من ذا الذي لم يشعر ذات يوم بالظلم أو ب”الحكرة” من طرف شخص أو جهة أو سياق، سواء بحق أو بغير حق؟ أكيد كلنا ذاك الرجل. وعندما نشعر، نحن المغاربة، بالظلم فإننا غالبا ما نستنجد بالسماء لعلها تنتقم لنا من الظالمين. وعندما نشعر أن السماء “تأخرت” في الاستجابة لنا فإننا نستنجد بالأرض، بل إننا قد نهدد ب”النزول” إلى الرباط لعل هذه المدينة تنصفنا ولعل الظالمين يتوارون قليلا إلى الخلف. لماذا نفعل ذلك؟ نفعل ذلك لأننا أحيانا، وتحت وقع الإحساس بالظلم و”الحكرة”، يخيل إلينا أن هذه السماء، التي نرفع لها أكف الضراعة في لحظات التيه والضعف، هي مجرد امتداد لأرض لا ينبغي أن يظلم فيها أحد. وربما هذا فعله أشقاء زميلنا توفيق بوعشرين مؤسس هذه الصحف الناجحة ( “أخبار اليوم” و”اليوم 24″ وسلطانة”) والتي تشغل أكثر من 100 شاب وشابة هم اليوم مهددون في لقمة العيش دون أن تنتبه لهم لا دولة ولا “عدالة” ولا “تنمية” ولا نقابة ولا مجلس للصحافة. نعم لقد شعر أشقاء توفيق بالظلم وشعروا ب”الغبن” لأنهم لاحظوا أن كل شيء، في محاكمة أخيهم، غير عاد وغير طبيعي خاصة بعد هذا الحكم الابتدائي القاسي والثقيل الذي نزل عليهم كالصاعقة: 12 سجنا نافذا. وبالفعل، فمحاكمة توفيق فيها ربما الكثير من السياسة والقليل من القانون حتى أن هيئة حقوقية أممية طالبت بالإفراج الفوري عن المعني بالأمر حتى دون أن تنظر في مصمون التهم المنسوبة. لماذا؟ لأن الخروقات، التي أحصاها الخبراء القانونيون في هذه الهيئة الأممية، على مستوى الشكل، كانت كافية لتصنيف محاكمة توفيق في خانة المحاكمات السياسية دون إلى الحاجة إلى تعقب باقي الخروقات الأخرى على مستوى الجوهر والموضوع. ولأن منسوب الظلم كان بهذا الجحم في نظر إخوة توفيق فقد أرسلوا شقيقتهم الى الديوان الملكي لوضع رسالة تظلمية يشكون فيها بثهم وأحزانهم إلى ملك البلاد بكل الأدب اللازم وبكل الاحترام الواجب لجلالته. لكن الذي وقع هو أن موظفا بالديوان الملكي رفض تسلم هذه الرسالة التظلمية كما لو أن أشقاء يوعشرين ليسوا مواطنين مغاربة وليسوا ملكيين ولا حق لهم في الشكوى والتظلم والاستنجاد بملكهم بكيفية احترمت فيها كل الأعراف وكل التقاليد “المرعية”. المثير أكثر هو أن موظف الديوان الملكي رفض تسلم الرسالة التظلمية من شقيقة بوعشرين حتى دون أن يقرأ أو يعرف مضامينها. ولا داعي لعرض باقي تفاصيل هذه الواقعة لأن ما يهم هو ألا يكون هذا الرفض قرارا أملته دواع لها صلة بنزعة لدى البعض أو لدى “جهة ما” تريد احتكار الملك لنفسها وترفض أن تخلي بينه وبين الناس من شعبه الذي يكن له كل الحب وكل الوقار. ثم إن الملك ليس ملكا لأحد دون آخر أو لفئة دون أخرى. الملك ملك الجميع. أي لجميع المغاربة بلا استثناء مسلمين ويهودا ومسيحيين ومن لا دين لهم. وهذه واحدة من الصور المشرقة للمغرب: وطن واحد لكنه متعدد الروافد ومتعدد الأعراق ومتعدد الأديان ومتعدد الثقافات ومتعدد المذاهب ومتعدد المعتقدات. إذن فما معنى أن يحاول البعض بناء جدران سميكة وأسوار عالية لمنع أي تواصل بين المغاربة وملكهم خاصة إذا كان هذا التواصل لا يعدو أن يكون مجرد استعطاف أو رسالة تظلمية أو شكوى من حيف؟ ومع ذلك، كم أتمنى أن يكون هذا الرفض لتسلم رسالة تظلمية من أشقاء بوعشرين هو مجرد “اجتهاد” لموظف بالديوان الملكي أخطأ التقدير ليس إلا. صحيح قد يكون هذا الموظف أسس “اجتهاده” على أشياء أخرى لها علاقة ربما بلجوء بوعشرين الى القضاء الدولي أو بتحركات عائلته بالعواصم الأجنبية أو بالخط التحريري غير المهادن لكل من “أخبار اليوم” و”اليوم24″. وأنا فعلا أختلف مع توفيق في قضية تدويل ملفه لأن التدويل ربما قد يعقد الأمور في هذه القضية أكثر مما يدفعها نحو الانفراج. ولعلي هنا ألتقي مع عبد الإله بنكيران عندما استشير في مدى “صوابية” فكرة بعث رسالة إلى الملك في ملف توفيق توقعها شخصيات وازنة مثل بنسعيد أيت أيدر وعبد الرحمن اليوسفي وآخرون. بنكيران قال بغير تردد بهذا الخصوص: “لكن أنتم في أخبار اليوم هاجمين، فكيف تريدون بعث رسالة إلى جلالة الملك؟!”. وظني أن حل ملف توفيق لن يأتي أبدا من الخارج بل الحل يوجد هنا بالداخل لكن باستراتيجية جديدة وربما بمحامين جدد وخطة عمل جديدة تقطع مع سياسة الهجوم وتنتصر لسياسة اليد الممدودة للجميع لأن البلد فيه الكثير من رجال الدولة الكبار وفيه الكثير من العقلاء والكثير من الحكماء. على سبيل الختم: أعترف أن لدي علاقات صداقة وعلاقات طيبة وودية مع العديد من المحامين الذين يترافعون لفائدة الفتيات المشتكيات ضد بوعشرين. والمحامي محام ومهمته أن يدافع عن أي شخص ولا يهم إن كان هذا الشخص جانيا أو ضحية لأن المحامي هو حقوقي بالضرورة ورسالته التبيلة هي الدفاع عن الحق في المحاكمة العادلة. وإذا كان بعض المحامين الذين ترافعوا في ملف بوعشرين حافظوا على هيبة المحامي ووقاره ووضعه الاعتباري، فإن هناك آخرين أساؤوا إلى البذلة السوداء ومسحوا بها الأرض. لكن ما لا يعرفه عموم الناس هو أن البعض من أولئك الذين ترافعوا ضد بوعشرين كانوا يصرخون ويبالغون في الصراخ ليس لأن لهم نزعة حقوقية وقلوبهم مع المشتكيات. أبدا. لقد كان البعض يصرخ عاليا ويبالغ في الصراخ لأنه تقاضى أتعابا تراوحت بين آل60 مليون وال80 مليون سنتيم. أما منسق “العملية” تحت الطاولة فقد خص نفسه بحصة الأسد. بقي فقط أن أتساءل: من هي الجهة التي تكفلت بأداء أتعاب هؤلاء المحامين الذين امتهنوا الصراخ في الطرقات ونسوا المهنة والأخلاقيات؟ لا جواب عندي ولا أعرف ولا أريد أن أعرف ولن أتهم أي جهة ولن أتهم أي شخص لأن الأهمية كانت دائما للمتن لا للحواشي.