بعدما استجابت لملتمس بالتأخير من أجل الإطلاع على وثائق الملف وإعداد الدفاع، خلال الجلسة الأولى الملتئمة الخميس المنصرم، تعقد غرفة الجنايات الابتدائية بملحقة سلا المكلفة بقضايا الإرهاب، الخميس 16 ماي الجاري، الجلسة الثانية من محاكمة المتهمين ال 24 في جريمة “إمليل”، وهي الجلسة التي من المقرر أن تستهلها بالتأكد من حضور المتهمين، قبل المرور، في حالة عدم التقدم بأي ملتمس جديد بالتأخير، إلى مرحلة الدفوع الشكلية من طرف دفاع المتهمين. تاريخ الجلسة الثانية يتزامن مع مرور 16 سنة على التفجيرات الإرهابية بالدار البيضاء في سنة 2003، التي أسفرت عن مصرع 45 شخصا، بينهم 12 انتحاريا، وإذا كان عدد الضحايا كبيرا في هذه التفجيرات مقارنة مع جريمة إمليل، فإن المحاكمتين تتشابهان في اتهام مواطن أجنبي محوري في كلا القضيتين: المواطن الفرنسي “روبير ريتشارد أنطوان”، المدان بالسجن المؤبد في تفجيرات 16 ماي من 2003 بالدار البيضاء، والذي أعلن، بعد حوالي خمس سنوات من الحكم عليه، خروجه من الإسلام، والرجوع إلى الدين المسيحي، والمواطن السويسري/الإسباني، “كيفن زولير جيرفوس”، المتابع في جريمة ذبح السائحتين الاسكندافيتين بجبل توبقال، بصك اتهام ثقيل يتعلق ب”تكوين عصابة لإعداد وارتكاب أفعال إرهابية تهدف إلى المس الخطير بأمن الدولة، وتقديم المساعدة عمدا لمن يرتكب أفعالا إرهابية، وتدريب أشخاص من أجل الالتحاق بتنظيم إرهابي، والإشادة بأفعال وأعمال إرهابية، وتنظيم اجتماعات بدون ترخيص”. خلوات في السجن والجبل تؤكد الأبحاث الأمنية والقضائية بأن الجريمة المروعة في إمليل سبقتها خلوات تنظيمية وفكرية للمتهمين الأساسيين فيها، سواء خلال الاجتماعات التي كانوا يعقدونها في السجون التي كانوا يقبعون فيها في قضايا إرهابية، وهي الاجتماعات التي تتمحور حول مواضيع “الجهاد”، أو بعد مغادرتهم لأسواره، حيث كانوا يفضلون الانتقال إلى بعض المنتجعات الجبلية التي تحتضن لقاءات للدخول في مرحلة الإعداد وتنفيذ هذه “المشاريع الجهادية”. روى المتهم “هشام.ن”، المعروف بلقب “الزلايجي”، خلال الاستماع إليه من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، قصة لقائه الأول ب”عبد الصمد.ج”، المعروف بلقب “أبو مصعب” و”أبو أسية”، موضحا بأنه كان يقضي عقوبة حبسية في “قضية إرهابية”، مدتها سنتان اثنتان، بسجن سلا، وهناك تعرّف على العديد من المتعقلين السلفيين المتبنين للفكر الجهادي، والذين كان يجتمع بهم ويناقش معهم مواضيع ذات طابع جهادي، ومستجدات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، مؤكدين استمرارهم في موالاتهم لهذا التنظيم. كما أشار إلى أنه، ومن خلال اللقاءات الفردية التي كانت تجمعه مع “عبدالصمد”، داخل المؤسسة السجنية المذكورة، أسرّ لهذا الأخير برغبته في تنفيذ مشروع جهادي مستقبلي في المغرب بعد خروجه من السجن، من خلال القيام بالعديد من العمليات من قبيل الاستيلاء على شاحنة لجمع النفايات، تابعة لشركة أجنبية تتولى تدبير قطاع النظافة بمراكش، وتفخيخها بالمتفجرات، قبل تنفيذ عمليات “استشهادية” ضد “أهداف حيوية” بالمدينة، كمقر ولاية الأمن، والثكنات العسكرية، وهو الأمر الذي باركه عبدالصمد، والذي صرح تمهيديا بأنه وبعدما فشل في الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية بسوريا، قرر الاستعاضة عن ذلك بالتخطيط والإعداد لتنفيذ “مشاريع جهادية” في المغرب، والتي كانت تتنوع ما بين مهاجمة مؤسسات سياحية بمراكش، من قبيل فندق “ساميراميس” بشارع عبدالكريم الخطابي، وقصر “علي بلفلاح”، والقيام بعمليات انتحارية في مهرجان فنية، كمهرجان “كَناوة” بالصويرة، بحكم انتماء أحد المتهمين معه إلى هذه المدينة، فضلا عن استهداف مصالح أجنبية ومقرات قوات الأمن بغرض الاستحواذ على أسلحتها الوظيفية، بل لقد كان مقررا حتى الاستيلاء على شاحنات واستعمالها في دهس ضحايا في الشارع العام. بعد خروجهم من السجن، اتفقوا على أن يمروا إلى مرحلة التنفيذ، واقتنعوا بأن الهدف هو النصر أو الشهادة، وكان المتحدثون خلال الاجتماعات الإعدادية غالبا ما يستشهدون بحديثين نبويين مفادهما بأن “الكافر وقاتله لا يجتمعان في النار” وأن “الكافر حلال الدم والمال”، وأن العمل “الجهادي” المقبلين عليه من شأنه استنهاض همم الموالين لتنظيم داعش في المغرب، قبل أن ينشر أحد المتهمين الرئيسيين، ويُدعى “رشيد.أ” تدوينة على تطبيق تلغرام تقول: “ادعوا الله لي.. سأقوم بعمل في سبيل الله”. ترصد في الجبل بعدما تخلص عبدالصمد وثلاثة من مرافقيه من مظاهر التدين، توجهوا إلى منطقة أسني على متن سيارة أجرة كبيرة، وبحوزتهم سكاكين ومُديات كبيرة وخيمة تعود ملكيتها إلى “رشيد.أ”، ثم انتقلوا إلى إمليل، التي اقتنوا فيها مواد غذائية وقنينة غاز صغيرة وست بطاقات تعبئة للاتصالات الهاتفية ولبث فيديوهات على الأنترنيت توثق بَيْعتهم لزعيم تنظيم “داعش” وعملياتهم الإرهابية المقررة. من إمليل تسلقوا قمة توبقال في رحلة ترصد وتربص بضحايا مفترضين، خاصة من السياح الأجانب، في البداية صادفوا سائحين على متن دراجتين هوائيتين، استلوا أسلحتهم من أجل استهدافهما، ليتراجعوا عن ذلك في آخر لحظة. نصبوا الخيمة وقضوا الليلة هناك، وفي اليوم الموالي، الموافق ليوم لسبت 15 دجنبر المنصرم، صادفوا سائحتين أجنبيتين برفقة مرشدين محليين، ليستل رشيد مديته للاعتداء عليهما، غير أن عبدالصمد منعه من ذلك لوجود المرشدين السياحيين معهما، كما التقوا بسائح أجنبي آخر يتسلق الجبل، وقد كان قاب قوسين من قتله قبل أن يمنعهم من ذلك وجود أفراد من الساكنة المحلية بالقرب من المكان، ثم واصلوا السير في اتجاه الشلالات بقمة الجبل، وهناك صوروا شريطا وهم يرددون أناشيد “جهادية” وعبارات التوحيد، وفي صباح اليوم الموالي، واصلوا رحلة البحث عن الصيد الثمين، إذ توجهوا نحو كهف “شمهروش”. جريمة مروعة تشير وثائق البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي المتعلقة بالقضية إلى أن المتطرفين الأربعة صادفوا حوالي الساعة السابعة من مساء الأحد 16 دجنبر سائحتين شابتين تقومان بنصب خيمة تبعد بنحو 150 مترا من خيمتهم، وما كادت تمضي ساعات قليلة بعد ذلك، حتى استلوا كل أسلحتهم وتوجهوا صوب السائحتين الأعزلتين. قام “يونس.أ” بإصدار صوت من أجل إيقاظهما وإجبارهما على الخروج، أما “أبو مصعب”، فقد وجّه وابلا من الطعنات إلى الخمية، وما إن همّ بفتحها حتى فوجئ بإحدى السائحتين تحاول الخروج، ليباغتها عبدالصمد بطعنة سكين على مستوى يديها، مما جعلها تندفع بقوة محاولة الفرار، غير أنه وبمساعدة رشيد حاصراها وأحكما قبضتهما عليها. حاولت السائحة الدانماركية “لويز فيسترغر جيسبرسن” الخروج من الخيمة والفرار، وهي ترتدي لباس نوم خفيف، غير أن “المجاهدين” تمكنا من السيطرة عليها، بطحها أرضا وهي شبه عارية، فقد كانت ترتدي بالكاد تُبّانا أسود وقميصا أبيض، وضع “أبو أسية” قدمه على وجه السائحة، ثم ذبحها من الوريد إلى الوريد مرددا عبارات “هذا لإخواننا في الهجين”.. “هذا ثأر لإخواننا في الهجين”.. “باسم الله، هكذا فعلتم بإخواننا”. “والله لنثأرنّ ولن نكون مازحين مع الطغاة”..”ها هي رؤوسكم يا أعداء الله”، فيما كان “رشيد.أ”، يقوم بعمل مزدوج في الآن نفسه، يساعده في شل حركة السائحة، عن طريق الضغط بقوة على رأسها، ويصور عبدالصمد، وهو يذبحها. لم تكن أداة الجريمة حادة كِفاية لتمكنه من فصل الرأس عن باقي الجسد، وهو ما دفعه لأن يستدير نحو رشيد وطلب منه أن يسلمه مديته، التي استعملها لكسر عظم الرقبة موجّها لها ضربات قوية من الأمام والخلف، قبل أن يتمكن من نزع رأسها ووضعه بجانب جسدها. أما “يونس .أ”، فقد دخل الخيمة ليجد السائحة الثانية، النرويجية “إرين أولاند”، جالسة بمكانها عاجزة عن القيام بأي حركة بسبب حالة الذهول التي أصابتها، قبل أن يوجه إليها المهاجم طعنة سكين على مستوى عنقها، وينقض عليها محكما قبضته على عنقها بذراعه الأيسر للإبقاء عليها مستلقية على الأرض، ثم أخذ يطعنها في الرأس والصدر والظهر والذراع وأجزاء أخرى مختلفة من جسدها، وبعدما خارت قواها وفقدت قوتها على المقاومة والدفاع عن نفسها، أمسكها بقوة من رأسها إلى الأعلى، وذبحها من عنقها، ثم قام بتكسير فقرات عنقها ليفصل رأسها ويحمله بيده إلى خارج الخيمة، تاركا باقي الجسد في الداخل، ثم طلب من رشيد تصوير الرأس المقطوع بعدما كان انتهى للتو من تصوير الجريمة الأخرى المروعة التي اقترفها مع عبدالصمد. مباشرة بعد ذلك، وعند حدود الساعة الواحدة من صباح اليوم الموالي، متهم أجنبي صرح أحد المتهمين، خلال مرحلة البحث التمهيدي، بأنه سبق أن توجه رفقة شخص، يدعى “عبدالغني.ش” وملقب ب”المسفيوي، والمتهم السويسري “كيفن زولير جيرفوس”، ويُدعى “عبدالله” و”أبو يحيى”، إلى أحد الأندية الرياضية بضواحي مراكش، وقد وجدوا في انتظارهم أربعة أشخاص، وبعدما تكلف أبو يحيى بأداء 1500 درهم مقابل ولوجهم إلى النادي، تسلم كل واحد منهم حوالي 100 خرطوشة مملوءة بالطلاء، ولباسا شبه عسكري وحذاءً وقبعة، ثم توجهوا إلى ساحة مليئة بالحواجز تحاكي ساحات القتال، وشرعوا يقومون بمناورات وعمليات قتال بتلك “الأسلحة”، وهو الأمر الذي أعجبه، خاصة وأنه “تتملكه رغبة قوية لتطبيق ذلك على أرض الواقع بأسلحة حقيقية في مواجهة أعداء الله”. ويتابع المتهم نفسه، بأن السويسري/الإسباني عبدالله زاره بمنزله، حيث تبادلوا نقاشات حول قاعدة “من لم يكفر الكافر فهو كافر”، والاستدلال عليها بآيات قرآنية، قبل أن يخبره المتهم الأجنبي بأنه سيتوجه إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك الحج، مستفسرا إياه عما إذا كان يرغب في أن يحضر له عطورا من هناك. محاميا الطرف المدني، ممثلا في والد الضحية الدانماركية، “جيسبرسن كلاوس إيستيراجير”، يؤكدان بأن المتهمين الأربعة بالتنفيذ المادي للجريمة صرّحوا، تمهيديا وأمام قاضي التحقيق، بأن “جيرفوس” كان يرسل إليهم “أشرطة متطرفة”، وكان يشرف على إجراء تداريب لهم في الرماية بضواحي مراكش، وهي التداريب التي يؤكد المحاميان بأن ظاهرها رياضي، فيما هدفها الرئيس هو تعليمهم الدروس الأولى في استعمال الأسلحة والتصويب والتسديد. في المقابل، نفى المحامي سعد السهلي، الذي يؤازر المتهم، بأن يكون المتهمون الأربعة صرحوا بأن “جيرفوس” كان يرسل إليهم “أشرطة جهادية”، كما أكد بأن التصريحات التي أدلى بها المتهمون الأربعة لم تشر على الإطلاق إلى أي تداريب مفترضة في الرماية، وإنما يتعلق الأمر برياضة “البينتبول”، التي يتوزع فيها المتنافسون على فريقين اثنين مكونين من خمسة لاعبين، ويستعملون رشاشات بلاستيكية محشوة بطلقات منالصباغة، وهي اللعبة التي قال بأنها تمارس داخل أندية رياضية.