في هجوم بشع راح ضحيته 50 مصليا والعشرات من المسلمين في أقل من عشرين دقيقة ونفذه يميني متطرف داخل مسجدين في كرايست تشيرش، جنوب نيوزيلندا يُدعى “برينتون تارانت”، أسترالي الجنسية يبلغ من العمر 28 عاما، استيقظ العالم أمس الجمعة، على وقع صدمة كبيرة وثق خلالها الإرهابي اعتداءه الشنيع على المصلين بعد صلاة الجمعة، عبر فيديو مباشر على فايسبوك، واضعا كاميرا نقل مباشر مثبتة على رأسه وثقت لدخوله إلى مسجد النور، ولتساقط المصلين صرعى، فيما حاول بعض المصلين تفادي الهجوم بالهرب، لكن القاتل كان يتبعهم ويصوب نحوهم سلاحه موجهاً لهم رصاصات قاتلة. من جانبها، نفت السلطات المغربية وجود مغاربة ضمن ضحايا الاعتداءين الإرهابيين على مسجدين في نيوزيلندا. وفي هذا الإطار، نفى سفير المغرب لدى أستراليا ونيوزيلندا، كريم مدرك، في تصريح صحفي، سقوط ضحايا مغاربة، موضحا أن المعلومات المتوفرة، لم تشر إلى الإبلاغ عن سقوط ضحايا بين مواطنين مغاربة في الحادث المأساوي، مضيفا أن السفارة على تواصل مستمر مع السلطات النيوزيلندية لتتبع وضعية المواطنين المغاربة المقيمين في المدينةالجنوبية كرايست تشيرش. وحرصت السفارة المغربية بحسب المسؤول الدبلوماسي، على دعوة المغاربة المقيمين في كرايست تشيرش لاتباع تعليمات السلطات ومصالح الطوارئ في نيوزيلندا. حسب شهود عيان، فقد جلس منفذ مرتكب المذبحة ب”هدوء خلف مقود سيارته، يتجهز لرحلة دموية خطط لها مسبقاً وألّف من أجلها بياناً من 87 صفحة. أعدّ عدّته وجهّز أسلحته ووضعها في السيارة، ثم شغّل أغنية Serbia Strong، متجها نحو كرايست تشيرش بنيوزيلندا وتحديدا بمسجدي النور بشارع دينز وآخر بشارع لينوود، لينفذ عملية إطلاق نار وحشية لم تشهدها البلاد من قبل. وصل المهاجم “برينتون تارانت” كما يسمي نفسه إلى محيط المسجد وهو يرتدي ملابس مموهة تشبه ملابس الجيش. نزل من السيارة بسلاح في يده وآخر في جعبته، مترجلا نحو هدفه في حوالي الساعة الواحدة والنصف من زوال يوم أمس الجمعة، ليطلق النار عشوائياً على كل من وجده داخل المسجد، فيما يظهر المصلون وهم يحتمون في الزوايا خوفاً منه. وقع الهجوم الأول في مسجد النور بشارع دينز، حيث كان يعج بالمصلين، بينما وقع الهجوم الثاني في مسجد آخر بشارع لينوود. الأسلحة التي استخدمها المنفذ شملت بندقيةً نصف آلية استخدمها خلال المجزرة، منقوش عليها أسماء قتلة سابقين ارتكبوا مجازر، وأسماء المدن التي نُفذت فيها عمليات القتل وكذلك معركة فيينا عام 1683. والقاتل يميني متطرف، كان ينشر باستمرار صوراً لبندقيته مصحوبة بكتابات متطرفة، ونشر بياناً من 87 صفحة قبل ارتكاب جريمته بساعات. فيما تداول رواد الشبكات الاجتماعية بعض الصور الخاصة بالقاتل المحتمل مع صور لأسلحته، وقد كُتب عليها أسماء بعض الأشخاص، وتبين أن أصحاب هذه الأسماء ارتكبوا جرائم مماثلة. وفي أول تعليق له على الحادث المأساوي وصف أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في اتصال مع “أخبار اليوم”، الاعتداء الشنيع ب”الدموي والإرهابي والجسيم جدا، استهدف بشكل مباشر البعد الديني”، حيث كان لافتا، يضيف الريسوني، من داخل اجتماع للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين باسطنبول، أن “الهجوم على المسجد تحديدا، هجوم على حرية التدين وعلى الإسلام تحديدا، والذين قاموا بهذا الفعل يستهدفون الإسلام ويستهدفون التدين، ومن تم فهم يستهدفون حرية العقيدة، وحرية التدين”. وقال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن “الحادث يضعنا أمام مفارقة، وهي أن جميع الدول الإسلامية الآن والحكومات، والأحزاب والمنظمات الإسلامية المعتبرة صارت تحارب هذه الكراهية والتطرف بين المسلمين وتنبذه، وهذا ما جعله منبوذا وهامشيا ومدانا من المسلمين أنفسهم، لكن في الغرب للأسف هناك تحريض علني على الكراهية وعلى محاربة الإسلام”. وهو الوضع الذي يضع الحكومات الغربية بحسب الريسوني أمام مسؤولياتها إن أرادت أن تتعاون جميعها للقضاء على التطرف والإرهاب، لأنها مسؤولية الجميع”. لكن الريسوني أكد أن “الكثير من الغربيين من حكومات وأحزاب يسكتون عما يجري عندهم ويشجعون على احتقار الإسلام وعلى اتهام المسلمين دوما بالإرهاب، وهو الأمر الذي لن يمكننا من معالجة هذه الظواهر المؤسفة”. محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الدراسات الإسلامية، وصف الحادث ب”الإرهابي بكل المقاييس والمؤسف، وينبئ على المستوى السيء جدا الذي بلغته البشرية، وعلى الأثر المدمر الذي تخلفه الإيديولوجيات المتطرفة، وما تحدثه من شر ومن دمار سواء كانت دينية أو عرقية”. وقال أوبو حفص، “مهما كانت الدوافع والأسباب فهي لا تبرر بأي شكل نهائي مثل هذه الأعمال البشعة، وهذه العملية التي قام بها أحد أعضاء اليمين المتطرف بأوربا، تنبئ أننا فعلا في أزمة، ونحتاج معها إلى مناقشة وحوار كل تجلياتها وأبعادها للحد من مثل هذه الأفعال. الجديد والخطير في هذه العملية أنها بثت بشكل مباشر على شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما يشير إلى التوحش الذي بلغته مثل هذه الأعمال، وهو مؤشر خطير على تنامي الكراهية والإسلاموفوبيا في صفوف كثير من الشباب في أوربا”. وشدد المتحدث أن الحادث الأليم “يطرح تحديات على المجتمع الدولي وعلى حكومات الدول الأوربية لمراجعة الوضع وأساليب التعامل مع الجاليات المسلمة بهذه الدول، بغية الحد من مثل هذه الأعمال وإشاعة أجواء السلام والمحبة، ومحاولة محو كل الفوارق التي يمكن أن تزرع مثل هذه الكراهية بين قاطني الدول الغربية”. بالنسبة لسمير أبو دينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، “فحادث القتل الجماعي الوحشي، ضد أناس عزل مسالمين في مكان عبادة، ليس مجرد حادث عنصري ارتكبه شخص يميني متطرف في كراهيته للمسلمين، وفي إصراره على أن يوضح رسالته تلك للعالم بتوثيق مشهد العدوان، إنه أيضا مؤشر واضح للمدى الذي بلغه خطاب الكراهية ضد المسلمين، والتخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا). وهو خطاب تتعدد صوره وتجلياته، وتمثلاته أيضا في أماكن كثيرة من عالمنا.. وقال أبو دينار إن الحادث يؤشر على تنامي “خطاب شعبوي يميني يحمل المهاجرين مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية هناك، ويحمل خطابا “ثقافيا” وإعلاميا تحقيريا للقيم والمبادئ الإسلامية”. وأوضح رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، أن “الحكومات الغربية تتجه لتصبح أكثر اختراقا من قبل الخطاب اليميني الشعبوي الذي يتكرس في ظل سيطرة الانغلاق الهوياتي في الطبيعة المجتمعية والثقافية لبلدانهم، وينتعش معه خطاب كراهية المختلف فيه”. هذا وتوالت الإدانات وردود الأفعال الدولية وفي العالم الإسلامي، بعد الهجومين الإرهابيين أمس الجمعة على مسجدين في مدينة كرايستشيرش، بجنوب نيوزيلندا، حيث أكد الأزهر الشريف، أن الحادث “يشكل مؤشرا خطيرا على النتائج الوخيمة التي قد تترتب على تصاعد خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في العديد من بلدان أوروبا”. وندد أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بالهجوم الإرهابي المروع الذي استهدف مسجدين في مدينة “كرايست تشيرش” بنيوزيلندا، أثناء أداء صلاة الجمعة، ما أسفر عن مقتل وجرح العشرات.