عمر طيبي* في سنة 2017 قام وزير الشؤون الخارجية، السيد ناصر بوريطة، بعدة رحلات مكوكية نحو بلدان المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب أفريقيا، أرفقها بتصريحات صحافية حول قرب، أو ربما "بداية انضمام" المغرب فعليا لهذه المجموعة ذات الشأن الاقتصادي والسياسي الهام داخل القارة الأفريقية، حتى بتنا، من فرط تصديقنا لمضمون هذه التصريحات، نحسب الأرباح ونعدّ الخسائر من عضويتنا في المجموعة إياها، بل شرعنا في تعويذ النفس على الحنين المرتقب إلى الدرهم، عُملتنا الوطنية العزيزة، بعدما نتخلى عنه لفائدة الفرنك الأفريقي العملة الموحدة لمنظمة "سيدياو". مرت سنة 2017، تلتها 2018، وها نحن نحث الخطو نحو منتصف 2019، وحلم الانضمام ل "سيديا"و يبتعد ويبتعد، ولم نعد ندري حتى ما إذا كنا ما نزال مرشحين للانضمام لإخواننا في المجموعة أو لم نعد كذلك. من الملفات الشائكة الأخرى التي تعاطى بوريطة معها، ملف العلاقات المغربية مع بلدان الخليج وتقلباته، التي مرت من دعوة الرباط بكل أريحية وحفاوة للانضمام كعضو كامل العضوية للراحل مجلس التعاون الخليجي، وحتى استفزاز إعلام القوم للمغاربة بخصوص أقاليمهم الصحراوية ووحدتهم الترابية، مرورا بأزمة قطر، وسعي المغرب للعب دور الوسيط المحايد في معالجة هذا المشكل الحاد، ثم انحياز السعودية والإمارات لأمريكا، على حساب المغرب، في ملف الترشح لمونديال الفيفا لكرة القدم بروسيا ، وانتهاء بسحب سفيري المغرب من السعودية والإمارات. بطبيعة الحال ، واكب بوريطة تطورات هذا الملف أيضا بالزيارات والتصريحات، وكان آخرها حديثه لقناة "الجزيرة" التي أثارت ردود فعل عدوانية من السعودية والإمارات، لكن والحالة هذه، لا زال المهتم والمتتبع لهذا الملف على نهمه، لا تفيده خرجات الوزير ولا دخلاته بشيء، بخصوص الوضع الحالي لعلاقات المغرب بدول الخليج، وبالتحديد من زاوية النظر المغربية للموضوع كما يفترض. وفسر مصدر مطلع، في رده على سؤال بخصوص السبب الكامن وراء هذا النوع من العي الاعلامي ، والعقم التواصلي لوزارة الخارجية في عهد الوزير بوريطة، بما أسماه بالعزلة التواصلية التي فرضها الرجل على نفسه، ومن السياجات والقطائع التي وضعها بينه وبين مساعديه الأقربين (الوزير المنتدب المكلف بالتعاون الأفريقي وكاتبة الدولة المنتدبة، والكاتب العام للوزارة) يضاف إليهم مقاطعته لمجموعة من السفراء، واستفراده بالتدبير الإداري للوزارة بعدما ترك منصب مدير الموارد البشرية شاغرا إلى حين، مقدما كمثال على انعكاسات التخبط الذي تعاني منه الوزارة على عمل السلك الديبلوماسي، قضية سفير المغرب في اليمن السيد محمد حما. تتمثل هذه القضية باختصار، وكما أوردتها بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، في أن السفير الذي واصل تحمل مسؤولياته الديبلوماسية في عز الأزمة اليمنية، أي عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وانقلابهم على الشرعية فيشهر يناير 2015، ثم بدء حرب قوات التحالف على الحوثيين، لم يَأْلُ جهدا في التواصل وعقد اللقاءات، مع المبعوثين الأمميين الثلاثة إلى اليمن ، وأيضا مع أعضاء الحكومة اليمنية الشرعية، وكذا مع سفراء دول التحالف العربي وآخرين. وكان آخر نشاط له في هذا الإطار رئاسته إلى جانب وزير الخارجية اليمني لمنتدى "الحوار حول اليمن" المنعقد في الرباط يوم 23 يناير 2019. حرص السفير إلى جانب ذلك على متابعة أوضاع الجالية المغربية المقيمة في اليمن المكونة من نحو 280 من الافراد ، أغلبهم نساء متزوجات من يمنيين، توجدن في وضعية هشاشة تامة ، وجلهن أرامل وثكالى؛ هشاشة زاد تها ظروف الحرب والحصار تفاقما، وكان من الطبيعي أيضا أن يحرص، في ظل هذه الأوضاع، على استمرار مقر السفارة مفتوحا، وأداء المستخدمين المحليين والأعوان الأمنيين لواجباتهم المهنية متواصلا. لكن الغريب العجيب في الأمر هو أن السيد بوريطة لم يكلف نفسه، طوال هذه المدة، عناء استقبال السفير ولا بحث معه المواضيع التي تدخل في نطاق اختصاصه، على أهميتها إن لم نقل خطورتها، ولا هو رد على المراسلات والتقارير والمذكرات والمقترحات التي ظل يرفعها إليه، الى أن فاجأه موظف بسيط في الوزارة بإخباره، مطلع شهر مارس الجاري(2019) بأنه لم يعد سفيرا للمغرب في اليمن بتعليمات من الوزير. العجيب الغريب مرة أخرى أن السيد بوريطة بدل أن يستقبل المعني بالأمر، ويسلمه قرار إعفائه، إن كان صادرا فعلا عن جلالة الملك، ولِمَ لا شكره على الخدمات التي أسداها لوطنه، مع حفظ المقامات والألقاب، كما يقتضي العرف بين ديبلوماسيين متمرسين، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرار المرفق الديبلوماسي المغربي في اليمن، فإنه فضل الهروب إلى الأمام ببعث رسالة، باسم جلالة الملك، إلى الجريدة الرسمية يتحدث فيها عن انتهاء مهام السيد محمد حاما كسفير للمغرب باليمن ابتداء من فاتح يناير 2019، لكن العجيب الغريب مرة ثالثة، هو أن هذه الرسالة لا تحمل أي تاريخ للإرسال، وترتكب خطا ديبلوماسيا وسياسيا فادحا بتسمية البلد المقصود "الجمهورية العربية اليمنية"، بدل "الجمهورية اليمنية" التسمية الرسمية لليمن الموحد منذ سنة 1990. أمام هذا اللبس الاجرائي الذي أحيط بوضع السيد حاما في وزارة الخارجية، يضيف المصدر، فإن هذه القضية، التي جاءت كسابقة في تاريخ الوزارة، أثارت استغراب، و استنكار، العديد من الديبلوماسيين وأطر الوزارة.