محمد شقير الخبير في العلوم السياسية والدستورية من أين اكتسب الراحل الحسن الثاني شخصيته العلمية والفقهية التي خطف بها الأضواء في دروسه الحسنية؟ صفة الملك كأمير للمؤمنين تفرض تكوينه بشكل خاص، إذ المعروف أن المدرسة المولوية عندما يلجها ولي العهد، فإنه يتلقى تربية دينية خاصة، وفق برنامج يومي يبتدئ بحفظ بعض السور القرآنية، دون أن ننسى، أيضا، أن الملك الراحل تتلمذ على يد مجموعة من جهابذة الفقه الإسلامي من خريجي جامعة القرويين، التي تخرج منها مجموعة من العلماء الذين لعبوا أدوار مهمة في تكوين شخصية الحسن الثاني على المستوى الديني والفقهي، بالإضافة إلى شغفه الكبير بكل ما هو ديني وفقهي أكسبه ملكة فقهية وعلمية مميزة، وهو التكوين الشرعي الشبيه بما كان يتصف به السلطان سيدي محمد بن عبد لله، الذي كان على درجة عالية من التفقه في الدين، إذ معروف عنه أنه كان يناظر الفقهاء والعلماء الذين كان يستضيفهم في المجالس العلمية التي أطلق عليها الحسن الثاني الدروس الحسنية، وهي الدروس التي أعاد الملك الراحل الحسن الثاني إحياءها بداية حكمه. التوكيد على هذه التسمية كانت تفرض على الملك أن يعكس الصفة الشرعية لإمارة المؤمنين، حين ألقى بعضا من الدروس الحسنية بنفسه، أو حتى حين ناظر بعض الفقهاء أو قدم بعضا من تفسيراته واجتهاداته الفقهية والعلمية لبعض السور القرآنية. صفة أمير للمؤمنين وخليفة المسلمين، تفرضان أن يتلقى الملك تكوينا شرعيا، ويحيط به ثلة من الفقهاء الذين يلقنونه المعلومات الشرعية. الراحل الحسن الثاني كان يتوفر على تكوين شرعي ويتميّز بشخصية علمية، وله جرأة علمية لمناظرة مجموعة من الفقهاء والعلماء، ويحاول إبداء وجهة نظره. عندما قام الملك الراحل الحسن الثاني، بإعادة إحياء الدروس الحسنية، كان هناك صراع بين الملك وبعض من مكونات المشهد السياسي آنذاك، وخاصة مع اليسار، فرض على الحسن الثاني أن يظهر ملكاته الدينية، وباعه الطويل في المجال الشرعي، فحين كان يناظر الفقهاء، فإنه في الوقت عينه كان يبعث رسائل سياسية، مفادها أن الدروس الحسنية ليست فقط، عبارة عن مراسيم بروتوكولية دينية، بل هي تبرز تكوينا وملكات شرعية كان يتوفر عليها ملك البلاد، وله إمكانات شرعية للاجتهاد في الدين وإبداء الآراء الفقهية، وهي الصفات التي كان يركز عليها ويحاول إظهارها من خلال إبداء رأيه المخالف لبعض العلماء الضيوف. يبدو أن الراحل الحسن الثاني اكتسب تكوينه الشرعي وشخصيته العلمية من خلال مميزات خاصة كان يتصف بها؟ ما هي هذه المميزات في اعتقادك؟ الملك الحسن الثاني كان لا يكتفي فقط، بالمطالعة أو البحث في العلم الشرعي، فإلمامه الواسع بالاجتهادات الفقهية لعب دورا مهما في تكوين شخصيته العلمية المثيرة، دون أن ننسى حرصه على إحاطة نفسه بمجموعة من العلماء والفقهاء، سواء كمستشارين أو خبراء، كل هذا لم يمنعه، أيضا، من أن يكون عالما ومتفقها، فالمناخ المحيط بالحسن الثاني كان يفرض عليه أن يعمل على البحث والإلمام بكل القضايا الفقهية والدينية، خاصة أن الأمر كان مرتبطا بالسياق المحلي الذي كان يحرص فيه الملك على إرساء نظامه السياسي الذي كان يرتكز على ما يُسمى بالتقليدانية، التي كان البعد الديني أحد مرتكزاتها، وهو الأمر الذي فرض على الملك أن يكون ملما بالجانب العلمي والفقهي، وحتى خرجاته الدينية لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت مبرمجة بعناية، ومخطط لها، لذلك كان الملك حريصا على التهييئ لهذه الدروس التي كان يترأسها بنفسه ويقوم بالتأشير على مواضيعها، فتدخلاته وخرجاته لم تكن تلقائية، كما أنها لم تكن تعود إلى درايته وإلمامه بالأمور الفقهية والشرعية، بل إن كل خرجاته الدينية كان مخططا لها، خاصة أن الدروس الحسنية هي آلية من آليات تقوية نفوذ السلطة الدينية للملك. ما لذي دفع الملك الحسن الثاني إلى إلقاء دروس فقهية بنفسه بداية حكمه؟ ينبغي أن نشير أن هذه المرحلة التي ألقى فيها الملك، دروسا حسنية بنفسه، كانت مرحلة ساخنة من الناحية السياسية، ما بين الملك الراحل الحسن الثاني وبين المعارضة، وهي سنوات الستينيات من القرن الماضي التي تميزت بتقعيد سلطته الدينية، عن طريق فرض وإحداث الكتاتيب القرآنية، وتدريس التربية الإسلامية. ومن هنا، فإلقاء الحسن الثاني للدروس الدينية بنفسه هو إبراز لشخصيته الفقهية وتكريس لشرعيته وسلطته الدينية التي اكتسبها من حمله لصفة أمير المؤمنين، في مواجهة المعارضة التي تزعمها اليسار. ما هي دلالات ومعاني تقمص الحسن الثاني جُبة الفقيه والعالم في الدروس الحسنية التي ترأسها؟ ينبغي أن نعلم أن من شروط الخلافة أن يكون الخليفة أو السلطان عالما، ومن ثم، فالحسن الثاني عندما كان يمارس مهاما دينية، فهو كان يؤكد على توفره على شرط العلم، إلا أنه ينبغي الإشارة هنا إلى أن الملك الراحل مارس اختصاصاته الدينية في إطار سياسي، فهو كان يعمل على تكريس سلطته الشرعية التي ابتدأت مع دستور سنة 1962، ولكن كُرّست، كذلك، عمليا من خلال عمله في مواجهة اليسار، فهو كان حريصا على التوكيد على أنه كأمير للمؤمنين كان يتوفر فيه شرط العلم، والإلمام بكل الآراء الفقهية، وهذا ليس بجديد في التاريخ السياسي للمغرب، فكل الأمراء والسلاطين منذ زمن المرابطين والموحدين، كان شرط العلم يتوفر فيهم، فتسيير دفة بلد إسلامي، كان يفرض أن يكون المرء على إلمام شديد بكل مكونات الشرعية للإسلام، وهو ما ثم إبرازه من خلال حرص الملك على أن يكون ملما بالشؤون الدينية ويعمد على إلقاء الدروس الدينية بنفسه.