذا النوع من الأنشطة. وثانيا، لأنه في كل بلدان العالم الطلب على الحرية يعبر عن نفسه في شكل حاجة إلى التعبير عن الذات وممارسة الفن وإنتاج أعمال فنية والخروج من دور المتفرج والمستهلك للأعمال الفنية. ورغم أهمية هذا السوق، لا يحظى منتجو هذه الآلات بالقيمة التي يستحقونها. لا أحد يفكر في الاحتفاء بهؤلاء المقاولين، ولا حماية شركات عريقة في صناعة الآلات الفنية، ولا تشجيع تأسيس شركات جديدة في هذا المجال. إذا كانت الموجة المهيمنة هي تشجيع خلق شركات في المجالات الرائدة (كتكنولوجيات)، فيجب، أيضا، تشجيع شركات الاقتصاد الفني. ولا شيء يمنعنا من أن نحلم بمجتمع يكون فيه الفن هو النشاط الاقتصادي الرئيس، مجتمع يكون رجاله ونساؤه قد استوعبوا أن استغلال أوقاتهم وأوقاتهن بشكل مبدع بصناعة أدوات ملائمة، لذلك سيقود مجتمع إلى التحقق بالشكل الأمثل من ذاته. قد يحدث ذلك يوما ما، حين نكون استنفذنا كل جوانب مجتمعاتنا المجنونة التي تمارس التدمير الذاتي، وتدخلنا في عزلة قاتلة واستهلاك صناعي كارثي، وتدمر الطبيعة الإنسانية محولة الإنسان إلى مسخ. قد يحدث ذلك حين تقع ثورة إيجابية نفهم من خلالها أن لا شيء يستحق أن يهيمن على كل ثانية من وقتنا، ولا شيء يضاهي استكشاف الإنسان لحساسيته الداخلية وأن الإنسانية تستحق المُضي قدما في طريقها.