عندما كتبت العظيمة ثريا السقاط “مناديل وقضبان”، لم تكن تحكي فقط، عن معاناة عائلة مكافحة، عاشت معظم لحظات حياتها وهي تتنقل بين السجون. لكنها كانت تخبر العالم أن وراء تحرر كل شعب هناك امرأة نافحت من أجل كرامة حبيبها، وأُمّا دافعت عن شرف ابنها. ثريا السقاط لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة. فالنساء كن ومازلن وسيبقين دائما في الصفوف الأمامية للنضال. كان الفقيد المناضل محمد الأسفي الوديع محقا عندما ناداها في إحدى رسائله: “فلئن افتخر ابن زيدون بولادته وتباهى ابن عباد باعتماده … فللأسفي أن يعتز بثرياه”. نعم، لكل مناضل ثرياه، تلك الثريا التي قد تكون الحبيبة، الرفيقة في النضال، الأم، الأخت، أو مناضلة قررت أن تقدم كل ما لديها من أجل أن تمطر سماء الوطن حرية. ثريا مازالت حاضرة معنا، ويبدو أن هذا الوطن لن يتوقف عن كتابة “مناديل وقضبان” رغم اختلاف السياقات والأشخاص. لكن تبقى الأمهات دائما وأبدا الحامي والحاضن والمدافع الأول عما تسميهن الكبدة/اتساينو . تلك الكبدة التي تجعلهن يخرجن للعلن بكل شجاعة في كل مرة ليدافعن عن براءة أبنائهن. هنا مجموعة من الشهادات، مستقاة مباشرة من أفواه مجموعة من الأمهات يحكين من خلالها عن معانات كابدنها ولازلن. خلف كل معتقل يقضي عقوبته السجنية قصة أم مكابِدة هذه بعض منها. هؤلاء النساء تحكين عن المرارة التي عاشتها كل الأمهات في مختلف ملفات الاعتقال، نفس الألم ونفس المعاناة، تتغير الأسماء، الأماكن، اللهجات واحيانا حتى مراحل الاعتقال لكن الظلم واحد. كل معتقل يحمل وراءه جبلا من الأبرياء الذين ظلموا معه وتحملوا معه قساوة السجن والبعد والحكرة. هؤلاء منهم الرجال والنساء والأطفال. لم نعش معاناة الذين سبقونا، لكني قرأت وسمعت وعايشت بعضا ممن اعتقلوا في سنوات الرصاص، عايشت اعتقال أصدقائي المقربين أيام عشرين فبراير وها أنا أعايش زمن اعتقال أبناء خالتي رحيمو، زوليخة والأخريات. أحس وكأني أعيد الفيلم نفسه، أعيد تكرار نسج الكلمات نفسها لأن الأم أم مهما اختلفت الأزمان والأماكن. كتابة هذه الأسطر ليست استعراضا لأناقة اللغة، ولا مزايدة فارغة للمواقف، إنها أرشفة لمن يصنعن مغرب الغد، تأريخ لحقيقة من يبني الحضارات ومن يرسم خطوات التغيير حتى لو كانت ببطء. هذه الأسطر كتابة لأمنيات صادقة نابعة من قلوب أمهات تلخصها كلمات الحرية والانفراج والعودة إلى الديار لأبنائهم. الاعتقال السياسي ظاهرة تقتل مسار التغيير، تعرقل تطور بناء الحريات والحقوق، وتحمل المجتمعات حملا إنسانيا ثقيلا يرسخ في ذاكرة أجيال متعاقبة. لم تشفى ذاكرة المغاربة بعد من ألم قرون من السجن والاستشهادات، من القمع والتآمر على أهم مرحلة في تاريخ المغرب المعاصر (20 فبراير) حتى تعمق الجرح باعتقال أبناء آخرين من هذا الوطن. الوطن يحتاج مصالحة حقيقية، يحتاج اعترافا بكل شبابه، يحتاج تدبيرا عقلانيا لمطالب واحتياجات أبنائه، بعيدا عن لغة الردع والقمع. الوطن يحتاج عقلا وحلا سياسيا عاجلا كي تشفى الذاكرة وتبنى الحرية. كنت أتمنى أن أرشف شهادات كل الأمهات، بل حتى الزوجات، الأخوات… فقط، لأقول إن هذا الوطن سيكون دائما بخير لأن هناك دائما نساء تحميه حتى لو ندرت جسدا، قلبا أو حتى كل الحياة. خالتي زوليخة: أم استثنائية لا يوجد وجع يفوق ما يعانيه سجين، إلا ما تكظمه أمه حين تعد أيام المغيب، تُمني النفس بفرج قريب، تتحدى المرض وبعد المسافات لتتنفس حرية ابنها بين ضلوعها من جديد. عندما طلب ناصر أن تغادر أمه قاعة المحكمة، وهو يحكي عن التعذيب الذي تعرض له أثناء الاعتقال، التفت الجميع ليبحث عن تلك المرأة . امرأة حملت حقيبتها، وغادرت بكل هدوء وهي تحمل معها حرقة أم لم تستطع إنقاذ ابنها عندما كان يصرخ من أثر التعذيب ملامح خالتي زوليخة قوية جدا، وكأن في كل خط من تجاعيد وجهها يوجد مصدر من مصادر قوة ناصر. ذكريات لن تنساها تلك الأم الاستثنائية: يوم اعتقال ابنها، يوم النطق بالأحكام، ويوم أخاط فمه كي يضرب عن الكلام. “نعم، تسببوا لي في مرض السرطان، حرموني ابني، وعذبونا. لكني قوية وفخورة، فأنا أم ناصر. هو نفس الفخر والفرح أحسهما، كلما رفع أحدهم صورته في إحدى المسيرات أو نطق اسمه، وهو يربطه بالحق والعدالة .” “ابني الذي كان يدخل في كل ليلة وهو يهديني الحلوى التي أحبها، ويفرحني بأي شيء يجعلني سعيدة حتى لو كان بسيطا. نفس هذا الابن الذي أرادوا أن يقنعوني ويقنعوا العالم بأنه انفصالي، مجرم ويريد أن يهدد أمن هذا البلد. ” هكذا تحدثت خالتي زوليخة، ابنة أجدير، والمرأة التي تحاملت عليها كل مصائب الحياة، وبقيت تهتف عاليا في الصفوف الأمامية للمسيرات والوقفات مطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين. “لدي ثلاثة أبناء، وناصر رابعهم، ابني كان دائما مناهضا للحكرة، مدافعا عن الناس، وعن حقوقهم. إنه الرجل الذي لا يتمالك نفسه عندما يرتبط الأمر بمظلوم .” “عندما أسمعهم يحكون عن ناصر، وكأنهم يحكون عن شخص لا أعرفه، فأنا لم أسمع ابني أبدا يناصر الظلم والعنف. كما أني لم أسمعه يوما يطالب بحكم ومنصب يريده لنفسه”. “ابني أراد حياة كريمة للجميع، فإن كانت هذه جريمة، فأنا أريد أن أتقاسم معه العقوبة نفسها، كما كنت أتقاسم معه ألم المرض والحياة عندما كان صغيرا.” “عندما ظهر ناصر في أول “لايفاته”، انتظرته تلك الليلة، ليلة مقتل محسن فكري إلى أن عاد للمنزل . وأنا أحاول معاتبته أوقفني قائلا: “آيما، الحكرة قاسية، والظلم أقسى. لقد مات أحد إخوتنا اليوم، لذلك لا تمنعيني من الدفاع عن حقوقنا .الروح عزيزة عند الله آيما، ادعي آيما ربي يفرج علينا .” “ناصر كان قريبا مني، يحكي لي عن مغامراته، وعن حياته. وعندما سجن، أصبح يحدثني دائما عن مطالبهم وعن سبب تضحياتهم.” “عندما زرته بعد الاعتقال، كانت آثار التعذيب بادية عليه، اتساينو الحبيب ديالي، كان هذا أكثر من ألم السرطان. ” “لن أنسى أبدا ما حدث لابني، ولن أنسى أكثر الأخبار التي تم بثها على التلفاز، وهم يقولون إن ابني الذي ربيت وكنت أحضنه في ضعفه وقوته قبض عليه وتم تنقيله إلى الدارالبيضاء .” “ألم السفر، ألم المرض وألم الفراق كلها لم تمنعني من أن أناضل من أجل ابني لأخبره بصمودي ودفاعي عن براءته وبراءة إخوانه .” “ابني ورث عن أبيه القوة، الصبر والشجاعة، ولكن، أيضا، ورث عنه الحب والصدق اللذين منحاهما لي دوما، فكيف لا أكون الدعم والسند لهما معا.” “لقد عشنا الفقر، لكننا كنا دائما أغنياء بعفتنا، وكرامتنا. هكذا رباني والداي، وهكذا تعلمت مع زوجي وابني .” “كانت رسالة ابني وهو يودعني لأجري العملية عن السرطان، مصدر القوة التي جعلتني أتحمل الألم والعذاب. كنت أظن أني لن ألتقي ابني مجددا، قبلت غرفته، كتبه وملابسه . كنت خائفة أن أموت وأترك ابني محبوسا بين الجدران . لم أتمنى شيئا حينها، فقط كنت أريد أن أرى ناصر حرا طليقا كي أموت مبتسمة ومطمئنة.” لم تفوت خالتي زوليخة الفرصة كي تعبر عن فرحتها بخروج رفاق ناصر رغم أن فرحتها غير مكتملة. بصمودها المعتاد وابتسامتها القوية قالت : “قمري لن يكتمل إلا بصوت ناصر وهو يناديني أمام المنزل: حلي الباب أيما فقد عدت إليك”. “أنا أحب ابني كثيرا وفخورة به، وأتمنى أن يطلقوا سراحه قريبا حتى تعود الفرحة والسكينة إلى منزلنا، إلى حسيمتنا وإلى مغربنا”. ككل مرة، وهي تحكي عن ابنها، تحس داخل نفس المرأة ألم الجسد، فخر الروح والاعتزاز بابن لا تنسى معه الرقم عشرين . أنهت حوارها معي بنفس الابتسامة النقية والصادقة التي تودعني بها في كل مرة. فاطمة بناية: أم تلارواق يقال إن أكثر إنسان يتمنى لك الخير في الدنيا هي الأم، ولكننا نفهم ذلك متأخرين، أو نفهمه بعدما نعد التضحيات التي قدمنها لنا طيلة سنوات . طيلة الحوار، لم تكف أم الرفيق عن البكاء، لم تترك ذكرى إلا روتها ولا خصلة إلا حدثتنا عنها . ضوء صلاح هو الذي يضيء عتمة الفقر والإقصاء والتهميش التي عاشتها تلك المرأة طيلة حياتها . لا يمكن أن تكتب كل ما قالته أم تلارواق . فبين أب طريح الفراش، كفاحُ توفير القليل من الدراهم لكف عيش اليوم، وابن محكوم بعشر سنوات، كانت خالتي فاطمة تستريح بين حديث وحديث بالقول: “الحمد لله على كل حال”. “عندما سمعت خبر اعتقال صلاح، حملت نفسي وذهبت مع العائلات التي قيل لنا إن أبناءها كانوا مع صلاح، ذهبت إلى الكوميسارية وبدأت أسأل بهستيرية عن ابني. لم أكن أعلم مكانه، مصيره، ولا أحواله . قالوا لي صلاح لشخم ليس هنا، أردتهم فقط، أن يطمئنوني، كنت أريد فقط، أن أعلم هل ابني حي أو ميت .” لم يشأ أحد أن يخبرني عن مكان ابني، كانت فقط، جملة واحدة تتكرر في أذني: ولدك ماشي هنا، ولدك هرب.” كنت أمشي مرفوعة الرأس، فابني يتابع الدراسة بالجامعة، يقرأ الكتب، ينصت له الصغير والكبير في “الفيلاج” . هو تعب السنين وعزاء الكفاح . ابني لم يكتف بذلك فقط، بل دافع عن أرضنا، التي أراد أن يسرقها منا “كروش لحرام” . إن سرقوا الأرض، واحتالوا على “الفيلاج” من سيعيل آلاف العائلات، ومن سيصرف على آلاف الشباب كي يصبح لنا الكثير من صلاح . “أول مرة زرته، كان هناك الكثير من الحراس، والقليل من الدقائق . أخافتني أصوات المفاتيح، وأحسست وكأني أزور مجرما وليس ابني . لكن ابني كان نفسه، بنفس القوة، بنفس العزيمة، نفس الضحكة ونفس الكلام . ابني يتكلم جيدا، ويعلمني كل شيء وأوله قضية تلارواق التي كافح ومازال يكافح من أجلها . الأرض غالية علينا، نحن الذين نعاشرها عن قرب، فهي التي تروينا، تعيلنا، تحمينا وتحضننا . فكيف سنتركها بهذه البساطة، كيف سنجعلهم يأخذونها منا هكذا . يوم النطق بالحكم، لم أستوعب ما كان يجري أمامي، فأنا أعلم أن من يدخل السجن هم السارقون، القتلة والمغتصبون، وابني لا يندرج ضمن هؤلاء . قالوا لي بأنه خان أرضه، كيف يخون أرضه وأهله، وهو الذي رفض كل المساومات من أجل أن ينعم الجميع بحقوقه. ابني بريء، متعلم، وعلى وطنه أن يستفيد منه . في كل مرة يُفرج فيه عن أحد من رفاقه، يحيى الأمل داخلي وأتمنى أن يكون ابني بين أحضاني في العيد المقبل . أتمنى أن يفرجوا عن الجميع، كما أتمنى أن يراه والده المريض قبل أن يموت. أتمنى أن يعود كي يحقق أحلامي، أحلام أخواته وأحلام تلارواق . لن يهدأ لي جفن، وسأكافح وأدق كل الأبواب إلى أن يعود ابني حرا إلى منزله، وإلى عائلته . امرأة من عمق الجبال، علمتها الحياة معنى النضال، فتحدثت لغة الرفاق، ودافعت عن الأرض والإنسان بجدلية دقيقة حتى لو لم تعرف ماركس يوما . عالية بوغروم، دينامو الأمهات خالتي عالية صرخت صرختها الأولى حين جاءت بنبيل إلى الحياة، وأطلقت صرخة ثانية حين أخذوه منها عنوة وأرسلوها إلى المستشفى غائبة عن الوعي، مريضة القلب، تائهة بين ألم مخاض الولادة وألم الاختطاف. “ اتساينو نبيل اينو …… داو ليا نبيل ديالي …. ”. أيهما كان أقسى عليها…. أيهما أرحم، ولادة نبيل أحمجيق أم ولادة دينامو الحراك؟ “كانت تلك ليلة رأس السنة، عندما حضنت ثالث أبنائي بين يدي، أنجبته كباقي أبنائي بالكثير من الحب. فأبنائي هم الأمل الذي عشت وأعيش من أجله، خصوصا بعدما توفي والدهم “، تقول خالتي عالية. “ليس فقط، لأنه ابني، لكن نبيل كان دائما ابنا يحترم الجميع ويبتسم في وجه الجميع، وكل من يقابله يحبه. ” “كانت من أسعد لحظات حياتي عندما حصل على البكالوريا وانتقل إلى الدراسة الجامعية في وجدة. نبيل جعلني، دائما، فخورة به”، تضيف خالتي عالية ودموعها ممزوجة بألم الفراق وفخر الأمومة. المرأة المعروفة بديناميتها وحراكيتها في كل ربوع الوطن، تتذكر أولى لحظات انخراط ابنها في الحراك. “أول مرة علمت أنه انخرط في الحراك خفت عليه كثيرا، وتذكرت أيامه في 20 فبراير، لأني كنت أحمد الله في كل لحظة أن نشاطه في تلك الحركة لم ينته به في السجن كالكثيرين من رفاقه، وعلى رأسهم الأستاذ محمد جلول. ” ” أتذكر عندما خفت عليه ليلة استشهاد محسن فكري، أجابني: عليك أن تشجعيني يا أمي وتكثري من دعواتك كي يحفظنا الله جميعا ويكون معنا… إلا قتل الأرواح يا أماه… لقد دقت ساعة النضال… وساعة المطالبة بالحقوق. إنها ساعتنا، فباركينا كما ستبارك كل الأمهات نضالنا”. خالتي عالية، التي وجدت نفسها كباقي الأمهات وسط حركة اجتماعية تخط مسارها في التاريخ ببطء، تعود بنا إلى ملاحم الحراك : “كنا نخرج جميعا في الحراك، وعندما كنت أراه فوق المنصة، يرفع الشعارات ويخاطب الحشود، كنت أبكي لأن المشاعر داخلي كانت تختلط عليّ. فبين الخوف عليه والفخر به كانت روح والده تعزيني وتقول لي انظري إنه ابننا يا عاليتينو –” بعدما كانت أنفاسه، ضحكاته وحكاياته تملأ المنزل بحي سيدي عابد، أصبح اللقاء بين الدينامو ووالدته في السجن، ليحسب أحدهم دقائق عناق ابن مع والدته. تبكي خالتي عالية كثيرا وهي تحكي عن أول زيارة. “يوم زرته لأول مرة بسجن عكاشة… عانقته ولم أشأ مفارقته، أردت أن أفتح قلبي وأضعه فيه وأرحل كما كان في رحمي. لكن ابني فاجأني بقوته وإيمانه. كان يخبرني في كل مرة بأنه بريء وأنه لم يطالب إلا بحقوقنا وبحقوق هذا البلد في أن يعيش في سلام وحرية وكرامة”. “نبيل متزن، هادئ وقوي جدا. عندما كنت أطلب منه أن يوقف الإضراب عن الطعام، كان يقول لي اصبري إيما… فأنا أدافع عن كرامتي وعن حقوقي.. وفي الكرامة والحقوق .. لا تنازل ولا جدال”. “صحيح أني علمت أبنائي الأخلاق والقيم وربيتهم تربية صالحة، لكن كل واحد منهم علمني شيئا، ونبيل علمني النضال والصمود والشجاعة. ” ككل الأمهات تحولت خالتي عالية من امرأة مكافحة من أجل تربية أبناءها، إلى أم مناضلة تدافع عن براءة ابنها. لا يمكن أن تمر مسيرة ولا وقفة ولا ندوة إلا وتجد امرأة تردد شعارات ابنها بشجاعة، وتحكي عن ابنها بكل تلك الثقة. “كنت أخرج في المظاهرات والمسيرات لأقول لابني إن له والدة تدافع عنه، والدة فخورة به، صامدة، وقوية ببراءته”. “فكما حميته من البرد والعطش، وحضنته بدفء وهو صغير، فأنا قادرة على حمايته، والدفاع عنه وعن رفاقه وهو رجل كبير. الأحكام كانت قاسية، فمكان ابني وأبنائي مع عائلاتهم، جرحتنا الأحكام وجرحت أمومتنا، لكن كلما شاهدت ابني المظلوم صامدا أتشجع، أنهض، أناضل، أحكي وأخبر العالم بأن ابني بريء”. بابتسامتها الرائعة، تعلق خالتي بفرح على خروج رفاق نبيل من السجن: “فرحت كثيرا عندما خرج رفاقه، وفرحت كثيرا لأمهاتهم، ووجدت مبادرة الإفراج عنهم مبادرة محمودة جدا. لكني أريد أن يعود ابني إليّ. مكان ابني فارغ فوق مائدة الأكل، في الأعياد وفي فطور كل صباح. أتمنى أن يكون بين ذراعي في العيد المقبل، فنبيل هو من يقوم بطقوس عيد الأضحى. افتقد منزلي مكان والدهم وأتمنى ألا يطول فقداني لمكان ابني. حياتنا تغيرت بعد الاعتقال، سفر دائم، أمراض مزمنة ومعاناة مادية ونفسية ومعنوية. ” “ضحيت بكل ما لديّ بعد وفاة والدهم، ذلك الموت الذي ترك أثره داخلي إلى اليوم، فوالد نبيل كان رجلا عظيما، زوجا صالحا ووالدا محبا. الفراغ الذي تركه كان قاتلا، والحمل كان ثقيلا، لكن وجود أبنائي بجانبي سهل عليّ إكراهات الحياة . “أملى في الله كبير، وأتمنى أن يعود ابني إليّ في القريب العاجل. ابني نبيل، أنا فخورة بك كثيرا، أتمنى أن يطلقوا سراحك في القريب العاجل أنت وكل رفاقك، وأتمنى أن يزورنا الفرح قريبا جميعا. ” جميلة الغلبزوري: أم بدموع لا تنتهي عندما حدثتها كانت وسط البلدة التي ارتبط بها محمد الحاكي كثيرا بني عمارت، وكانت تتذكر الأوقات التي قضتها معه وهو ينمو ويكبر ليصبح بطلها، كما سمته. بطلها قبض عليه، على إثر ما سُمي بأحداث المسجد وحكم عليه ب 15 سنة. “إنه صادق وأمين، كما يسميه رفاقه، فلطالما كان وفيا ومخلصا حتى في أبسط الأمور.”، تقول خالتي جميلة. محمد لا يختلف كثيرا عن رفاقه في الاستماتة عن قناعاته، لكن أمه تعتبر كرمه استثنائيا، فتحكي كيف كان يحب مساعدة الجميع دون مقابل، وكيف كان يعتبر هذا واجبا عليه أن يؤديه بإخلاص. تقول خالتي جميلة: “محمد كان يعتبر كل ما نملك رغم بساطته، رزقا للجميع وليس رزقه وحده.” أم مسير مقهى “كلاكسي”، التي كانت مقهى أبناء الحسيمة، وكان المكان الذي نسج فيه الكثير من العلاقات، تعيد الفلاش باك في علاقتها مع ابنها: “كان ابني مصدر الفرح لي وللكثيرين، فكان المرح مرتبطا به دائما. فوسط مآسي الحياة كان ابني يهون عليّ كل شيء، كان يعلمني السباحة وينسج الحكايات والتمثيليات في كل يوم .” “محمدينو ليس محمد الذي سمعتهم يحكون عنه في محاضر الشرطة التي تلاها القاضي يوم التحقيق معه. محمد_هم_ يدافع عن العنف، يتلاعب بالأموال، ويهدد أمننا وأمن بلدنا . لكن محمذ ينو مسالم، مبتسم، متسامح دائما، ينفق من أمواله دائما ويتقاسمها مع الآخرين. محمدينو يحب وطنه، وأرضه كما نحبها نحن. ففوق هذه الأرض تربينا، ولدنا وعشنا كل حياتنا، ولا نعرف أرضا غيرها، فكيف نسيء لها ولأبنائها .” ” ابني يخبرني في كل مرة بأنه خرج من أجل المطالب المشروعة، وهي الشغل والجامعة والمستشفى.” قد يكذب أحدهم على الشرطة، وأحيانا على القاضي، لكن ابنا لا يمكن أن يكذب عن والدته .” “ابني وإخوانه أبرياء من كل ما نسب إليهم، و15 سنة كثيرة عليّ وعلى ابني.” “يوم عانقته في أول زيارة حكى لي والدموع في عينيه، عن التعذيب الذي تعرض له يوم اعتقاله . لن أنسى مشهد تغطية وجه ابني بالسواد، وكأني عشته معه. اتساينو ديالي ضربوه ونقلوه مفزوعا إلى الدارالبيضاء في شهر الصيام المبارك.” “من يوم اعتقاله والدموع لا تنتهي، لا شيء له معنى”. “لي تسعة أبناء، أنتمي إلى بلدة صغيرة بجانب الحسيمة، طيلة مساري كأم لم أهتم بالسياسة، ولا بأخبارها . الآن أتابعها، أحسها وأفهمها وأخرج لأتظاهر ليعود ابني إليّ .” “كبرنا في أوساط محافظة، وتعلمنا معنى التضامن، قيم الصدق والتضحية في سبيل ما نحب، لذلك لم أتفاجأ بصمود ابني واستماتته في الدفاع عن حقوقنا، وعن براءتهم .” “نعم، فرحنا كثيرا بخروج المعتقلين، لكن مكان ابني بالمنزل مازال فارغا”. “ابني تنتظره خطيبة قررت أن تبقى وفية له حتى بعد سماعها حكم 15 سنة.” ” أريد أن أفرح بابني وأن أقيم عرسا كبيرا له ولإخوانه.” “المطالب كلها مشروعة، وأنا أتساءل دائما أين هي الجرائم التي عاقبوني من أجلها وحرموني من ابني. ” “ابني يضرب عن الطعام دفاعا عن كرامته، قدم حريته كي ننعم جميعا بمغرب أفضل، فكيف لا أكون فخورة به، وكيف لا أحلم كل يوم بلقائه.” “عندما كان يدخل محمد إلى المنزل كنت أعلم أن الضحك سيعم أرجاءه، وهذا ما يفعله الآن مع رفاقه حتى وهو في السجن.” “أريد أن ينبض قلبي من جديد وهو يسمع أنا رجعت آيما احنو … يالله نمشيوا للبحر.” “أمك تنتظرك يا بني، فعد إلينا سريعا…”. البوعيادي مليكة، كفاح عنيد لا يستسلم “ربيع إنو ؤُ يدْجيشي ذلْمجرم، نتَّا يَازُو الكارمة، ؤ خا أَذَكسْ يِعِيش إن شاء الله”. هكذا كانت تبكي امرأة بحرقة مؤلمة، يوم النطق بالأحكام بمحكمة الاستئناف بالدار البيضإء. ببساطتها، دموعها وشعاراتها، كانت تردد اسم ابنها دون توقف أمام باب المحكمة. لقطة لا يمكن أن ننساها، ولا يمكن للتاريخ أن يكتب دون أن تكون تلك الدموع فصلا مهما، بل ومحددا فيه. امرأة أثبتت بمسارها وكفاحها فشل كل تلك الأطروحات، التي اعتبرت أن النساء اللواتي تربين في أوساط محافظة وفي مناطق مهمشة، ضعيفات وغير منتجات. إنها خالتي مليكة، من دوار بوسعيدة جماعة شقران، أم لثلاثة أولاد، توفي زوجها وتركها وحيدة لتوفر الإمكانيات المادية والحب والحضن لأولادها. بصوتها المؤثر والصادق، عادت خالتي مليكة ليوم اعتقال ربيع : “اليوم الأول من رمضان، كان بالضبط الأحد إن لم تخني الذاكرة، أعددتُ الفطور، وضعته على الطاولة، وقلبي يحدثني أن شيئا ما حدث لربيع، إذ ليس من عادته أن يتأخر في مثل هذه المناسبات. لم أتناول شيئا، فقط، بعضا من الماء كي أكسر الصيام . في اليوم الموالي، قبل السادسة صباحا، تركت أبنائي نائمين، وذهبت تائهة أبحث في الكوميسارية عن ربيعي . لكنهم لم يستقبلوني، ولم يرد أحد أن يدلني على مكان ابني . رغم كال ما عانيته طيلة حياتي، لم أحس أبدا العجز الذي أحسسته ذلك اليوم، وأنا أبكي أمام باب الكوميسارية، وحيدة وتائهة.” “ربيع عنيد ومغنان، كما نقول، نحن في الريف، عندما يقرر شيئا لا يتراجع عنه، وهذا ما كان يخيفني فيه أكثر، خصوصا عندما يضرب عن الطعام. كانت لي أحلام جد بسيطة، كنت أريد فقط، أن يعيش أبنائي بكرامة، وها هو ابني يضحي بسنوات من عمره من أجل أن ينعم الجميع بحياة كريمة. لم أكن يوما مناضلة، ولم أهتم يوما بالشأن السياسي، لكن ابني جعلني أتتبع الأخبار وكأنني أقتفي أثره وأنا أتصفحها، خصوصا عندما يكون مضربا عن الطعام. “حتى وهم يحاولون في كل مرة أن يخفوا عني إضرابه عن الطعام إلا أنني أحس به في كل مرة . الخوف أصبح مرافقي، الخوف عليه، الخوف على مصيره، والخوف على حياته . كنت دائما أكافح من أجل قوت يوم أبنائي، لكن الآن، تعلمت أن أكافح من أجل حرية ابني وحرية كل رفاقه.” “عندما أشارك في المسيرات والوقفات، أريد أن أخبر العالم بأن ربيع تساينو بريء . فرغم أننا لم نحصل على شهادات علمية كبيرة إلا أننا نفهم القيم والأخلاق جيدا، وهذا ما أرضعناه لأبنائنا، فكيف لهم أن يخونونا ويصبحوا كما صوروهم لنا”. “كل تلك اللحظات كانت قاسية، لحظة الاعتقال، وأول زيارة ولحظات النطق بالأحكام”. ابني لم يفارقني أبدا، لكنه الآن لا يأكل معي، لا يتحدث معي، ولا يعانقني بما يكفي . في أول زيارة له، كانت بعد شهر من اعتقاله، لأنه كان مضربا عن الطعام، وكانوا يخفون عني ذلك.” “كانت أول مرة أغادر فيها مدينة الحسيمة، وأسافر إلى مدينة أخرى. كنت خائفة كثيرا، خصوصا من مدينة مثل الدارالبيضاء، لكن الحب الذي وجدته في أهلها هوّن عليّ ألم الاعتقال، وألم السفر. كان ذلك العناق حارا، وكأن قلبي لم يكن معي وعاد من جديد، وكأني كنت متوقفة عن الحياة وتنفست من جديد. أنا الآن لست أما وفقط، أنا الآن أم لمعتقل، وأنا فخورة بهذا المعتقل وباختياراته. ” “أنا الآن، أفهم ما معنى أن تكون وطنيا . الوطني الحقيقي، هو الذي يحارب الفساد والظلم والحكرة، وهذا ما علمه لي أبنائي المعتقلين”. ” نحن اليوم، مناضلات من أجل الحق والحقيقة”. “تتبعنا المحاكمات وكأننا نعيش فيلما أو قصة خيالية، لقد ذبحتنا تلك الأحكام، وذبحتنا المسافات الفارقة مع أبنائنا. حق ابني من إفطار ذلك اليوم، بقي ينتظره لأكثر من أسبوع وقد قلت لأبنائي حقو ياكلو هو “لكن قدر الله وما شاء فعل.” “مرت أعياد كثيرة وربيع ليس معي، اكتفيت من هذا البعد، أريد حديث ربيع على مائدة الإفطار، أنفاسه في غرف المنزل، وصوته في كل صباح. أفرح كثيرا عندما يتم الإفراج عن المعتقلين، خصوصا أولئك الذين كانوا مع ربيع في الزنزانة، وأريد أن يخرج الجميع قريبا.” “البلدة تحتاج أن تفرح، لكن لا فرحة دون أن تكف دموعنا عن البكاء”. احيذار سعيدة لعين الحراك أم تحميه لا تسمع كلامها إلا قليلا، وعندما تحدثك لا تجد على لسانها إلا دعوات متواترة من أجل فرج أبنائها . كانت تحضر المحكمة بكل هدوء، وهي تتابع التحقيق مع ابنها. تبكي أحيانا، وترفع شارة النصر أحيانا أخرى . عندما كان محمد يجيب عن أسئلة القاضي، كانت تضع يدها على قلبها وتدعو له في صمت . وعندما كان يتأخر الوقت بالمحكمة كنت تجدها ممسكة بيد ابنتها وكأنها تحميها من ذلك الظلام، الذي كنا نجد أنفسنا أمامه بعد انتهاء تلك الجلسات الماراطونية . يكفي أن ترى الطريقة التي تحضن بها أبناءها حتى تفهم من أين لمحمد بكل ذلك الهدوء والتفاني . كنت أتابع عمل ابني عن قرب، وكنت أشاهد الصور التي يلتقطها، لقد كان عين الحراك التي لا تنام لكنه كان عيني التي أرى بها الحياة . امرأة من مدينة إمزورن، لم يكن في حسبانها أن أحد أبنائها سيصبح مسجونا، معتقلا وبعيدا عن المنزل، عن المدينة، وعن حضنها. تقول خالتي سعيدة بالكثير من الألم : خبر الاعتقال نزل عليّ كالصاعقة. لم أكن أتوقع أن ابني سيعتقل بتلك الطريقة . لم أره منذ اعتقال ناصر إلى حين زرته بسجن عكاشة. فراق عشته بألم، ووحدة والكثير من الخوف، فلم أكن أعرف مصير ابني ولا أحواله . أظن أن عشرة أيام التي قضيتها وأنا خائفة على اعتقال ابني، هي أقسى وأصعب شيء عشته في حياتي. عندما دخل عليّ في أول يوم للزيارة كان ضعيف البنية وثيابه مطبوعة بالدماء. شعرت بخوف رهيب وكان حدسي يخبرني بأن المقبل أصعب. تألمت حينها، ومازلت أعاني إلى اليوم… مهما حكينا، فلن نفلح في التعبير عن كل تلك الآلام التي عشناها منذ الاعتقال والنطق بالأحكام، إلى اليوم. علاقتي بمحمد كعلاقتي بجميع أبنائي الخمسة يطبعها الحب والمرح والكثير من الصدق. كان متتبعا منذ صغره لكل السلسلات وكان يحب الأدوار المرتبطة بالاكتشاف والانتصار للخير . وها هو اليوم، يضحي من أجل هذا الخير، ومن أجل اكتشاف هذه الحقيقة. محمد مميز بطبعه وطباعه! فهو حنون جدا، دائم المزاح، هادئ وذكي، وكان دائما يحصل على ما يريد بدون أي مجهود . لحد الآن، لم أجد سببا واحدا يجعل ابني يبقى في السجن طوال هذه المدة. اليوم الذي فرحت فيه كثيرا، هو يوم حصل على الإجازة، رغم أنه كان مسجونا. ابني حقق لي بعضا من أحلامي حتى وهو في السجن، وأتمنى أن يحقق حلمه بأن يكون صحافيا يوما ما. محمد لم تكن لديه إلا آلة تصوير ينقل بها كل ما يحصل في العالم . هناك من يتحدث عن المطالب بصوته، وهناك من يوصلها بالكتابة، وابني كان يوصلها بصوره . محمد لم يكن يوما عنيفا، ولم أسمع كلمة الانفصال يوما في بيتنا، إلى أن أصبحت أسمعها كل يوم بعد سجن ابني . عشنا حياة بسيطة، وسط عائلة دافئة، لكننا نفهم جيدا معنى التضحية من أجل الحقيقة . كلما خرج أحد أبنائنا، أفرح وأتمنى في اللحظة نفسها أن يأتي ذلك اليوم، الذي سيعود فيه محمد إلى منزلنا. فقد تعبنا من كل هذه المعاناة، ونريد أن نفرح قليلا بعد هذه المدة، وهذه السنوات التي لم نعد نريد حتى تذكرها. خالتي رحيمو سجينة لمرتين صاحبة الابتسامة الدائمة، والأم المناضلة، تقاسمت قساوة السجن مع ابنها لسبع سنوات ومازالت تحمل أحفادها لتتبعه في كل سجون الوطن . الأرملة، ابنة بني بوعياش، المنطقة المعروفة بنضالها، والقريبة من الحسيمة، لم تنعم برؤية ابنها حرا سوى شهر واحد بين اعتقاله الأول، بسبب مشاركته في مظاهرات 20 فبراير سنة 2012، واعتقاله الثاني بسبب إيمانه بمطالب حراك الريف. الحديث مع خالتي رحيمو ممتع دائما، فهي تجمع بين إيمانها بابنها، وعيها بسياق اعتقاله، كفاحها من أجل حريته، وبين فكاهتها ومرحها الدائم . خالتي رحيمو لم تترك مظاهرة، مسيرة، وقفة، ولا ندوة إلا وهتفت عاليا: أجلول امغناس…. تقول خالتي رحيمو: نفس الألم، نفس الحزن، ونفس الحرقة أحسستها في حكم محكمة الاستئناف بالحسيمة وحكم محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء . نفس الحكرة والظلم لحقنا، سواء بحكم خمس سنوات التي قضى منها الأستاذ جلول خمس سنوات، شهرين ويومين، وحكم عشر سنوات التي قضى منها سنتين لحد الآن . جملة رددتها خالتي رحيمو اختزلت ألم كل أم حرمت من ابنها، فقط لأنه قال كلمة حق، كتبها، وطالب بها . لقد زرت الكثير من المدن المغربية، لكني لم أر منها غير جدران السجن ولباس الموظفين. خالتي رحيمو، الأم التي لا تذكر اسم ابنها دون أن تربطها بالأستاذ، حفظت طرق السجون وعناوينها في كل المدن التي رحل إليها الابن الأستاذ. الأستاذ جلول لم يكن يستحق بتعبير خالتي رحيمو ذلك المكان، الذي رأته فيه في أول يوم زيارة له . ابني مكانه في حجرة الدرس كي يعلم الأجيال حب الوطن، وقيم الحرية والكرامة، وليس في الزنازين التي تعاقب على جرائم السرقة، والقتل ونهب المال العام. كان أول أيام الزيارة مليئا بالحزن، لم نكف أنا وابني من البكاء والعناق . لقد كان متعبا ومرهقا من أثر التحقيق . أحسست جيدا ألم الحكرة والظلم الذي كان يحسهما. لقد تعلمت مع ابني معنى النضال ضد الظلم، ومعنى الدفاع عن الحق مهما كان حجم التضحية . منذ اعتقاله في المرة الأولى، وأنا أعيش الحسرة والألم بسبب ما يعيشه أبناؤه وزوجته وعائلته. كنت أظن يوم النطق بالأحكام أن ابني سيعود معي، فهو بريء ولم يقم بأي شيء، ولم يؤذ بلده. لكني عدت وحيدة وأمامي 10 سنوات من العذاب والحرمان تنتظرني. لم تعد حياتنا كما كانت، لقد أصبحنا مشتتين ولم نعد نجتمع حول ابني لننعم بحمايته ودفئه. أنا الآن، أم مناضلة، أتتبع الأخبار وأشارك في كل التظاهرات ولا أمنية لي إلا أن يخرج الأستاذ جلول وباقي رفاقه. الحسيمة مظلمة فكل أبنائها إما مسجونون أو غادروا الوطن ،و كأننا نعيش في سواد. عندما خرج رفاق الأستاذ جلول مؤخرا أعادوا لنا الحياة والأمل في أن أبناءنا سيخرجون في القريب. ونحن نفرح لكل المبادرات التي يخرج من خلالها أبناؤنا ويعودون إلى منازلهم بعدما تركوها ظلما وكرها. خالتي رحيمو بكل الذكريات التي عشناها معها، تركت في أنفسنا جميعا، ذكرى امرأة طيبة ومكافحة . امرأة لا تريد من الحياة غير أن تنعم ببعض من الراحة وهي تشاهد تجمع أبنائها حولها، وابنها ينعم بالحرية طليقا يعلم أبناء الحسيمة القيم داخل أقسام الدراسة. لا بد أن تودعك خالتي رحيمو بنكتة أو قصة جميلة، وكأنها تخبرك بأن كلها أمل في أن الفرج قريب، وأن فرحة عودة الأستاذ لبني بوعياش آتية لا محالة