*الدكتور علاء الدين بنهادي، دبلوماسي سابق، وأستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية متى تعرفت على توفيق بوعشرين؟ لقد تعرفت على السيد توفيق بوعشرين ونحن طلبة بدبلوم الدراسات المعمقة بكلية العلوم القانونية بجامعة محمد الخامس-أكدال. وتزاملنا خلال هذه الفترة الدراسية على مدى سنتين 1995-1997، ونشأت بيننا علاقة صداقة امتدت إلى خارج أسوار الجامعة مع ثلة من أصدقاء آخرين. لقد كانت علاقة قائمة على الاحترام والتقدير المتبادل امتدت لسنين وكانت مليئة بالأحداث الجميلة والسجالات الفكرية والسياسية، لم نكن نتفق بالضرورة، لكن جو المرح وروح النكتة ورحابة الصدر التي كانت دائما ما تتسلل بين جنبات لقاءاتنا، شكلت دائما مخرجا لأي اختلاف في وجهات النظر بيننا. كان الاحترام هو سيد الموقف دائما. وفي تقديري الشخصي أن رصيد السيد توفيق بوعشرين مليء بمواقف إيجابية خلال مسيرته المهنية، أصابت الكثير من الأهداف وأقلقت الكثير من الجهات الرسمية والحزبية والاقتصادية وأخطأت في بعضها، وتلك اختيارات الرجل تلزمه ولا تلزم غيره، لذلك، ورغم الاختلاف والتباعد بيننا، فإنني أعترف بما قدمه للصحافة المغربية القائمة على نقل الخبر والتحقيق والتحليل. ما هي أهم ذكرياتك معه؟ هناك ذكريات كثيرة وجميلة عشناها خلال دراستنا وبعدها، وأجمل الذكريات كانت مع رئيس الحكومة الراحل عبدالله إبراهيم رحمه الله، أستاذنا في مقرر تاريخ الدبلوماسية المغربية، ورفيق دربه الصديق الراحل الدكتور عبداللطيف حسني. لقد انتبه مولاي عبدالله إلى ثلة من الطلبة في طرحها ومناقشاتها ومرجعتيها وطبيعة أسئلتها الراهنة والتاريخية والمستقبلية، كان عبد ربه والأستاذ توفيق والدكتور عبدالعلي حامي الدين والدكتور عادل الموساوي وآخرون، وكنا عادة ما نستمر في النقاش خلال زمن الحصة لأنها كانت فرصة أمام قامة أخلاقية وسياسية ووطنية قد لا تتكرر لنا، فكنا مرة نسائله، ومرة نستفزه بأسئلتنا الحارقة والمحرجة حول ما آلت إليه الحياة السياسية والحزبية ببلادنا بعد تجربة الحركة الوطنية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية من تآكل وتراجع. وانطلاقا من علاقة الاحترام والتقارب والود التي نمت بيننا وبين الراحل مولاي عبدالله، دعانا إلى زيارته في بيته الكريم بالدار البيضاء، وهناك قضينا نحن الأربعة يوما كاملا لن ننساها في رحاب كتاب تاريخ مفتوح، وكنا نشعر بحزن وحسرة في قلب ونبرة الرجل لما آلت إليه الأمور بعد نصف قرن من الاستقلال. لكن، وللأمانة، كان دائما يرفض أن يطعن في أي شخصية سياسية أو ينال من ذمتها رغم ما عرفت عنها من مواقف سياسية متخاذلة. وقد تطور هذا النقاش بيننا حيث طلب من الصديق الراحل الدكتور عبداللطيف حسني بعقد اجتماع ثان معنا في مقر الحزب بالرباط، لاستكمال نقاشاتنا في سياق ما صرح به الراحل مولاي عبدالله، وهو مراجعة الأرضية الفكرية والإيديولوجية للحزب بنية إحيائه من جديد، لكن هذا الحوار الهادئ والبناء توقف لظروف فرضها واقعنا جميعا. كيف ترى تجربته الصحافية؟ مرت تجربة السيد بوعشرين بمراحل عدة قد نتفق أو نختلف مع بعض محطاتها، لكن برز خطه التحريري في تجربته الأخيرة مع “أخبار اليوم”، وتجلت مواقفه لا كصحافي فقط، ولكن، أيضا، كمثقف له اختيارات وقناعاته داخل المشهد السياسي العام، وهذا أحد الأسباب وراء محاكمته اليوم، دعمه لتجربة حكومة بنكيران بشكل عام، رغم انتقاداته لبعض قرارات ومواقف بنكيران السياسية، وانتقاده ل “بلوكاج” حكومة بنكيران الثانية، وإدانته وتعريته لكل الجهات التي كانت وراء ذلك. تمثل كتابة السيد توفيق استمرارية لتجربة جيل بدأ نفس النهج التحريري والاستقصائي، الذي تم إجهاضها في مهدها أو استقطاب بعض رموزها، تجربة كان روادها السادة أبو بكر الجامعي ونورالدين مفتاح وعلي المرابط وعلي أنوزلا وآخرون، تفرقت بهم السبل فيما بعد، إلا أن مما يميز كتابة السيد بوعشرين خلفيته الفكرية والسياسية التي بدأت في المرحلة الجامعية، وضبطه لآليات تحليل علم السياسة، كما لعبت علاقاته المتعددة دورا مهما في فهم بنية السلطة وصراعاتها وتعقيداتها. كان السيد توفيق يعتقد بأن العهد الجديد قد قطع حقيقة مع أساليب العهد السابق، وكتب أعمدة مشهورة يثمن فيها ما اعتقده تطورا في منظومة الحكم وتوجهاته “الإصلاحية”، دافع عن دستور 2011 وعن خطاب 9 مارس، لكنه تلقى يوم الثالث والعشرين من فبراير 2018، صدمة قاسية عبر اعتقاله بطريقة هوليودية واتهامه بالاتجار في البشر كما اتهم من قبله السيد علي أنوزلا بدعم الإرهاب والترويج له وحوكم بموجب قانون مكافحة الإرهاب، ويتابع اليوم، السيد عبدالعلي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية والحقوقي ورئيس لجنة التعليم بمجلس المستشارين، في قضية سقطت قضاء وعدالة انتقالية عبر مقرر تحكيمي لهيئة الإنصاف والمصالحة، وحفظت عام 2012، وصدر بصددها قرار بعدم فتح أي تحقيق قضائي، لتخرج اليوم ضدا على القانون والعدالة وقواعد القانون الدولي. كيف تنظر إلى اعتقاله والحكم الابتدائي الصادر في حقه؟ وجه الاستغراب والتعجب يكون في محله لو تم اعتقال السيد بوعشرين بالطريقة التي شهدها العالم في دولة القانون والمؤسسات والحكم الراشد، أما والحالة أنه تم في بلد تفزع حكومته وتفقد صوابها لقرار فريق العمل الأممي، حكومة ديباجة دستورها يفتخر بانضمامها إلى مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا وجعلتها تسمو فوق قوانينها الوطنية، فإن الاستغراب والتعجب غير واردين عندي، لأن السلطة التي تقوم على الأهواء والأمزجة والأنانية لا حدود لتعسفها. وإذا كانت طريقة وملابسات الاعتقال مخالفة قانونية وإجرائية وحقوقية، فلا شك أن الحكم الابتدائي هو، كذلك، منسجم مع أهداف من يحاكمون السيد توفيق اليوم. هؤلاء القوم لا يسمعون صوت الحق والعقل والقانون الوطني والدولي ولا يلتزمون بوعودهم، هم ماضون في سياسة كسر العظام ضد معارضيهم وصم الآذان حتى يخضع الشعب ويسكت نهائيا المعارضون ومن يؤيدونهم. ملف السيد توفيق مليء بالمخالفات الإجرائية ولقواعد المحاكمة العادلة ولشروط الاعتقال، اعتقال مخالف لروح القانون وللحكم الراشد، وفيه الكثير من التعسف، إنه اعتقال سياسي بامتياز. يحاكم السيد توفيق على مواقفه السياسية وخطه التحريري بشكل عام. كيف استقبلت قرار فريق العمل الأممي الذي اعتبر أن بوعشرين اعتقل من أجل نشاطه الصحافي، وطالب بإطلاق سراحه ومحاسبة المسؤولين عن اعتقاله، وكذا تقرير منظمة “أمنستي الدولية” الذي جاء متفقا مع القرار الأممي؟ إنه بالرغم من عدم إلزامية قرار فريق العمل الأممي وتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، إلا أن لها سلطة أخلاقية قد تصل إلى حد الإدانة أمام المجتمع الدولي، قرار ستتبعه خطوات أخرى على الصعيد الأممي والدولي، بلادنا في غنى عنها اليوم. الغريب في الأمر هو حينما تشيد أجهزة ومنظمات أممية ودولية بالمغرب في قطاع من القطاعات، تعتبره الحكومة اعترافا دوليا بسياساتها وتجربتها، ولكن إذا جاءت التقارير الدولية والأممية منتقدة لبعض السياسيات في مجالات حقوق الإنسان والتعليم والعدالة الاجتماعية والاعتقالات التعسفية والإفراط في استعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين، انبرت لها الحكومة بالطعن والتهجم غير المبرر. إن اهتمام الأممالمتحدة، خاصة أجهزتها الحقوقية، والمنظمات الحقوقية الدولية بالمغرب يجب ألا يفهم على أنه استهداف للمغرب، ولكنه حرص منها على ألا تزيغ الدولة والحكومة عن التزاماتها الدستورية ومسؤوليتها الدولية تجاه ملف حقوق الإنسان، وعلى أن تستمر في ما راكمته، عبر نضالات منظمات المجتمع المدني والأحزاب لعقود وما قدمه المناضلون من ثمن باهظ خلال سنوات الرصاص، وهو ما أقره تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة رسميا. إن قرار فريق العمل الأممي وتقارير منظمات حقوق الإنسان الحكومية وغير الحكومية ليس لها مصالح شخصية مع السيد بوعشرين، ولا مع كل الذين يحاكمون اليوم ببلادنا من صحافيين وحقوقيين وسياسيين أو الذين يقضون أحكاما قضائية بمئات السنين، وإنما تؤكد على تذكير الحكومة المغربية بالتزاماتها الدولية في هذا المجال، بل بدستور البلاد الذي تتضمن مواده ضمانات توثق لاحترام حقوق الإنسان وشروط المحاكمة العادلة وتسمو بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية فوق الدستور والتشريعات الوطنية.