خالد الحسن، الأمين العام لمؤتمر نصرة القدس: مرت أزيد من 70 عاما على نكبة فلسطين. ما هو تقييمك للوضع الفلسطيني الحالي؟ تحققت الكثير من الإنجازات المهمة بالرغم من الوضع الصعب الذي تمر منه القضية الفلسطينية، حاليا. أولها ظهور الثورة الفلسطينية، التي أكد من خلالها شعبنا العربي في فلسطين على نضاله المستمر من أجل تحرير بلده وأرضه، والتفّت الأمة العربية كلها حول هذه الثورة التي استطاعت أن تنتزع اعتراف العالم بأسره بحقوقها المشروعة. لكن هذا الاعتراف لحد الآن، لم يتمثل واقعا ملموسا على الأرض، وهذا شيء مفهوم بسبب الواقع العربي على الأرض، لأننا نعيش اليوم تبعية وتجزئة، ناهيك عن وجود الكثير من الأنظمة التي تعاني من خلل في علاقتها مع شعبها. القضية الفلسطينية ليست قضية تخص الفلسطينيين لوحدهم، بل هي قضية العرب جميعهم باعتبارها قضية تحرر وطني، لِما تمثله فلسطين للعالم العربي والإسلامي بوصفها أرض وقف إسلامي، وأيضا لما تمثله بالنسبة إلى أحرار العالم بوصفها آخر معقل للاستعمار المتربص بالشعوب. نحن في مرحلة مفصلية من الصعب أن نمشي قدما في تحقيق الإنجازات في ظل التجزئة والتبعية العربية الراهنة، لهذا نرى بأن كثير من الأقطار العربية الآن، تنتفض وهي تتطلع أن تمسك بمقاديرها ومقدراتها بأيديها، لكن مازلنا نحتاج إلى مرحلة من الوعي السياسي ندرك فيها أنه لا يمكن مواجهة التحديات الراهنة، سواء تعلق الأمر بتحرير فلسطين أو مواجهة التبعية الجاثمة على البلدان العربية، إلا بالعمل العربي المشترك، وأنا لا أعني في هذا المستوى الأنظمة العربية، لأنها للأسف الشديد أثبتت فشلها، في تحقيق هذا التضامن المنشود، ما دفع ملك المغرب أن يأخذ موقفا سلبيا من العمل العربي الرسمي. نحن الآن في مرحلة نحتاج فيها إلى عمل مشترك على مستوى الجماهير والقواعد العربية، وأنا أتصور أننا سنشهد عملا من هذا النوع خلال السنتين الثلاث المقبلة، وحينها سينتقل النضال من مرحلة الاعتراف بحقوق شعبنا العربي في فلسطين، إلى مرحلة إقرار هذه الحقوق، وهذا لن يكون إلا في ظل وحدة وعمل عربي مشترك وحقيقي. ما هي الأسباب التي جعلت حل أزمة فلسطين يراوح مكانه، ولم يستطع الفلسطينيون استرجاع أرضهم بعد كل هذه المدة التي مرت على نكبتهم؟ أنت تعرف أن الجزائر بقيت ترزح تحت الاحتلال الفرنسي 130 عاما، وأرضنا تحت الاحتلال الصليبي 200 سنة، فيما قضى الفيتناميون، أيضا، حوالي 200 سنة إلى أن استطاعوا أن يحققوا وحدتهم. بالنسبة إليّ النضال ليس قضية عابرة في فلسطين، فحل أزمتها سيشكل منعطفا سياسيا واستراتيجيا حاسما ليس على صعيد الأمة العربية العربية، بل على الصعيد العالمي، لأنه سيعني عربيا انتقالنا من مرحلة الانفعال بالآخرين والتبعية لهم، إلى مرحلة نَقُودُ فيها أمورنا بأنفسنا، ونحقق وحدتنا ونحصل على الموقع الذي نستحقه وتستحقه حضارتنا على المسرح العالمي، وهذا سينعكس على صعيد الموازين الدولية كلها، لأننا يجب أن ندرك أن الأمة العربية عندما كانت قوية نجحت في الإمساك بمقاليد أمورها، سواء عندما جاء الإسلام أو في حالات النهوض في الحضارات القديمة. الذي ننتظره اليوم، ليس عصيا على التحقق أو يشكل استثناء، لكن في ظل التجزئة القائمة يجب ألا نتصور أن ما هو قائم في الشرق الأوسط، هو نتيجة العجز الفلسطيني، الفلسطينيون يناضلون كل يوم ويسقط منهم الشهداء يوما بعد يوم، كما أنهم لم يتقاعسوا يوما عن النضال وعن مواجهة العدو، وهم متمسكون ومصرون على تحرير بلادهم حتى تحرير آخر شبر في بلادهم، وفي تل أبيب عينها، وليس فقط في الأراضي التي احْتُلّت عام 1967 . يجب أن ندرك أن العجز القائم في جوهره، هو عجز الأنظمة العربية، وعجز الشعب العربي عن تنظيم نفسه، ليحقق استقلاليته ويحرر نفسه من التبعية، وينجز مهام تحرره من الاحتلال والاستعمار، ومن ثم يمضي نحو صنع المستقبل، وأمامنا مثال الصين الناصع، التي كانت مقسمة إلى أكثر من محتل (من خمس دول)، واستطاعت أن تنهض وتتوحد من الاستعمار ومن الاحتلال، وقضت أكثر من 40 عاما، إلى أن بدأت تصنع في ظل وحدتها تقدُّمها الراهن الذي نقلها قرابة العقدين من الزمن إلى مصاف الدول الأولى على الصعيد الدولي. هل تعتقد أن عجز الأنظمة هو السبب الوحيد في فشل حل أزمة فلسطين، لأن هناك من يتحدث أن خيانة القضية قد تكون سببا آخر لهذا الفشل؟ هل تتفق مع هذا الرأي؟ يجب أن ندرك بأن التجزئة العربية هي نتاج للتبعية، وهي الوجه الآخر للصهيونية. هناك صهيونية عربية تتمثل في التجزئة والتبعية، القضية ليست قضية خيانة، فالملك فيصل قُتل وصدام حسين قُتل، وياسر عرفات قُتل أيضا، ونشاهد المؤامرات في المنطقة، ثم لدينا أكثر من زعيم عربي واجه ولم يتراجع، لكن في ظل التجزئة العربية نحن عاجزون عن تحقيق تطلعاتنا في الازدهار وتحقيق التنمية والارتقاء، وطالما التجزئة قائمة، فالتبعية قائمة أيضا، وساعتها سنكون عاجزين عن أن نوظف قدراتنا ومواردنا لتحقيق الأهداف، وهذا تحصيل حاصل. الخيانة في اعتقادي، ظاهرة تحدث دائما، ليس هذا هو الجوهر، فصدام حسني وياسر عرفات لم يكونا خائنين، بل ذهبا شهيدين، لكن موازين القوى في ظل التبعية لا تسمح بتحقيق المراد. الشارع العربي اليوم، مقتنع بالعجز البنيوي للأنظمة العربية، وليس هناك من يتصور بأن الأنظمة العربية قادرة على التغيير، يجب أن ننتقل إلى مرحلة أخرى ندرك من خلالها أن تجاوز هذا الوضع لا يكون إلا من خلال تحقيق الوحدة والتضامن العربيين كمدخل للتحرر من التبعية. عندما سيصبح هذا الأمر هو قناعة الشارع العربي، أتصور أننا سنكون في وضع يمكن في ظله أن نحقق انتصاراتنا وتطلعاتنا للتحرر من الصهيونية وتحرير بلادنا وإقامة التنمية ونوظف قدراتنا كما نريد، ويكون نفط وموارد العرب للعرب، ويصبح العمل العربي موجها لتحقيق الانتصار، ولا يبقى العرب لاجئين مشتتين في أقطاب الأرض وأصقاعها. مازال التطبيع مع إسرائيل يعتبر تحديا يُضاف إلى مخاطر تهويد مقدسات فلسطين، كيف السبيل لمواجهة هذا التحدي؟ وهل يمكن التغلب عليه ومواجهته؟ أحب أن أؤكد أن قضية فلسطين هي قضية عربية وليست قضية فلسطينية، وحسب، ذلك أن الفلسطينيين بحكم أنهم يوجدون في فلسطين، هم من طليعة النضال العربي من أجل التحرر. مناهضة التطبيع هو شيء مطلوب، لكن المطلوب هو وحدة الشعوب العربية من أجل التحرر من التبعية والاحتلال والاستعمار، فهذه مصر أبرمت معاهدة كامب ديفيد ولم يحدث التطبيع، لأن شعبنا العربي في مصر يرفضه، وشعبنا، أيضا، في المغرب يرفضه، وفي كل مكان، وإذا حدثت أمور هنا وهناك، فبسبب التبعية والتجزئة العربية الراهنة. الهدف الأساس الذي يجب علينا تحقيقه الآن، هو تأكيد وعينا بوحدة قضايانا العربية، وبأنه لا مخرج من هذا الوضع المتأزم، إلا بالوحدة والتضامن العربي والعمل العربي المشترك، ولا سبيل إلى تحقيق أهدافنا إلا بالتحرر، وهذا لن يكون إلا بالوحدة المشتركة، إذا لم تتحقق هذه الأمور، فمناهضة التطبيع ستظل موضوعا يراوح مكانه. أنظر إلى شعبنا في داخل فلسطين، فهو مضطر لأن يتعايش مع العدو الصهيوني، لكنه، أيضا، لن يتوقف عن النضال وعن المواجهة، فالتطبيع قضية مهمة، لكنها ليست هي الأساس، والأهم هو المواجهة وتعبئة قدراتنا العربية وشعبنا وجماهيرنا العربية حول الهدف المشترك، وأن ندرك أنه لا مستقبل للتنمية لا في مصر أو المغرب أو في أي بلد آخر بعيدا عن التحرر من التبعية، وعن العمل العربي المشترك، وأمامنا أيضا مثال كل من العراق ومصر، اللذين بذلا كل ما يمكن القيام به ولم ينجحا. السعودية ودول الخليج بكل ما لها من إمكانيات عندها أزمات أمنية، لذلك فالشعار الذي ينبغي أن يكون هو: الشعب يريد الوحدة والتحرر من التبعية، وهذه هي شعارات الأعوام القليلة المقبلة، والتي عبرها سننتقل إلى تحقيق أهدافنا في الحرية والوحدة والعزة، ففي اعتقادي لا يمكن أن يكون حل الأزمة الفلسطينية بيد الأنظمة لأنها فشلت في ذلك. هناك مجموعة من التحركات الدولية والإقليمية التي تقودها أمريكا ترامب لحل إشكال فلسطين، إلا أن الملاحظ، حسب المتتبعين، هو الانحياز المفضوح لأمريكا لدعم إسرائيل، ما هو تعليقك على صفقة القرن التي يروج لها حاليا؟ هناك موقف فلسطيني موحد ومشترك على مستوى القيادات في الرفض القاطع لصفقة القرن، سواء تعلق الأمر بقيادات حركة فتح أو بحركة حماس أو بغيرها من القيادات، ناهيك عن الموقف الشعبي الكامل الذي يجمع على رفض هذه التسوية. ما أريد التأكيد عليه هو أن هذه المحاولة ليست الأولى، إذ في أوائل الخمسينيات كانت هناك محاولات لتوطين الفلسطينيين في كندا وفي أستراليا، وكانوا في وضعية صعبة في المخيمات، لكن كان الرد هو تأسيس الثورة الفلسطينية، وهذه ليست أولى المحاولات ولن تكون الأخيرة، لكن الأخبار السارة في هذا الأمر هي علامات الفشل التي بدأت تظهر على هذا المشروع، وحتى الصهاينة يعتبرون هذا الفعل ليس من الفعل الاقتصادي، بل من الهرطقة الاقتصادية، ويعتبرون ترامب مهرطِقا اقتصاديا، وهو يخبط خبط عشواء، كما أقروا بأنه لا يمكن أن يكون الحل الاقتصادي هو الحل السياسي. أنا في تصوري أن هذه الصفقة ليست هي أولى المحاولات ولن تكون الأخيرة، لكن الواضح أنها ستكون فاشلة، لأنه كان واضحا الإجماع العربي الشعبي والدولي الرافض لهذه الصفقة التي تدير ظهرها للشرعية الدولية، إضافة إلى أن الأنظمة العربية لم تجرأ أن تمضي قدما مع الإغراءات الأمريكية، على الرغم من الزخم الذي حاول ترامب أن يعطيه لهذه الصفقة. وأنا هنا أعتقد أن الانحياز الذي تحدثت عنه شيء إيجابي لأنه سيؤكد أن القضية الفلسطينية لا يمكن تجاوزها إلا بإقامة سلام قائم على العدل وعلى الإنصاف، وهذا لن يكون إلا بتصفية الحركة الصهيونية على الأرض العربية في فلسطين وفي خارجها.