تحتاج الدراسة الوطنية، التي أنجزها المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول «الأسر والتربية»، إلى وقفة تأمل ونقاش جدي من كل المؤسسات المعنية بالتربية والتكوين، لأنها تعطي صورة أخرى سلبية عن التعليم في المغرب. من أبرز خلاصاتها الأولية، درجة الإنهاك الذي تتعرض له الأسر المغربية المتوسطة من أجل تعليم الأبناء، ومعاناة الفقراء مع التعليم العمومي. وقد بلغ معدل الإنفاق على كل تلميذ، في موسم 2017-2018، 11943 درهما في القطاع الخاص، مقابل 938 درهما سنويا بالقطاع العمومي. تتجاوز مصاريف بعض الأسر عن كل طفل 20 ألف درهم سنويا. ويكلف تمدرس الطفل المنحدر من 10 % من الأسر الميسورة 13,3 مرة ما يكلفه تمدرس الطفل المنحدر من 10 % من الأسر الفقيرة. وما يقارب 19 % من الأسر تصرح بأنها استلفت قرضا لتغطية تكاليف الدخول المدرسي لأطفالها. هذا يعني أنه كلما كانت الأسر ميسورة كانت لها فرص أكبر في حصول أبنائها على تعليم جيد، وضمان فرص أفضل لها، وكلما كانت الأسر فقيرة ومستوى الآباء التعليمي متدنيا، كان حصول أبنائها على تعليم جيد أمرا صعبا، وبالتالي، تكون فرصها أقل. تزكي هذه الخلاصة معطيات الواقع، فمعظم الطلبة الذين يلجون المدارس العليا للهندسة وكليات الطب في المغرب، قادمون من التعليم الخصوصي، فيما يلج معظم أبناء الأسر الفقيرة كليات الآداب والحقوق والكليات ذات الاستقطاب المفتوح، وقلة من النوابغ منهم من يلجون المعاهد وكليات الطب. مثلا، في كليات الطب اليوم، 60 في المائة من الطلبة قادمون من التعليم الخصوصي. بالعودة إلى نتائج الدراسة، فإن الأسر المتوسطة لا تثق في المدرسة العمومية، وتفضل أداء مصاريف تثقل كاهلها من أجل ضمان مستقبل أبنائها. 80 % من المستجوبين قالوا إنهم يفضلون التعليم الخصوصي بسبب توفره على أساتذة أحسن من التعليم العمومي، و70.1% قالوا بسبب توفره على البنيات التحتية أفضل من العمومي، و51.7 في المائة قالوا بسبب توفر المدارس الخاصة على الأمن أفضل من التعليم العمومي، و38.7 في المائة يرون أن الإدارة في التعليم الخاص تنصت أفضل إلى آباء وأولياء التلاميذ. تصرف الحكومة ميزانية ضخمة على التعليم العمومي، ترتفع سنة بعد أخرى، ولديها مدارس بمساحات كبيرة أفضل من القطاع الخاص، وتخصص ميزانية ضخمة لأجور الأساتذة، ومع ذلك، فإن التعليم العمومي في تراجع، والأسر لا تثق فيه وتفضل التعليم الخاص. ولعل النتائج الصادمة التي كشفتها الدراسة بشأن التعليم العمومي تغني عن التعليق؛ في السلك الابتدائي، 17.2 % متأخرون من حيث السن (15.20 % أعمارهم بين 12 و14 سنة، و2 في المائة أعمارهم بين 15 و17 سنة). لنتخيل أن تلاميذ أعمارهم ما بين 14 و17 سنة يدرسون في الابتدائي. في الإعدادي، فإن 32 % أعمارهم بين 15 و17 سنة، و5.30 % أعمارهم بين 18 و22 سنة، وفي التأهيلي، فإن 45 % أعمارهم بين 18 و22 سنة. ونسبة الأطفال غير المتمدرسين، والذين لم يلجوا المدرسة قط، تبقى مرتفعة أكثر في صفوف الشباب من 18 إلى 22 سنة ب%8,2، ونسبة الأطفال من 6 إلى 11 سنة غير المتمدرسين تصل إلى 4.5%. يفترض أن يكون هؤلاء أطفال في المدرسة، لكنهم لم يلجوها. أما الانقطاع عن الدراسة فهو مشكل آخر؛ 19,8 % من الأطفال والشباب بين 6 و22 سنة ولجوا المدرسة وانقطعوا عن دراستهم دون الحصول على الشهادة. ويعود سبب الانقطاع، حسب الاستطلاع، إلى الفشل الدراسي في الامتحانات والتكرار، بنسبة 33.8 في المائة، ثم بسبب دخل الأسر والفقر ب11.7 في المائة. وتصل نسبة عدم الحصول على شهادة، بالنسبة إلى الفئة العمرية فوق 15 سنة، إلى 50.1 في المائة، 57 في المائة منهم إناث. ويبقى أفراد الأسر المقيمة بالوسط القروي أقل حصولا على شهادة من أولئك المقيمين بالوسط الحضري.. ألا تستدعي هذه المعطيات، التي تكشف معاناة الأسر مع التعليم فضلا عن الصحة، وقفة تأمل لطرح سؤال: إلى أين نسير؟