أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع ما الذي تغير على أرض فلسطين بعد أزيد من 70 سنة عن وقوع نكبتها؟ ثم ما هو تقييمك للوضع الفلسطيني اليوم، هل هناك بوادر انفراج تعيد للفلسطينيين أرضهم؟ هناك مقولة، هي بمثابة وصية، لمؤسس الكيان الصهيوني وأول رئيس لوزراء أول حكومة له؛ دافيد بنغوريون. وصية بنغوريون لسكان ما يسمى “إسرائيل” تلح عليهم أن يحزموا حقائبهم عند أول حرب تقام على أراضي “إسرائيل “. فقد خطط رواد الحركة الصهيونية، وفي مقدمتهم القادة الميدانيون منهم، وفي مقدمة كل هؤلاء أب الكيان، بنغوريون، كي تندلع الحروب على العرب في أراضيهم، وليس في الأراضي التي يتم احتلالها وتصبح “أراض محررة” بالتعبير الصهيوني. وهذا ما يندرج في الاستراتيجية التي بناها بنغوريون على أساس نظريته التوسعية التي سمّاها؛ “قضم الأطراف”. فكل مساحة يتم احتلالها يتم ضمها ويتم التخطيط لمجازر وحروب أخرى على أطراف المساحة المحتلة لاحتلالها، ثم ضمها والتخطيط فتنفيذ مجازر جديدة لمزيد من الضم وهكذا… فمن لا شيء إلى 2 في المائة من الأراضي الفلسطينية قبل سنة 1947، إلى تقسيمها بين العرب واليهود، ثم نشوء الكيان على أساس هذا التقسيم بالأراضي المحتلة سنة 1948 بالضفة الشرقية لنهر الأردن فيما سمي النكبة، ثم اكتساح ما تبقى من أراضي فلسطين؛الضفة الغربيةوالقدس وقطاع غزةوسيناء المصرية والجولان السورية فيما سمي النكسة لسنة 1967، ثم احتلال جنوب لبنان سنة 1978، فاجتياح بيروت سنة 1982… وهنا سيبدأ العد العكسي لدينامية جديدة في الاتجاه المعاكس. لقد خططت الصهيونية العالمية، بتنسيق ورعاية الإمبريالية العالمية منذ نهاية القرن 19 في مؤتمر بازل في سويسرا وبدايات القرن العشرين، على هامش مؤتمر بانيرمان، ولا سيما منذ وعد بلفور وأوفاق سايكس/ بيكو، لإنشاء وطن قومي لليهود، فيما سيتم خلقه من فضاء جيو استراتيجي لإسرائيل الكبرى يمتد من نهر النيل بمصر، إلى نهر الفرات بالعراق، وهو ما يرمز إليه علم الكيان؛ نجمة داوود السداسية الزرقاء (إسرائيل الكبرى) بين خطين زرقاوين؛ النيل والفرات. كان المخطط يجري على قدم وساق كما رأينا من خلال خلق النواة، ثم التوسع والتمدد حتى اجتياح بيروت سنة 1982. هنا ستخلق الدينامية الاستعمارية التوسعية الصهيونية نقيضها، وفق القانون الطبيعي للفعل ورد الفعل. اتقدت جذوة المقاومة، وازدادت اشتعالا لما انضاف إلى فصائل الحركة الوطنية اللبنانية والفصائل المقاومة الفلسطينية عنصر جديد وفصيل جديد سينمو ويتمدد وتنمو معه وتتمدد وتتقوى المقاومة المسلحة للاحتلال، إنه “حزب الله”، الذي ولد في مخاض احتلال بيروت ومجازر صبرا وشاتيلا التي هزت العالم كله.. هنا ظنت الصهيونية وكل القوى الاستعمارية، لا سيما بعد إجلاء المقاومة الفلسطينية من لبنان وتشتيتها عبر العالم أن الأمر قد انتهى.. لكن المقاومة ستشتعل أكثر وتتحرر بيروت.. ومع مقاومي حزب الله في طليعة المواجهة سيندحر الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان سنة 2000.. سينسحب الاحتلال من سيناء ثم من قطاع غزة… إلخ.. وتسقط نظرية قضم الأطراف بكل هذا الانكماش بعد كل ذلك التمدد والتوسع . ثم تأتي سنة 2006 وتنبنى موازين قوى جديدة ويتحقق الردع وتتبدل كل المعادلات، لا سيما بعد معادلات؛ “حيفا وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا”.. ثم بعدما سقطت صواريخ كتائب القسّام وسرايا القدس وكل الفصائل الفلسطينية الأخرى بمغتصبات أسدود وعسقلان، بل وبتل أبيب. ثم جاءت معادلات “إذا قصفتم مطار الشهيد رفيق الحريري سنقصف مطار بنغوريون”، ومفاجأة الباخرة ساعر، والصيحة المدوية للسيد نصر الله: “… انظروا إليها إنها تحترق وستغرق…”… إلخ…، ثم بعد كل ذلك التهديد بمعادلة: قصف “أحواض الأمونياك بحيفا” و”مفاعل ديمونة بصحراء النقب”. هنا نهاية المطاف.. وهنا سقط المشروع الصهيوني كله.. لا إسرائيل الكبرى ولا حتى إسرائيل صغرى.. نحن الآن فيما يعبر عنه الفرنسيون بقولهم: Sauve qui peut! في اعتقادي هي مسألة وقت.. فرغم كل الترسانة من الأسلحة القوية والمتطورة والكثيرة، وكل الدعم من القوى الإمبريالية وأمريكا.. كل هذا، وهو واقع وحقيقة، لكننا نرى كل هذا سينهار ويتفكك وينتهي.. كيف؟ بسلام، بحريق مهول يحرق المنطقة كلها قبل أن يتحقق. لست أدري.. لكن منطق التاريخ هكذا يقول. من كان يظن أن شعبا فقيرا مثل الفيتنام سيدحر فرنسا وبعدها أمريكا. ثم من كان يتصور أن تخرج فرنسا من الجزائر التي احتلتها لمدة قرن و30 سنة، وكانت تعتبرها إقليما فرنسيا لما وراء البحار. لكن، رغم القوة الغاشمة، اندحرت.. القصة كلها اليوم هي: هل سيعمل الصهاينة بوصية مؤسس كيانهم الداهية بنغوريون، فيحزمون حقائبهم لينجوا بأنفسهم أم إن الغرور سيجعلهم يتشبثون بمغتصبات ليست لهم ويبقوا بها حتى يحترقون داخلها بلهيب حريق عظيم مقبل للمنطقة هناك؟ ألا تعتقد أنه بعد مرور كل هذه المدة قضية فلسطين تراوح مكانها وعصية عن الحل، والفلسطينيون لم يسترجعوا أرضهم بعد، ما هي أسباب ذلك؟ أعتقد أن الأمر يتعلق بطبيعة الصراع. فمشروع الصهاينة هو بناء إسرائيل الكبرى. هذه هي استراتيجيتهم. وكل شيء يناقض هذا المشروع، وكل ما يلتزمون به أمميا، من أوفاق ومعاهدات، إنما هو تكتيك. فالكيان الصهيوني، هو الكيان الوحيد الذي لا يريد أن يحدد، رسميا حدودا لما يسمى دولته. هذا من جهة. أما من جهة الفلسطينيين، فبالنسبة إلى الفصائل والكتائب المقاومة فالصراع هو صراع وجود وليس صراع حدود. أما بالنسبة إلى جماعة السلطة ومحمود عباس، فإنهم اصطدموا دوما بعبثية المفاوضات، وبما يسمى “المنتظم الدولي”، الذي لا يستطيع أن يضمن شيئا أمام اللوبي الصهيوني وغطرسة الولاياتالمتحدة المنحازة كلية للكيان الصهيوني. وهكذا تبقى الأمور تتقدم خطوة هنا لتتقهقر خطوتين هناك، وتبقى الأحداث تدور في دوامة لا شيء يظهر في أفق كسرها. ولا نرى فيما يتم محاولته تحت العناوين المستجدة، كما يسمى “صفقة القرن” إلا مزيدا من التأزيم لما هو في أوج أزمته أصلا. ستبقى القضية الفلسطينية، في رأينا، هكذا ما شاء الله لها أن تبقى.. ثم تنفجر انفجارا عظيما لقوة الضغط عليها.. وأعتقد أن الانفجار العظيم في فلسطين ستهتز له كل المنطقة اهتزازات ستقلب كل الأوضاع، ولن يسلم من هذا الانفجار أي قطر من الأقطار. وسيتغير وجه المنطقة كلها . مازال التطبيع مع إسرائيل يشكل تحديا يُضاف إلى معاناة الشعب الفلسطيني، هل تعتقد أنه بالإمكان التغلب عليه ومواجهته داخل الدول العربية؟ التطبيع مع الكيان والاختراق الصهيوني هو من الخطورة بحيث يمكن القول إنه هو التحدي الأخطر في كل الأمة اليوم. ذلك أن المشكل مع الكيان الصهيوني لم يعد ينحصر في البطش الذي يعاني منه الأشقاء الفلسطينيون والتنكيل الذي يطالهم يوميا من عصابات جيشه، بل إن خطره لو يوفر أي قطر من الأقطار، ونحن نرى مشاريعه التخريبية في كل المشرق العربي، من العراق إلى سورياولبنان واليمن والسودان.. وفي ليبيا وتونس، واليوم في الجزائر. أما في المغرب، فيتم تحضير مخطط تخريبي لتقسيم المغرب إلى دويلات بخرائطها وأعلامها وحتى أناشيدها الوطنية.. وكل ذلك تحت إشراف ضباط سامين في جيش الحرب الصهيوني.. وسبق أن أشرنا إلى ذلك مرارا وتكرارا، وقد أصدرنا الأسبوع الماضي كتابا مفصلا وموثقا في الموضوع بعنوان: بيبيو! الخراب على الباب. أما مواجهة التطبيع والاختراق فهو، فضلا عن كونها واجبا وطنيا، فهي اليوم ضرورة حيوية، لأن الخطر ماحق وجدي ووجودي. وهي مسؤولية الجميع كل من موقعه لا جدال في الأمر . ما هو تعليقك على صفقة القرن التي تروج لها أمريكا؟ ما يسمى صفقة القرن سقطت بكل معاني السقوط حتى قبل إطلاقها وقمة المنامة مولود ميت قبل الوضع، ومن هنا أحد معاني السقوط؛ الإسقاط؛ أي الإجهاض.. مؤتمر المنامة أُجهض.. وهي كسابقاتها من الصفقات، ك”الشرق الأوسط الكبير” وغيرها .. كلها أُفلِست وستفلس، لأن كل منطلقاتها هي خدمة الكيان الصهيوني، ولا توفر أي حد أدنى لإنصاف الشعب الفلسطيني وتحقيق حتى الحد الأدنى من حقوقه. أما حدوث الانفراج في أزمة القضية الفلسطينية، فنرى أنه مقبل، لكن بأي معنى؟ هناك مقولة عند العرب تقول: “اشتدي أزمة تنفرجي”.. وهي اليوم، في أشد اشتداداتها، ولذلك نتوقع انفراجا لها في كل الأحوال.