تناولت دراسة مقارنة بين دول شمال إفريقيا، المغرب، تونس ومصر، سياسات التعامل مع المقاتلين العائدين من مناطق النزاع كسوريا والعراق أشرف عليها معهد “إيغموند” ومؤسسة “كونراد أديناور شتيفتونج”. التقرير ركز بالأساس على طريقة تجاوب حكومات البلدان المعنية مع قضايا المقاتلين العائدين من مناطق النزاع. وفي هذا الصدد، تعد تونس أكبر مزود للمقاتلين لبلاد الشام، كما يعد المغرب ومصر، أيضا، من البلدان التي تشهد أعدادا مهمة من المقاتلين المتوجهين إلى مناطق النزاع. وأبرز التقرير أنه في نهاية 1999 وبداية عام 2000، كانت هنالك معرفة ببعض المخاطر التي تتهدد دول شمال إفريقيا، ومع ذلك لم تتخذ إلا تدابير محدودة للتعامل مع موجة المقاتلين الأجانب العائدين إلى الدول الثلاث، باستثناء المغرب الذي يعتبر البلد الأكثر تقدما على مستوى التعامل مع هؤلاء عبر السياسات التي اعتمدها.
المقاربة الأمنية اتخذ المغرب تدابير قانونية معززا من ترسانته الأمنية، بالإضافة إلى اعتماده برامج خاصة لمحاربة التطرف، فيما تعد تونس ومصر الأقل شفافية على مستوى التعامل مع مقاتليها العائدين، وأبانتا على قدرات محدودة في هذا الجانب، بحسب المصدر ذاته. وبشكل عام، أشارت الدراسة المقارنة أن البلدان المغاربية، عموما، تفتقر إلى نهج شامل في التعامل مع المقاتلين العائدين، من ضمنها سياسات التعامل غداة الاعتقال وتقديم الاستشارات وإعادة الإدماج بعد خروج هؤلاء من السجن، وهو ما يطرح إشكالية عودة هؤلاء المقاتلين مرة أخرى إلى ممارسة نشاطاتهم، كما وقع في منتصف الثمانينيات. ونجح المغرب في التصدي للهجمات الإرهابية على مدار السنوات القليلة الماضية برغم تحديات المقاتلين الذين تجاوز عددهم الألف، والذين انضموا إلى التنظيم المتطرف “داعش” وتنظيمات متطرفة أخرى في مناطق النزاع، “وبرغم من أنها ليست بظاهرة جديدة، فإن عدد المغاربة ضمن المقاتلين الأجانب يبقى مهما وغير مسبوق”، تقول الدراسة. وتبقى السياسة الأمنية النهج الأكثر اتباعا لمعالجة قضية المقاتلين العائدين من قبل المغرب، بحسب المصدر ذاته. يُضاف إليها بعض الإصلاحات القانونية واعتماد برامج محاربة التطرف داخل السجون، كما انخرط المغرب منذ أكثر من عقد في إصلاح المجال الديني مع محاربة الفكر الديني المتطرف “باعتباره أصل المشكل”، على حد التقرير. النجاة من تهديدات “داعش” في خطاب ألقاه زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي عام 2014، وجه فيه تهديدات إلى المغرب باعتباره سيكون الهدف المقبل لهجمات التنظيم. من جهتها، لم تستخف السلطات المغربية بهذا التهديد واتخذته على محمل الجد. التهديد أعاد إلى الواجهة مخاطر متعلقة بعودة المقاتلين إلى البلاد سعيا إلى ارتكاب هجمات إرهابية أو تحريض آخرين للقيام بها. وباستثناء الحادث الأخير المتعلق بنحر سائحتين اسكندنافيتين في دجنبر الماضي، لم يشهد المغرب أي هجمات إرهابية منذ الحادث الذي هز مراكش عام 2011، عقب تفجير مقهى في ساحة جامع الفنا السياحية، ما أسفر عن مقتل 17 شخصا وإصابة أكثر من 20 آخرين، ونسب الهجوم آنذاك إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وأشار التقرير إلى أن أبرز المعطيات الواردة حول عدد المقاتلين المغاربة العائدين، معطيات رسمية تعود إلى وزارة الداخلية بالأساس، إلى جانب المكتب المركزي للتحقيقات القضائية. لكن مع ذلك أشار التقرير إلى أن بعض الأرقام التي كشفت عنها مصادر مستقلة على غرار معهد “ويلسون” و”الواشنطن بوست” و”الأمم المتحدة”، كانت قريبة من الأرقام الرسمية للسلطات المغربية. وبحسب المعطيات التي أوردها المكتب المركزي للتحقيقات القضائية، والتي اعتمدها التقرير كمصدر، فإن عدد المغاربة الجهاديين الذين سافروا إلى سوريا والعراق بين عامي 2013 و2017 يبلغ 1664 شخصا، بينها 285 امرأة و378 طفلا. تقرير الاستشارات الاستخباراتية AICS أورد أرقاما أعلى قليلا، مما أفصحت عنه السلطات المغربية، إذ أبرز التقرير أنه طبقا للمصدر أعلاه، فإنه يوجد ما مجموعه 1800 مقاتل، كما أن عدد المقاتلين بلغ ذروته بين يونيو ودجنبر من عام 2013، إذ بلغ عدد الملتحقين بميادين القتال في سوريا 900 مغربي، معظمهم انضموا إلى “داعش” خلال هذه الفترة. ونطالع في ما ورد في الدراسة أنه ليس كل المغاربة يلتحقون مباشرة عن طريق السفر لبلاد الشام، بل عدد منهم يسافر إلى ليبيا كخطوة أولى، ويقدرون بنحو 300 شخص، في يناير من عام 2018. وإذا ما جرى إضافة المغاربة الأوروبيين، فمن المحتمل أن يتضاعف العدد إلى ما بين 2000 و2500 مقاتل، بحسب الدراسة. الفقر والهشاشة أبرز الأسباب وفي تفسير الدراسة لأسباب التحاق المغاربة بمناطق النزاع، نطالع في مضامينها أن “التجنيد للجهاد جاء مع بداية الربيع العربي، وكان المغرب حينها عضوا في مجموعة أصدقاء الشعب السوري، واستضاف اجتماعها الرابع في مراكش في دجنبر عام 2012. خلال هذا الاجتماع جرى الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري. وفي غضون ذلك أطلق مشايخ العالم الإسلامي السني دعوة إلى دعم المجتمع السني في سوريا، “وهو ما قد يكون فسر من قبل الملتحقين على أنه دعوة إلى الجهاد”. واستنادا على ما صرح به مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، يقول التقرير، فإن 80 في المائة من المغاربة المقاتلين في مناطق النزاع يجري استقطابهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الفيسبوك وتويتر على الخصوص، فما مجموعه 377 حسابا على الفيسبوك وتويتر مرتبط ب”داعش” جرى حظره خلال أوائل عام 2017، بحسب المصدر ذاته. “رقم 80 في المائة يبدو مرتفعا جدا مقارنة مع معطيات في أوربا، وهو ما يرجح فرضية أن مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب قوية جدا”. ونطالع في المصدر ذاته على أن أغلب الجهاديين المغاربة يسافرون إلى سوريا عبر السفر من مطار محمد الخامس صوب اسطنبول التركية، ومن ثمن إلى منطقة غازي عنتاب جنوبتركيا أو مدينة جرابلس التركية المجاورتين للحدود السورية. ومع تشديد السلطات المراقبة على هذا الخط، اتجه الجهاديون إلى سلك طرق أخرى عبر السفر إلى تونس أو ليبيا، ومن ثم إلى مناطق النزاع. الشمال في الصدارة عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمقاتلين المغاربة، تقول الدراسة إنه لا توجد هنالك معطيات وفيرة في هذا الجانب. فمن ضمن هذه الدراسات تلك التي أنجزها مركز الشمال لحقوق الإنسان، والتي أظهرت أن ثلثي المقاتلين أقل من 25 ربيعا. وثلاثة أرباع منهم ينتمون إلى الطبقات الهشة والفقيرة التي تعيش بضواحي المدن الكبرى، على غرار البيضاء وسلا وطنجة. وتعد مناطق الشمال، وعلى الخصوص طنجة وتطوان والحسيمة، من أكثر المناطق تصديرا للمقاتلين، علما أن هذه المناطق تعاني من ارتفاع معدلات الأمية والهدر المدرسي والبطالة، كما تعتبر أرضا خصبة للشبكات الإرهابية عبر الوطنية. وبالرغم من اعتماد المغرب على عدد من السياسات لمحاربة الفقر وخلق فرص شغل عبر إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلا أنها لم تسهم بشكل كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالشكل المطلوب، بحسب التقرير. هذا، وبلغ عدد العائدين عام 2017، بحسب مصادر رسمية، نحو 213 شخصا، وهو ما يمثل 12.8 في المائة من مجموع المغاربة. الأمر الذي يعني أن أكثر من نصف المقاتلين لازالوا في مناطق النزاع، إما لكونهم يقاتلون في صفوف التنظيمات المتطرفة، أو لأنهم يوجدون في قبضة السلطات الملحية في سوريا والعراق وكردستان. حوالي 213 من العائدين موزعين بين 146 رجلا و52 امرأة و15 طفلا، غالبية هؤلاء يقبعون في السجن، حاليا. ظاهرة ليست جديدة انضمام المغاربة إلى القتال في صفوف جماعات متطرفة ليس بجديد، يقول التقرير، فعشرات المغاربة كانوا التحقوا بأفغانستان عام 1980 للمشاركة في الحرب الأفغانية ضد الاحتلال السوفياتي. وحينما تمكنت الطالبان من السلطة عام 1996، قام التجمع الإسلامي للمقاتلين المغاربة بتجنيد المغاربة الذين قرروا الذهاب إلى أفغانستان والتخطيط لشن هجمات ضد المغرب، وهو ما أدى في وقت لاحق إلى وقوع الهجمات الإرهابية التي هزت مدينة الدارالبيضاء عام 2003، وكذا تفجيرات مدريد عام 2004..